قصص قصيرة
بقلم : الكاتب عماد أبو زيد / جمهورية مصر العربية
-×-×-×-×-
زكي عيسى
أغلق “هشام” هاتفه، ودلف إلى سُرادق العزاء؛ مُتهربًا من حَمِيهِ “زكي عيسى”، ونجله “تامر”، و”خالد” زوج “دلال” الابنة الصغرى “لعيسى”. كان “عيسى” قد اتصل به قبيل المغرب؛ كي يذهب معهم إلى قسم الشرطة لتحريرِ محضرٍ، ضد زوجة “تامر”. سخر “هشام” من سوء حظه؛ إذ كان حماه يجلس قبالته على اليسار قليلًا، فتجاهله تمامًا، ولم يحل نظره إليه. انتهى القارئُ من تلاوة القرآن، انتظر “هشام” خروجَ المُعَزِّينَ واحدًا تِلوَ الآخر، ثم لحق بآخرِ رجلٍ. لم تَدُمْ فرحتُه طويلًا في الإفلات من حَمِيهِ؛ حيث رآه ممسكًا بساعده، وهو يقول:
– ابن حلال، كنت سأتصل بك.
وظل مُعلقًا في ساعده، وهو يَسُبُّ زوجةَ ابنهِ “تامر”، ويهجوها بطول الطريق، ويمجّد نفسه، ويعظّم من شأن أسرته، وأنَّهم أهلٌ عزٍ وكرم، وأنَّ المالَ لا يعنيهم في شيء، ويتيه بابنه الذي ظُلِمَ في هذه الزِّيجةِ على حد قوله.
كان قد طلب إلى “هشام” أن يشهدَ في محضر الشرطة أن زوجة “تامر” لم تتحدث بشأن مصوغاتها الذهبية أثناء طردها من الشقة مع الأطفال. لجأ إلى هذه الحيلة حين علم من ابنته الكبيرة أنَّ “هشام” على غير استعداد للشهادة بشيء لم يره أو يتحقق منه، وأنه لن ينصاع لهم، ويدلي بالقول أنَّها أخذت مصوغاتها معها. وكان “هشام” على يقين من أنَّ “عيسى” يحاول إحراجه للإدلاء بشهادة في صالحه وصالح ابنه. سار “عيسى” يتحدث بامتداد الطريق دون أن يلوح إلى تاكسي، على الرَّغمِ من شكاواه السابقة من عدم قدرته على المشي.
أذن ضخمة
هذا المقهى لم يجلس “مازن” عليه طيلةَ حياتهِ، سوى مرة واحدة أو مرتين. المقهى ينفرد عن نظرائه من مقاهي المدينة بموقع متميز، يتوسط شارعين متوازيين، متقاطعين. فرادة المقهى تتجلى في مساحته الكبيرة جدًا، وإطلالته على شارعين، ومن خلاله يعبر الناس.
الساعة الآن التاسعة مساءً، ليس أمام المقهى حناطير، قبل سنوات حين أتى “مازن” إلى هذه المدينة، كانت الحناطير تصطَّفُ أمامه، ويضع صاحب كل منها مقطفًا من التبن أو العليقة أو كومة بِرسيم أمام حصان حنطوره، ثم يجلس في المقهى، يحتسي شايًا ونارجيلة.
يذكر “مازن” واحدًا أو اثنين منهم كانا يتميزان بملامحَ غيرِ مريحة، بينها أذن ضخمة الحجم. المقهى كان قِبْلَةً للحناطير، ومجلسًا لأصحابها، وبؤرة يتناثر منها السِّبابُ والشتائمُ القميئةُ على العابرين، بخلاف المعارك حامية الوطيس التي تدور في جنباتهِ.
للمقهى تصميم معماري “كلاسيك” يختص به، كان في سابق الوقت لا يجلس فيه سوى تجار الأقطان المضاربين في بورصة القطن، القريبة منه، ومع مرور الوقت وإغلاق البورصة، عُرِّف المقهى باسم مقهى العربجية؛ لقربه من المحطة، واحتلاله من قبل أصحاب الحناطير والعربات الكارو. يتساءل “مازن” الآن:
– هل المقهى لم يعد وجهةً للعربجية، أم أنَّ دخول التاكسي للعمل بالمدينة مؤخرًا وراء غيابهم؟
يجلس “مازن” يتطلع إلى وجوه رواد المقهى، وشعور يملؤهُ بأنــــه يجلس في مكانٍ غيرِ مناسب.
