خاص – ميزان الزمان الأدبي في بيروت :
الروائي اليمني محمد عبدالولي واثره في الرواية اليمنية والعربية
-×-×-×-×-×-
كتب حميد عقبي:
تزخر اليمن بالكثير من المبدعين والمبدعات في مجال السرد القصصي والروائي وهناك رواد مناضلين وأصحاب فكر ورأي ومواقف وطنية لذلك تعمدت الأنظمة والحكومات اليمنية تناسيهم وحاربت إبداعاتهم بعد مماتهم ومع ذلك ظلت بعض الإبداعات السردية الحرّة صامدة إلى وقتنا الحالي، وعادت تنير نجوميتها وشهرتها رغم هذا الواقع المؤلم حيث يتمزق يمننا وتعصف به حروب وصراعات مريرة لا تنتهي.
الأديب الروائي والقاص الراحل محمد أحمد عبدالولي، نموذجا مهما في فضاء السرد الأدبي اليمني وقد ترك لنا خمسة إصدارات مهمة هي :ـ
صنعاء.. مدينة مفتوحة (رواية) طبعت عام 1977
الأرض يا سلمى (مجموعة قصصية) طبعت عام 1966
شيء اسمه الحنين (مجموعة قصصية) طبعت عام 1972
يموتون غرباء (رواية) طبعت عام 1971
عمنا صالح العمراني (قصص) طبعت عام 1986
كما له أيضا نصوص مسرحية
في رحاب المنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح بفرنسا والذي اتشرف بإدارته وإعداد وتسيق ندواته أقمنا ندوتين هذا العام حول إبداع القاص والروائي اليمني الراحل محمد أحمد عبدالولي وبمشاركة نخبة كبيرة من الناقدات والنقاد العرب، نظمنا الندوة الأولى وتم تنفيذها مساء السبت 11 فبراير والثانية مساء الجمعة 18 مارس
أتناول هنا ملخصا مختصرا للندوة الأولى وبعض النقاط المهمة
لمن يحب الاطلاع ومشاهدة الندوة كاملة على هذا الرابط
ونظرا لكثرة الأوراق النقدية والأراء والأفكار والنقاشات سوف أحاول تقديم خلاصة مفيدة وهي لا تُغني عن الرجوع للندوتين والمنشورة على قناة يوتيوب للمنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح وأعتقد أن بعض الذين شاركونا سينشرون أوراقهم النقدية عبر منابر عربية ودولية عدة وهنا أشكر الناقد اليمني د. عبدالحميد الحسامي وهو الناقد اليمني الوحيد الذي شاركنا , فرغم محاولاتي توجيه دعوات لنقاد يمنيين إلا أنه كالعادة بعضهم يعدنا ولا يحضر والبعض ” يُطنش ” الدعوة ولكن الحضور اليمني من متذوقين وليسوا مختصين وكان جيدا.. وأوجه الشكر للصديق اليمني د. عبدالرزاق المعمري الذي ساهم بالدعاية للندوة الثانية، التي حضرها بين خمسة عشر إلى عشرين شخصاً من الجمهور بغرفة “الزووم ” وهذا الامر يعتبر شيئا جيداً ويساهم في تنشيط النقاش مع النقاد.
أود التنويه أيضا إلى أنّ الشاعر والناقد العراقي حكمت الحاج ـ المقيم في السويد هو من المشجعين والداعمين لي في تناول إبداعات يمنية سردية وشعرية من الرموز والرواد الذين نالهم النسيان وإهمال النقاد اليمنيين والعرب وهو أيضا عبر منتداه “كناية” قد نظم ندوة مهمة عن رواية الرهينة للراحل زيد مطيع دماج، كما أنه يستضيف وجوه إبداعية يمنية ويحشد من أجلها ناقدات ونقاد عرب ويرحب بالإبداع اليمني.
