قصائد تونسية ( الحلقة 4 )
مع الفراشة التونسية ( الشاعرة سليمى السرايري )
بقلم الكاتب سوف عبيد
-×-×-×-×-
* الفراشة التونسية
أسمّيها فراشة لأنها عاشقة الألوان فمن أحمر وأخضر إلى أصفر وأزرق تتوشح بها من الرأس إلى القدم بل من حقيبة يدها إلى قبعتها إلى حذائها أيضا وكل ذلك في انسجام وتناسق فتخالها وهي قادمة كأنها فراشة تحلق في الفضاء…
تلك هي سليمة السرايري ذات المواهب المتعددة فهي شاعرة وكاتبة ورسامة ونحاتة وإذاعية ولها في التزويق والتحف وحتى في ابتكارات موضة الأزياء لمسات رائعة وقد ساعدها على ذلك نهلها من تراث الأمازيغ في الجنوب التونسي فأخذت منه نصاعة الألوان المشرقة والهندسات والرموز وجعلتها ميزة واضحة في إبداعاتها التشكيلية الخاصة مما أكسبها التفرد في هذا المجال الفني.
أما شعر سليمى السرايري فهو تعبير عن وجدانها الكاشف عن شجونها وأحلامها وقد اتخذت الرموز والصور قناعا فأضحت بوحا يكاد يكون تصريحا بما فيه من توهج وصدق المعاناة فقصائدها أنات حينا وصرخات أحيانا واختلاجات ورغبات وأحلام وإرهاصات كامنة تتراوح بين القلق والشبق تنساق في لغة صافية رقراقة … وأنت حين تسمعها وهي تنشد شعرها بصوتها الحالم تجعلك ترفل أو ترفرف في فضاء جنتك الضائعة.
وكيف أنسى ـ صالون السّرايا ـ وهو ملتقى الشعراء والأدباء والمبدعين على اِختلاف مجالاتهم وبلدانهم وهو الفضاء الثقافي الذي تديره سليمى السرايري بمهجة ومتعة وتنفق عليه بكرم وترعاه بحدب وعناية فيلقى فيه روّاده الترحيب والتكريم بحيث صار ـ صالون السّراياـ أحد العلامات الثقافية في تونس العاصمة فتحية تقدير لهذه الشاعرة والفنانة التي أرجو أن تجد الدّعم والتشجيع لتواصل مسيرتها الإبداعية.
الشاعرة سليمى السرايري
( هنا قصيدة الشاعرة سليمى السرايري التي شاركت بها في اليوم العالمي للشعر في جمعية ابن عرفة )
“كم أتمنّـــى أن تختفـــي مـــن المـــرآة”
مِنْ جديدٍ أَرْتَطِمُ بِهذَا الأرَقِ
أَتَمَسَّكُ كَيْ لا أَهْوِيَ كَطَائِرٍ فاقِدِ الوَعْيِ
أو كطائرةٍ ورقيّةٍ تحطَّمَتْ أَجْنِحَتُها.
مِثْلَ أيِّ وقتٍ مُنْهَكٍ
أسْتَرِقُ السَّمْعَ لِوَشْوَشَةِ جَارِنَا المُتَصَابِي
في تِلْكَ الغُرْفَةِ الواقِفَةِ على سَطْحِ العمارةِ
وهْوَ يُمارِسُ حَقَّهُ في العِشْقِ الحرامِ.
مِنْ جَدِيدٍ أَحْتَضِنُ صَمْتِي
أُقَبِّلُ وَجْهِي في المِرآةِ
يُرَاوِدُنِي طَيْفُكَ
كُلَّما أطَلّتِ الشَّهْوَةُ مِنْ عيْنَيْكَ
وَأَطْلَقَتْ صَفَّاراتِ جُنُونِها
أُدْرِكُ جَيِّدًا حينها
انًّكَ لن تتوقّفَ في فاصِلٍ ولا نُقْطَةٍ
عُبُورُكَ يَسْحَبُني للغَرَقِ
إلى شَغَفِ الإحْتِرَاقِ
كَأنَّناَ نَعْصِرُ عِنَبَا
نَرْتَشِفُ كُؤُوسَها بِبُطءٍ لذيذٍ
ونحنُ نُلَملِمُ ما وَقَعَ مِنّا مِنْ تَنْهيداتٍ..