الكاتب عماد أبو زيد
حديث أخير
هل تعلم “شادية” أن “عثمان” توفاه الله أمس؟، ربما لا تعلم؛ فهي منذ فترة طويلة انقطعت صلتها بالبلد، آخر خيط يربطها بهذه البلدة انقطع بموت أمِّها – كانت تزورها باستمرار – أما إخوتها؛ فكانت قد حكتْ عن انشغالِهم بأعمالِهم، وعدمِ وجودِ رابطةِ حبٍ قويةٍ بينهم، لاسيما بعد حديثهم الأخير عن الشَّقةِ التي آلت إليهم جميعًا. في الفترة التي مرضت فيها أمُّها تعرفت على “عثمان”، عندما كانت واقفة في انتظار باص أو تاكسي يُقِلُّها إلى مدينة طنطا. وقف “عثمان” بسيارته أمامها وفتح الباب، ركبت معه. تواعدا، التقيا، إلى أن ساءت الأمورُ بينهما؛ فبدأ “عثمان” يحكي عن الحياةِ الخاصةِ التي جمعتهما.
ويظن “حمادة” أيضًا أن “فريدة” علمت في زيارتها السابقة لمصر أنَّ “طارق” مات. كان “طارق” هو وزوجَتُه “حنان”، يتشاركان معها هي وزوجها “صالح” شقة الإسكندرية كل عام في شهري يوليو وأغسطس.
بحكم القانون
هــذه المرأة الحسناء الصغيرة ذات الوجه الخمري، تغدو وتروح أمام عزيز؛ فضلًا عن ذلك يتصف وجهها بعينين يملؤهما السِّحْرُ والجاذبية، وبثغر باسمٍ يسمح للشفة السفلى أن تكون في وضع ارتخاءٍ مثير. كما أنها تتمتع بقوام خيزران، وصدر مكتنز فاتن، وبشكل عام تملك طلة أنثوية زاعقة وصارخة، لا يستطيع أحد مقاومة طوفانها الأنثوي.
طُلِّقَتْ منذ ستِ سنواتٍ، هي عمر ابنها “مروان”، خلفه لها زوجها، ربما بالاتفاق أو بحكم القانون، دائمًا تصطحبه معها. صدر “مروان” منتفخ يشبه صدرها، أما شعر رأسه متجعد، ربما يحمل صفات أبيه ِبحكم قانون الوراثة. رأس “مروان” أشبـه برأس “مالك بن نويرة”، قطعت رأسه، ووضعت على النار طيلة ليلة كاملة، وهنأ قاطفها بزوجتهِ الجميلة.
دواء الطبيب
خلع “عامر” معطفه وسرواله، ومدَّدَ ساقيهِ على السرير.
لم تَـثُـر “حورية”؛ لعدم نزولهِ إلى الميدان كما كان الحالُ في الأيام المنقضية.
تَعَرَّفَ إلى “حورية” في ندوة تحدث فيها عن فريضة الوقوف أمام من يُفسدون مُتعة الحياةِ. تزوج “حورية” عندما وجد نفسه وحيدًا، كانت كجنية البحر في كتاب ألف ليلة وليلة. دار في فلكها، لم يَعُدْ يرى في الهروب منها مَنجى. كفاه سنوات هرب فيها من الحُب، ولِمَ لا يَهْرُب؟، والراتب الشهري لا يسمح بوجود شقة، وأثاث، وزوجة، ومتطلبات حياتية، وما شابه. ” ارحل، ارحل “، المتظاهرون يواصلون اعتصامهم في الميدان. التلفازُ قُبالة السرير، يستمد منه الدفء، تأتي “حورية”؛ كان الطبيب قد حدد أيام الإخصاب لديها، ترجو الله أن يهبهما طفلًا جميلًا.
الكاتب عماد أبو زيد