نهاد حشيشو في كتابه: نهوض اليسار اللبناني وذبوله: الحزب الشيوعي نموذجا
ينطلق الكاتب والإعلامي نهاد حشيشو، في كتابه الأخير الذي بين يدينا: نهوض اليسار اللبناني وذبوله: الحزب الشيوعي نموذجا( دار المهى للطباعة والنشر- بيروت 2023)، لإعادة النظر في تجربته الشخصية التي عاشها. ولإعادة قراءتها من جديد، على ضوء الحصاد المر، مما إعتبره من “سنوات الجمر والرماد”. ولإعادة التقييم، لكل هذة التجربة التي خوض فيها، وشغلته، منذ الستينيات من القرن الماضي، حتى اليوم.
يعتبر الكاتب، أن تلك التجربة المرة، يجب أن تتوضح للرأي العام. وخصوصا لأصحاب الشأن، حتى يكونوا على هدي من أمرهم، وهم مستمرون في متابعة مسيرتهم التي بدأوها، منذ ثلاثة أرباع القرن، دون أن يجربوا تقييم هذة التجربة، ولا نقدها. ولا حتى التفكير في مراجعة المواقف، التي جرت على البلاد، كل هاتيك الصور من الهزائم والدمار والخراب. بحيث إنتقل لبنان، من وطن يشق طريقه إلى التطور والإزدهار، إلى وطن كسيح، يعيش يوميا وطأة الحديد والنار.
غلاف كتاب المؤلف نهاد حشيشو
كتاب الأستاذ نهاد حشيشو كما موقفه، إنما هو خلاصة ما إنتهى إليه، من مقتطفات أربع، إقتطفها من كتاباته السابقة كما يقول. والتي كان في كل مرة، ينبه تباعا، على كل أمر من أمورها. وقد أوردها في فهرس الكتاب، بحيث جاءت كالتالي:
1- المقتطف الأول من كتاب “قيادات وهزائم”
2- المقتطف الثاني: الشهيد جورج حاوي في حوار معه: سأنتفض وأحلم.
3- المقتطف الثالث: مناشدة شيوعي.
4- المقتطف الرابع: زمن الوحدة المصرية- السورية، سنوات تبديد المكاسب، وإستدراج القمع.
يذيل الكاتب، الفهرست، بأسئلة محرجة، كأنه يريد مناقشتها. كأنه يريد أن يأتيه جواب شاف عليها، من أصحاب الشأن، الذين ساقوا البلاد إلى مثل هذة الإتجاهات التي إنتهت بها إلى الهاوية. بل إلى القعر. قعر الهاوية. يسأل مثلا، فيقول: ” ردا على الشيوعي الوحيد: هزيمة بلا أبطال؟ ويسأل أيضا: ما إذا كانت الحرب الأهلية اللبنانية هي: حتمية. أم مؤامرة. أم مغامرة. يسأل عن مستقبل الحركة الشيوعية واليسار في لبنان والمنطقة العربية، وفي مسارها العالمي. كذلك يسأل عما أسماه: الأعطاب البنيوية التي إستطاعت أن تقصي اليسار عن تغيير النظام. ثم نراه يسأل أيضا وأيضا: لماذا عجز اليسار عن الإستمرار في مقاومة إسرائيل. ليفصل بعد ذلك، ويكشف عن سؤاله القديم الجديد، الذي يريد تبيان موقف الحزب الشيوعي بين بين الحقبتين: إطلاق جمول، (جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية)، وإنطلاق إنتفاضة17 تشرين الأول-2019. ويستنتج من كل ذلك، المسار التدرجي التاريخي لما أسماه “هزائم اليسار اللبناني: حيث الحزب الشيوعي هو القاطرة.
يذكر الكاتب في مقدمة كتابه، بتاريخه النضالي. وبإنتمائه الفكري للماركسية، وإنخراطه في صفوف الحزب الشيوعي. ومن ثم خروجه المبكر منه، لما وجد فيه، ما أسماه: “عدم ثوريته و عدم الإطمئنان لنهجه الإصلاحي”. وبسبب من عسكرته فيما بعد في زمن ظهور المقاومة الفلسطينية. وبسبب خضوعه للتجريب وبناء العلاقات مع الأنظمة العربية والأنظمة الشيوعية بخاصة، والعالمية بعامة، بلا إستراتيجية بعيدة المدى. تحمي الحزب الشيوعي واليسار اللبناني عموما، مما أسماه: “الإنحراف والتقوقع فالذبول”. وهو يقرن أستمراره في الحزب الشيوعي، بأستمراه في العمل النضالي لتحرير بلده من المحتل الإسرائيلي والوفاء لوطنه. على الرغم من إتخاذه، كمناضل قديم، منذ ستينيات القرن الماضي، المواقف الجريئة المنددة بمواقف الحزب الشيوعي وإنحرافه عن المسار النضالي النقابي السلمي والوطني، بصورة دائمة. والتي كان يصدرها تباعا، في أعمدة الصحافة اللبنانية والعربية. دون أن يتوانى عن ذلك منذ ذلك التاريخ حتى اليوم.