عقب الندوة الأولى نشرت مقالا بعنوان (القاص والروائي اليمني محمد احمد عبد الولي ..ابداع يزخر بالمشهدية السينمائية) تجدونه على موقع كل العرب بباريس وموقع رأي اليوم اللندنية وهذا المقال يمكن أن يكون مدخلا لبحث أكثر تعمقا بالمستقبل القريب وننسق حاليا لإقامة ندوة ثالثة مطلع مايو القادم بمناسبة مرور خمسين عاما على استشهاد مبدعنا محمد عبدالولي والذي استشهد في 30 ابريل 1973، وأود أن أشكر تفاعل النقاد والناقدت العرب على ترحيبهم المشجع جدا لتناول هذا الكاتب الرائد ونتمنى في الندوة الثالثة مزيدا من الحفر النقدي لتكون هذه الندوات محفّزا لدراسات نقدية أكاديمية معمّقة حيث وجدت دراسة نقدية كانت للباحث د. ابراهيم أبو طالب من جامعة الملك خالد السعودية بعنوان (الرواية اليمنية التحقيب الزمني والموضوعاتي، والتوظيف الحكائي في أعمال الروائي محمد عبد الولي) عام 2015 م . وقد تواصلت مع د. ابراهيم أبو طالب وأخبرني أنّ هذه الدراسة كانت ضمن بحثه للماجستير .. كما تناول محمد عبدالولي أيضا في رسالته للدكتوراه ووعدني أن يكون معنا في الندوة الثالثة بشهر مايو المقبل بمناسبة مرور نصف قرن على وفاة مبدعنا العظيم محمد عبدالولي، كذلك توجد مقالات عديدة تظهر في كل مناسبة لوفاته ولكن الدراسات والنقد المعمق مايزال شبه معدوم حول هذا الرائد البديع والذي لم يعش كثيراً للاسف وبقتله فقدنا مبدعا قاصا وروائيا حقيقيا.
الندوة الأولى :
في الندوة الأولي بتاريخ 11 فبراير، شاركنا النقاد التالية أسمائهم
الناقد والشاعر العراقي حكمت الحاج
الناقد اليمني د. عبد الحميد الحسامي
الناقد اللبنانية د. دورين سعد
الكاتبة والناقدة التونسية عواطف محجوب
الناقد الفلسطيني د. حسين المناصرة
الناقد الأردني د. عاطف الدرابسة
التنسيق والادارة حميد عقبي، مع حضور كبير ومتابعة جيدة للبث المباشر
إليكم أهم النقاط :ـ
طرح الناقد حكمت الحاج بالبداية ما يسميها المشكلة اليمنية من مشاكل وإضطرابات مقلقة من عهد الإمامة إلى الثورة إلى الواقع الذي يعيشه اليمن اليوم ويرى الحاج أن اليمن يحتاج لوسائل دفاع عن هويته الثقافية وضرورة البحث عن حل للمشكلة الفكرية والتصالح الفكري الثقافي ربما قبل حل الأزمات السياسية، ويرى أن هناك ضعف وتقاعس عن الشأن الثقافي عبر وسائل الاعلام المتاحة وغيرها ويعتبر الحاج أن مثل هذه الندوات الإفتراضية التي ينسق لها حميد عقبي وعبر المنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح يمكنها أن تنعش المشهد الثقافي اليمني الذي يحتاج لكل الوسائل، وأكد أن المواضيع الثقافية اليمنية تحتاج للبحث بمراجع وأصول وكان للشاعر د.عبدالعزيز المقالح دورا تنويريا وبحثيا بصفته رئيسا لجامعة يمنية وقد دعا وأستقبل المقالح مئات الباحثين والمبدعين العرب ومنهم د.عبدالحميد ابراهيم والكثير منهم عاش باليمن ونتجت دراسات وبحوث متعددة ومتنوعة وربما الآن أصبح الوضع صعبا لانجاز بحوث من الميدان،ونتذكر هنا د.عبدالحميد ابراهيم الذي قدم كتاب (الوان من القصة اليمنية المعاصرة) نشر عن دار العودة ببروت 1981 وغيره أمثال د. عبدالسلام الشاذلي وغيرهما الكثر من الباحثين العراقيين والعرب.
