نشرت مجلة ” القدس ” مقالة نقدية للكاتبة د. أماني فارس أبو مرة حول كتاب “ملكة النيفا أنّا أخماتوفا ” الذي قامت بترجمته الى العربية الكاتبة أماني غيث , وجاء في القراءة :
إن الشعر وبعيدا عن المحاولة لتعريفه، هو كلام من القلب إلى القلب، تطل نافذته على أفقٍ مفتوحٍ واسعِ المدى، أما القصيدة فهي ليست مجرد جمل وتراكيب، ألفاظ ومفردات صِيغت وأُلقيت، أو دونت على الورق، هي أبعد من ذلك بكثير، هي حالة صدق شعورية، كتلة من المشاعر والأحاسيس تدفقت بلحظة فورانها وانسكبت في إناء العالم على شكل قصيدة، لتنعشنا بطزاجة حروفها، تُميزها وترطب تربتها، معزوفة باطنية تقطن داخل الكلمات، تتناغم بعذوبة، وبتآلف خلاق، لذلك من الصعب، وفي ظل اختلاف اللغات وتكوينها وقوالبها وإيقاعاتها وأسسها، أن تُنقل قصيدة من لغة إلى لغة مع الحفاظ على روحها وقلبها، تفاصيلها ومشاعرها، دون خدش أو خلل، لذلك لا يمكننا أن ننكر أن الترجمة طريق وعرة خطرة، وأنها مهمة عسيرة لا تحتاج فقط إلى نقل الكلمات من مملكتها إلى مملكة أخرى، إنما تحتاج إلى نقلٍ للأرواح، فلكل قصيدة روح يجب حملها وغرسها في جسدها الجديد وإلا فلنعِدّ لها شهادة وفاتها.
بالالتفات إلى ما أشار إليه الناقد المغربي حسن بحراوي حول الترجمة نجده يقول: «لما كان نص الشاعر عبارة عن تجميع للكلمات، حيث يتعايش المعنى بكل ما يتضمنه من أحاسيس وصور، وحيث تتنفس المؤثرات النفسية، فإن هذا الكائن اللغوي هو الذي علينا نقله بكامل حمولته إلى لغة أخرى، وتكييفه مع خصائصها، وعملية من هذا القبيل تحتمل خطر تضييع بعض ملامح النص الأصلي. ومن هنا كان يتعين على المترجم تقليص هذا التضييع المحتوم إلى حدوده الدنيا» خاصة أن النص يكون متجذراً في لغته الأم، وهذا ما أشارت إليه أنّا أخماتوفا الشاعرة الروسية من أصل أوكراني،
مترجمة القصائد الكاتبة أماني غيث
بتصريحها عند الحديث عن شعرها بأنه من المستحيل أن يترجم لأنه، حسب تعبيرها، «متجذر في التراب الروسي» هذا القول لآنّا جعلها تقع في تحدٍ مع الشاعرة أماني غيث، ليولد نتيجة هذا التحدي كتاب «ملكة النيفا آنّا أخماتوفا» الصادر عن دار النهضة العربية في بيروت 2023، ولتترجم فيه غيث مقتطفات من شعر أخماتوفا بألق وشاعرية
الكتاب ضوءا وضوعا وجاذبية.
تعرفنا غيث من خلال هذا العمل الأدبي، بأخماتوفا الإنسانة الشاعرة، هذه الذات المبدعة والمثقفة، المشرقة بشعرها رغم مرارة ما عاشته، والمتوقدة في زمن الانطفاء والظلام والدم، وتكشف من خلال ما استقته من التاريخ ومن قصائدها ورسائل أصدقائها، جوانب كثيرة خفية في رحلتها المضمخة بالألم، وتزيح الغبار عن خبايا نفسية أخماتوفية لم تكن ظاهرة للعلن، إضافة إلى أن غيث تثبت بهذه التجربة أن ترجمة الشعر ككائن لغوي ممكنة، وأن نقله بموسيقى كلماته وسحرها ممكنة، وأن للشعر روحا، كما قال السير جون، لكنها لا تختفي عند نقلها من لغة للغة، خاصة عندما يكون النقل نقلا إبداعيا خلاقا من شاعرٍ حقيقي، وأن التقدم ليس حكرا للرجال فقط، كما وصف رولان بارت تاريخ الأدب وحصره في الرجال، لتضيء غيث على التعتيم الذي كان يطال إنجازات المرأة في مختلف المجالات والإقصاء والتحجيم الذي لا يزال يمارس إلى يومنا هذا.
مقتطفات من شعر آنّا أخماتوفا
:
«في الشعر،
ينبغي أن تكون كل كلمة في مكانها الصحيح،
وكأنها تقف منذ ألف عام،
لكن كأن القارئ يقرأها لأول مرة».
«يا الله،
أستطيع أن أسامحهم
على كل ما حصل لي بسببهم،
من الأفضل ألف مرة
أن أكون صقرا يمزق خروفا،
أو أفعى تنام بين العشب لتلدغ،
من أن أكون إنسانا يرى ما يفعله الآخرون في الأرض من عار وفساد،
دون أن يجرؤ على النظر إلى نقاوة السماء».
«ينبغي للشاعر ألا يكون كئيبا جدا
ولا حتى غامضا جدا،
بل أن يكون منفتحا على كل الأهواء
ليفهمه معاصروه…»
.( الصورة للكاتبة د. أماني فارس أبو مرة )
.