وكشيوعي معترض، بل يساري مناضل، كان نهاد حشيشو شديد الإلتزام بعمله النضالي. بلا تأخر ولا تذمر. خصوصا، وهو يتابع مجريات العمل السياسي في لبنان. دون أن يقع في التحيز أو الإنحياز، حتى مرحلة إنتفاضة ثورة تشرين الأول-2019.
فقد تعاطف نهاد حشيشو في بداية ثورة تشرين الأول-2019، مع طروحاتها. ووجد فيها ما يشبه الحركة الثورية الإعتراضية، ولو كانت مفتتة، وغير متجانسة. وذلك لأنها كانت تندد بتصاعد الأزمة المعيشية وتسارع الإنهيارين: الإقتصادي واللبناني.
ويقول مؤلف الكتاب: إن مواقفه التي، ضمنها الصحف المحلية من ثورة تشرين، ومن مسيرة ومسار الحزب الشيوعي اللبناني فيها، والذي سجلها في جميع كتاباته، إنما جاءت على خلفية إندفاعه وغيرته على الثورة. وهذا ما جعله لا يتوانى عن المطالبة بتسديد المواقف، وتقديم الآراء، التي تنظر في سلبيات، مواقف الحزب الشيوعي، كما كان ينظر في السابق في إيجابياته الكثيرة، التي بنت له مجدا من المد الشعبي، على مستوى اليسار اللبناني، والعربي. ذلك أن نهاد حشيشو، كان يريد، أن يقدم من خلال كتاباته الكثيرة الناظرة في السلبيات وفي الإيجابيات التي برزت أثناء مسيرة الحزب الشيوعي، وكذلك اليسار اللبناني، مادة بل ورقة تصلح للقراءة الهادئة، كما تصلح للنقاش، مع المهتمين والمتابعين، لحركة اليسار اللبناني وموقع الحزب الشيوعي، تاريخيا وواقعيا، من قيادة هذة الحركة، بكل ما نتج عن ذلك من سلبيات وإيجابيات، معا على حد سواء.
يتوقف المثقف والإعلامي نهاد حشيشو، المعتد بنضاله السابق، بين صفوف الحزب الشيوعي اللبناني، اليوم عند مراجعاته القديمة. يريد أن يسأل: ما الذي فعله اليسار والحزب الشيوعي على رأسه، من الإنهيار الكبير الذي أصاب الإتحاد السوفياتي، وما جر ذلك من توالي الإنهيارات، في جميع البلدان والمواقع والجبهات، التي كان يتموضع فيها المعسكر الأشتراكي. وكأنه يسأل عن عدم مباشرة الحزب الشيوعي، على رأس اليسار، لتقديم المراجعات على غرار البلدان الأخرى، وأخذ خيارات جديدة، تناسب تموضع لبنان، بحيث لا يساهم في سقوطه، كما يظهر اليوم بعد أعوام على ثورة 17تشرين الأول-2019.
نهاد حشيشو كان يريد للحزب، أن يقرأ موقف الراحل جورج حاوي ويفيد منها. تلك التي كان يريد من خلالها، العمل على عدم الإنجرار وراء العنف، لتحقيق برنامج الحزب الوطني الداخلي. فلو فعل ذلك، لكان قد قدم إنجازا تاريخيا، يوضع في خانة إنجازاته. لكنه لم يفعل ذلك، بل مضى يراهن على العسكرة، وعلى تحبيذها، ولو على حساب مصلحة البلاد العليا. وعدم التراجع عن مواقفه التي أوقعته في الحسابات الخاسرة . بدليل ما وصلت إليه البلاد حاليا، من تقهقر على جميع الصعد، وطنيا وعربيا وعالميا. ومن تهاوي إقتصاده، وإنحدار عملته الوطنية، وإنتشار الفساد في جميع إدارات الدولة، حتى بلغ السيل الزبى.
حقا كتاب نهاد حشيشو، هو خلاصة تجربته من سنوات الجمر والرماد كما يقول. وهو جدير بالوقوف عليه، لمراجعة المواقف والآراء التي كان يقولها في حينها، دون أن يأخذ اليسار اللبناني ولا الحزب الشيوعي اللبناني بها. فكان منذ العام2003، يحذر كما كان يحذر الراحل جورج حاوي، من ضرورة التخلي عن العسكرة، والعمل في الحقل المدني والنقابي. غير أن حظه من كل ذلك، أن يصاب بخيبة أمل. فكانت حاله حال الشاعر الجاهلي الأعشى، الذي أنشد سابقا:
كناطح صخرة يوما ليوهنها/ فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل.
د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية.
د. قصيّ الحسين