ثم وصف الحاج أن محمد عبدالولي ظاهرة عجيبة مبدعة وجديرة بالدراسة ففي خلال حياته القصيرة جدا وما تخللها من أزمات فقط ترك لنا ثروة سردية متنوعة ومهمة جدا، كقصص عبدالولي الرائدة التي وصفها المقالح بأنها كانت البواكير والأولى يمنيا.
قصص محمد عبدالولي صيغت ببنية رمزية ليفجر رؤيته وادانته ورفضه البعد عن الأرض والوطن.
دراسة د. دورين سعد :
أنتقل الحديث إلى د. دورين سعد، وأعربت د. دورين عن سعادتها للتعرف على محمد عبدالولي والذي لم تكن تعرفه قبل دعوتها للندوة وبعد قراتها لإبداعه وجدت وبحسب وصفها أن الكاتب يسلط الضوء على واقع بلده اجتماعيا وسياسيا ويرصد حياة اليمنيين ومعاناتهم في تلك الفترة، فقد كان الواقع المعيشي صعبا من جهة وكذلك الإغتراب وكذلك الكاتب هو لاب يمني وأم أثيوبية وكذلك انضمام والدة لحركة الأحرار اليمنيين وهنا يشعر المتلقي وهو بصدد القراءة بضرورة التعامل مع هذه النصوص بطريقة خاصة.
قصص عبدالولي لا تسعى لمجرد تاكيد العلاقة بين الأدب والواقع فقطا، بل تجتهد للبحث عن الجوهر فيه، كما تكابد لتوطيد القصة لتكن أكثر قدرة للتعبير والدهشة، أسلوب الكاتب يأخذ بالتقاليد القصصية المألوفة أو الراسية كما يفرض الكاتب إشكاليات نقدية جديدة، حيث تتشكل مجموعة من الدوائر الدلالية الجزئية (حرب ـ سلم، جوع ـ شبع، برد ـ حر، ظلم ـ عدل، استسلام ـ مقاومة) وهكذا، ثم تتشابك لتولد دائرة شمولية، تصاغ بدايتها من فعل الكتابة وأما نهايتها فتكتمل من فعل القراءة.
وقد ركزت الناقدة في دراستها على مجموعة (شيء اسمه الحنين)، وترى أن عنوان المجموعة هو سعي من الكاتب ليوجد تفاعلا مع المتلقي، فالعنوان بمسحته الرومانسية هو عنوان لقصة ضمن المجموعة..
وأكدت د. دورين أن كل قصة بهذه المجموعة لها بناؤها الخاص وكيانها المستقل ولكن خيطا رفيعا يخلق تواشجا بينها جميعا، وتخضع هذه القصص لسلطة الواقع والنسق الاجتماعي الذي ينتمي إليه الكاتب وهو منبع وعيه وينتج منه رؤيته وتلك الرؤية تسهم بتشكيل عالمها الموازي للواقع،
وتؤكد د. دورين شعورها بأنّ هذه القصص هي جزء حقيقي من واقع الكاتب، فهو يحجب خلف شخصياته ليعبر عن خلل الواقع.
واستشهدت الناقدة ببعض النصوص وحاولت تطبيق رؤيتها النقدية والمزيد من الاستكشافات الجمالية.
شرحت الناقدة بشكل نقدي عدة قصص مثل قصة كانت جميلة، ليته لم يعد، الأطفال يشيبون عند الفجر وقصة اليمامة وبقية قصص المجموعة ثم لخصت ورقتها لتؤكد أن كل هذه القصص تشكل حلقات تدور حول الحلقة المركزية المتمثلة بقصة “شيء اسمه الحنين ” والتي فيها الكثير من العبارات والدلالات عن بحث الإنسان عن الهوية والحرية والكرامة.
واستشهدت بعبارات وردت بالقصة، كما أن الكاتب يطرح فكرة الغربة ويشير كذلك إلى الافق المحدود الذي يحيلنا إلى ملحمة جلجامش.
إن بنية هذه القصة الواقعية صيغت ببنية رمزية ليفجر رؤيته وادانته ورفضه البعد عن الأرض والوطن والاندراج بالبعد اندراجا في الندم والضياع ويعني تذويبا للشخصية اليمنية ولكونه ماركسيا فهو لا يبحث عن الجماليات فقط بل عن التاثير في المتلقي، ولغة السرد كانت سلسة تُسهم في جذب المتلقي واثارة خياله وتفاعله.