أُدْرِكُ أنّي بِجانِبِ شُرُودِي
أتَمَعَّنُ في وجهي المتورّدِ
بينما تَنْهمِرُ القُبُلاتُ مِنَ المرآةِ
وَجْهِي الَّذِي يُشْبِهُ هذا السُّكُونَ
وتلك العُزْلَةَ الّتي تَمُدُّ ألْسِنَتَها
كلّما اشْتاقَني جُنوني
وانكَمَشَتْ أُنُوثَتي
كصبيَّةٍ مُنْكَسَرَةٍ في وحدتِها…
كَشُرْفَةٍ وحيدةٍ دون حِيطَان
سألتُني
وأنا أتسمّعُ إلى جارِنا النّحيلِ
وقد برَزَتْ عِظامُه ُمن تحتِ القَميصِ
(من أين يأتي بالفصاحةِ كُلِّها) ؟…
أُلامِسُ جَسَدِي الصّارخَ بالأُنوثةِ
أَلْمَحُ طَيْفكَ في هواجِسِي
عَبْرَ المرآةِ
يَتَحَوَّلُ فَجْأَةً إلى طائرةٍ ورقيّةٍ
عبثاً أُحَاوِلُ أنْ أُمْسِكَ الخَيْطَ الوحيدَ
الّذي يَشُدُّنِي إليكَ..
أنْزَلِقُ داخِلَ ارتِعاشاتي
الغرفةُ تَطِيرُ خَلْفَكَ
التفاصيلُ الصّغيرةُ تطيرُ أيضا…
الولاّعةُ الذّهَبيّةُ الّتي نسِيتَها
وربطةُ العُنُقِ المنقّطَةُ الّتي أحبُّها
الأشياء التي اقترفناها،
أعلنت كسرَ قوانينِ القبيلةِ
وطارتْ كَسرْبِ العصافيرِ.
لكنّك كنتَ بعيداً
بعيدا جدّا
تحاورُ حورياتِ السَّواقِي
وهُنَّ يُهَرْوِلْنَ تحت أَشْجارِ التُّوتِ .
دونك انا ألثُمُ الغيابَ الكَالحَ والسّرابَ..
مجرّدٌ هذا الهُراءُ المثقوبُ
من الرَّقصِ والنِّثارِ…
ولحظةُ اغرائي مسكونةٌ بقسوةِ الفقدِ
ووحشةِ الفراغِ
ماذا أنا بعدك؟
كتلةُ أشواقٍ في غُرْفةٍ خاويةٍ؟
وِسادةٌ صارخةٌ بلذّةِ سياطِ البُعدِ
تُذرِفُ دُموعَها في المسافةِ الفاصلةِ؟
مواكبُ الفوضى التي أقمتَها بداخلي
تصدّ عنك صهيلَ الرِّياحِ…
قوافلُ توسّلاتي،.. تصرخ :
رجاء لا ترحل…
والآنَ،
الآنَ فقط، كم أشتهي غِيابَك…
لم أعُدْ أنتظرك على ضفافِ شَهْوَتي
لقد أغلقتُ ميناءَ الوصولِ إليَّ
وأطلقتُ زوابعَ أمواجي الجارحةِ…
الرِّيحُ عاتيةٌ هذا المساءَ
السَّاعةُ الكبيرةُ توقَّفت دقّاتُ نواقيسِها…
فساتيني الشّفّافةُ تمرّدَت
أخرجت أكمامَها من الخزانةِ
كأنّها تُلوّحُ لِهذياني..
هي، وأناَ،
انتظرناك طويلا… طويلا…
انفرَطْنا كعِقْدٍ
وتَدَحْرجْنَا كحبّاتِ خِرَزٍ
كم أتمنّى أن لا تأتِيَ هذه الليلةَ!!!
وكم أتمنّى أن يَختفيَ طيفُكَ منَ المِرْآةِ!!!
الكاتب التونسي سوف عبيد