محمد عبدالولي كان يمتلك الوعي الممكن وليس مجرد تصوير لهذا الواقع أو التشاؤم
ثم تداخل الناقد اليمني د. عبدالحميد الحسامي حيث نوه أن محمد عبدالولي بعمره القصير ومن المبدعين الذين ماتوا مبكرا، مات محترقا داخل طائرة كانت تضم مجموعة من الدبلوماسين وماتزال الحقيقة غائبة عن هذه الحادثة المرعبة، نوه د. الحسامي لمجموعة عوامل ساهمت في تكوينه الإبداعي فالموجّه الأول كان تشظي الهوية، والده يمني وأمه أثيوبية، اليمني كان ومايزال مهاجراً في كل بقاع العالم، محمد عبدالولي أرقه موضوع الهجرة.
وأشار إلى أهمية دراسة للناقد وهب رومية بعنوان شكلة الهجرة في أعمال محمد عبد الولي القصصية والتي نشرت بالعدد الثاني من مجلة فصول بتاريخ 1 أبريل 1986 وكذلك نشرت بمجلة اليمن الجديد وهي مقالة علمية.
محمد عبدالولي شخصية موهوبة والتجربة تغلب على التجريب عنده، يمتلك قدرة فذه في الكتابة
كذلك الانتماء اليساري المبكر وتم ترحيله من القاهرة، فرحل إلى موسكو وهنا يأتي تكوينه الحقيقي وتأثره بالأدب الروسي، فقد هضم بشكل جيد أساليب إبداعية روسية كما عند تشيخوف وهذه الزاوية خصبة للدراسات النقدية.
تحدث د. الحسامي بأسف أننا لا نعرف كثيرا عن حياته الخاصة، أدبه حاضر وطبعت المجموعة كاملة بجهد جميل من القاص محمد عبدالكيل جازم.
كما أشار إلى كتاب التحول الاجتماعي من خلال الفن القصصي والصادر عن جائزة مؤسسة السعيد الثقافية وهو رحلة في القصة اليمنية القصيرة.
من عوامل التكوين أن الكاتب يمتلك رؤيته الخاصة اليسارية ، فمثلا مجموعته الأرض يا سلمى، سنجد سلمى بطلة القصة والذي هاجر زوجها وتركها مما دفعها لعرضة من الصراعات، لكن محمد عبدالولي حاول البحث عن حل للهجرة هو الاهتمام بالأرض وتعوّد يد ابنها على حب الأرض ولعل عبدالولي أعطى الحل، كذلك في مجموعته شيء هو الحنين مسّت الهجرة والكاتب محمد عبدالولي يكون قد تشارك مع الشاعر الفضول والذي كتب قصائده المغناه عن الهجرة.
كما يرى الحسامي أن ثمة تناصات بين قصصه ورواياته وهذا أيضا موضوع جدير بالدراسة لطلبة الدراسات العليا.
وفي الختام نوه د. الحسامي أن محمد عبدالولي كان يمتلك الوعي الممكن وليس مجرد تصوير لهذا الواقع أو التشاؤم، محمد عبدالولي كان تلقائيا ويمتلك لغة ماكرة وكان مشغولا بالإنسان وهمومه وأحلامه وليس باحثا عن زخرفات جمالية.
في صنعاء مدينة مفتوحة كأن محمد عبدالولي أحس وتنبا بما سيحدث لنا وهاهي صنعاء أصبحت مفتوحة، هذه الرواية رواية وطنية ودافع عن الجمهورية.
ونوه د. عبدالحميد الحسامي إلى وجود دراسات عن محمد عبدالولي وبالتأكيد نحتاج لمزيد من الدراسات عن تأثره بالأدب العربي وهل هو أيضا أثرّ على المشهد القصصي والروائي العربي؟
هناك نقاط كثيرة تحتاج للدراسة والبحث وعقد مزيد من الندوات النقاشية النقدية حول القاص والروائي اليمني الراحل محمد عبدالولي.
الناقدة عواطف المحجوب : ملامح الواقعية الاشتراكية في رؤية محمد عبدالولي
ثم تناولت الناقدة التونسية عواطف المحجوب موضوع ملامح الواقعية الاشتراكية في رؤية محمد عبدالولي، حيث ضجّت قصصه في صراع الطبقات الغنية والفقيرة، وغياب الديقراطية .. وقد كان ماركسيا ينهل ويرجع إلى واقع مجتمعه المليئة بالألم والظلم والصراعات وكان يسعى من خلال هذه القصص لرفع وعي الناس والثورة ضد الاستبداد وليست قصصه قصصا خيالية، وشرحت عواطف المحجوب رأيها النقدي بمجموعة من الاستشهادات من قصص محمد عبدالولي.
كما نوهت للسيرة الوطنية النضالية للقاص ودخوله مرات عديدة كمعتقل سياسي بمعنى أنه لم يكن مجرد كاتب يكتب ويمضي بل كان متفاعلا ومناضلا لم ينفصل عن قضايا الناس والأرض ولم يكتب من خلف مكتب أنيق وحياة مرفهة.
الناقد حكت الحاج : تأثير الفكر الإشتراكي الشيوعي جعل منتج عبدالولي متماسكا
في ورقته قدم الناقد العراقي حكمت الحاج عدة نقاط مهمة ومن أهمها تأثير الفكر الإشتراكي الشيوعي جعل المنتج الإبداعي متماسكا ومتسلسل زمنيا وخاليا من التناقضات الفكرية وقصصه كأنها تتضمن سيرة حياته التي لم تكن سهلة أو مستقرة، يظهر جيدا تأثير موسكو والفكر الشيوعي في أعماله رغم ذهابه لموسكو شيوعيا ولكن هناك ترسخت علاقته وتشربه للرواية الروسية وهكذا فهم بشكل جيد قواعد الكتابة ضمن مدرسة الواقعية الإشتراكية كمنهجا وهذا التيار كان قويا حينها ويؤكد د. عبدالعزيز المقالح أن محمد عبدالولي كان ممثلا حقيقيا لهذه المدرسة، يرى الحاج أن محمد عبدالولي كان ممثلا أيضا لهذه الموجة في الوطن العربي ولا يمكن أن نغفل وجود عبدالولي في مصر جعلته قريبا من التيارات الشيوعية وعندما تم تصفية الشيوعين في مصر رحّلوا عبدالولي وطردوه من مصر بتهمة الشيوعية.
قصة سينما طفي لصي
ثم تعرض الحاج إلى قصة سينما طفي لصي ضمن مجموعته (شيء أسمه الحنين) حيث حلل هذه القصة وأشار إلى أن روايته (صنعاء مدية مفتوحة) تذكرنا بفيلم (روما مدينة مفتوحة) للمخرج الإيطالي الشهير روبرتو روسيلينى ولعل الرابط بين الرواية والفيلم تناول البعد النضالي من أجل حياة كريمة للإنسان، وفي كل أعماله لم يتزحزح من منهجه الواقعية الإشتراكية، ولكنه كان يطل أيضا على نفحات التجريب وفي عمله المسرحي بشر بن الحافي تناول هذه الشخصية الصوفية بطريقة شيوعية وهذا يُحسب له بسبقه الكثير من الكتاب المصريين والعراقيين في تناول شخصيات صوفية وتاريخية بهذه الرؤية.
ثم عاد لقصة طفي لصي وهي نموذج لمعرفة وفهم شغل محمد عبدالولي في القصة والرواية والمسرح، ويرى الحاج أن عبدالولي لم يكن مجرد مناضل سياسي بل انخرط في النضال الثقافي وأسس دارا للنشر لكن يبدو أنها أفلست، وكان عبدالولي يود أن يُسهم في البناء الاجتماعي الثقافي.
قصة طفي لصي : فصالة السينما الصغيرة وما يحدث فيها تحيلنا إلى اليمن والوطن العربي وترمز إليه، في القصة يوجد راوي يصور لنا ما يحدث وهو يطرح الأسئلة ويحيل بعضها إلينا، أهم ما نلاحظه في القصة أن دار السينما مقسمة طبقيا، الفقراء والعمال والكادحين يجلسون في الأسفل، الطبقة الراقية والمتوسطة من موظفين يكونون في الأعلى، والذين يديرون السينما يحتلون الشرفات وهم بثياب نظيفة وبيدهم مجلات وصحف، يستفيد الكاتب من هذا التقسيم المكاني ويعطي لكل فئة دورا في دراما القصة، لكل فئة لهجتها وتعابيرها اللغوية الخاصة.
يرى الحاج أن عظمة هذه القصة ليس في الحكاية وإنما في ادارة الصراعات بين هذه الطبقات، وهي تذكرنا بمسرحية (حفل سمر من أجل خمسة حزيران) للمسرحي السوري سعد الله ونوس.
في الجولة الثانية من الندوة كانت هناك نقاشات متعددة أثرتها أعمال محمد عبدالولي وكما طرح حميد عقبي مختصرا عن ورقته “الملامح السينمائية في قصص محمد عبدالولي” وقد نشر ورقته كاملة بعنون (القاص والروائي اليمني محمد احمد عبد الولي ..ابداع يزخر بالمشهدية السينمائية).
أود أن نشير بوجود العديد من المداخلات من مغتربين يمنيين وجدوا أن هذا الكاتب وكتاباته ماتزال تعبر عن موضوع هجرة اليمني وغربته وتكاد تقدم قراءة صادقة ومعبرة عن وقعنا اليمني المتأزم اليوم.
كان ختام الندوة الأولى بتوصيات أكدت بضرورة اعادة قراءة محمد عبدالولي وتناول أعماله بالدراسة والبحث والنقد.
خاتمة
سوف نخصص مادة ثانية لتناول مجريات وملخصا لأهم ما جاء في الندوة الثانية والتي نظمت بتاريخ 18 مارس بعنوان:
جماليات السرد في أعمال القاص والروائي اليمني الراحل محمد أحمد عبدالولي..
وربما ينشر النقاد والناقدات أوراقهم النقدية عبر عدة منابر وبذلك نكون قد حاولنا أن نسهم في إحياء إبداعات هذا القاص والروائي اليمني البديع وأعماله تستحق الدراسة والترجمة وهي نموذجا جميلا يمكن أن يستفيد من عالمه وتقنياته كل كاتب وقاص عربي.
في النهاية أود التأكيد أيضا أن طرحنا لموضوع وعنوان ندوتنا (الروائي اليمني محمد عبدالولي واثره في الرواية اليمنية والعربية) كان محركا لقراءة محمد عبدالولي من ناقدات نقاد عرب ويمكن أن يتحول إلى سؤال بحثي مهم ولم يتطرق إليه أحد إلى الآن وكل النقاشات خلال هذه الندوة أكدت قوة الملكة الإبداعية وعمق كتاباته وهي أرضية خصبة للدراسات النقدية الأدبية السردية وكذلك الدراسات الاجتماعية .. فاليمن في فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي كان معزولا وغير مستقر وخاصة ما كان يسمى باليمن الشمالي ونادرا ما نجد رواية أو قصصاً أدبية كُتبت بتلك الحقبة وتصورها بصدق وفنية كما فعل القاص والروائي اليمني الراحل محمد أحمد عبدالولي.
كان بالتأكيد كاتبنا المبدع محمد عبدالولي متسلحا بثقافة ومتابعا جيدا للحركة السردية الأدبية العربية والعالمية وقد ابتكر أساليبا وتقنيات تتناسب مع فكره وحاجة المجتمع الذي يعيش فيه فهو يعبر عنه ويمدّه أيضا بالفكر وروح النضال، الكتابة هنا فكر والفكر كتابة جماهيرية جريئة وسلسة وخالية من التعقيدات الكبيرة لكنها تتسم بعمق فلسفي وإنساني وهي ليست نزوات ولا ترفا مسليا، كل قصة تقرأها تلتصق في ذهننا ونحتاج أن نعيد القراءة لنتشارك في الحلم الإنساني المثخن بالواجع والتواق للفرح والسعادة.
الروائي اليمني محمد عبد الولي