“نحت فوق السحاب” يرفع الشّعر من الأرض إلى السماء
( قراءة للكاتبة والشاعرة ميشلين مبارك)
-×-×-×-×-
“نحت فوق السحاب” (2022) الديوان الجديد للشاعر المغربي عبد العزيز أبو شيار الصادر عن دار بصمة لصناعة الكتاب (في 96 صفحة من الحجم الوسط)، يأتي بعد دواوين عدة في الشّعر وإسهامات ثقافية خصوصا في الشّعر العامودي. تأتي لوحة الغلاف بألوانها البهية تمزج زرقة السماء مع البحر الأزرق تتخللها خطوط تراتبية فتتلاقى اللوحة مع مضمون الديوان في وضوح اللّغة وصفاء المعنى.
غلاف ديوان الشاعر عبد العزيز أبو شيار
في الإهداء بوح الشاعر لشريكة العمر في حبّ دائم، وقد يُقسم الديوان إلى قسمين: الأول عاطفي في سبع وعشرين قصيدة والثاني كوفيديات يتضمن تسع قصائد.
من همسات الشوق ونبضات الحنين يستلهم الشاعر حروفه فيقدمها مع صلواته الخمس أدعية لتلامس أنفاس السماء. يحمل الأفراح والأتراح لتتآلف مع الطبيعة والأشجار كمثال المؤمن عندما تتشبه الكلمة بالشجرة في نموها وعطائها. قديما قيل: إن الأشجار رئة العالم، وفي “نحت فوق السحاب” يكتشف القارئ بأنّ الشجرة رئة الشّعر تأتي على شكل قصائد عامودية تربط الأرض بالسحاب. أو قصائد تفعيلية يتكلم فيها الشاعر مع الشجرة كأنها صديقة يعرفها وتعرفه، فيكتب فيها حين تزوره:
“…
تجلسُ قربي تحضنني بجميع الأغصان
نتحدثُ عن عطش الأعوام
وعن غيم يوهم بالقَطر
وعن بعض هموم مشتركة
نتحدث دون فم لغة الأشجار
لا نسقطُ أوراقاً
نتحدث عن عصفور مرّ بنا أحببناهُ
ونرجو عودته
نتحدث عن تكسير الأغصان
بفعل رياح الضجر الراهن
عن عللٍ وهشاشةِ داخلنا وغدٍ مرتاب
نتحدث عن فأس الحطّاب
ونبكي نمسح دمعا سال….”
كما ويتضمن الديوان في القسم الأول منه قصائد تحمل في طياتها حكم في الحياة كقصيدة “لا تكن شبيهي” التي هي بمثابة وصية أب لإبنه، ينبهه فيها من محاذير التشابه مخافة بأنّ يكون مجرد نسخة عن والده. بل أن يعلم ويتعلم مدّ الحياة وجزرها بما فيها من حزن وفرح. وتأتي قصيدة “نحت فوق السحاب” التي يحمل الديوان عنوانها بمثابة تصريح عن الهدف ولماذا يكتب الشاعر. ولعمري بأنّ هذا التصريح يشبه إلى حد بعيد شخصية الشاعر المنتفض على الصخب والبهرجة الدنيوية، متمسكاً بروح نورانية قائلا:
“…أنا لا أكتب شعرا كي أمشيَ
فوق السجادات الحمراء
ولا أغوي عصفورا
كي يرقص في ريش عراء
أنا لا أكتب شعرا
لأطارد بعض فراشات
إثر ذبول الزهر
أنا لا أكتب شعرا
لأردد أن ربيعا فات ربيعا آتٍ
لكني أكتب كي أنجو
من هذا العبث القابع في دمنا
لأزيح غيوم هزائمنا
وأنظفني من ألقاب الوهم الهمجي
لأنقذني من لسعة حرف بات يؤرقني…”
الشاعر المغربي عبد العزيز ابو شيار
ولا شك بأنّ قصائد الباب الأول من الديوان مفعمة بالحبّ: للأمّ، للحبيبة، لأميرة البرتقال “بركان” المغربية مسقط رأس الشاعر، عابقة بمفردات الطبيعة، قصائد غارقة إلى حدّ بعيد في المعنى والوجود تختزن الأحزان وإن كان ظاهرها يظلله أوراق الفرح.
أمّا القسم الثاني المعنون بكوفيديات فيترجم الحالة النفسية والإجتماعية والصحية التي مرّ بها العالم في فترة إنتشار فيروس كورونا، متأثراً بالشكوك في العدوى وبهذا الصمت المطبق الذي ضرب الحياة حتى الأعياد فيها فيقول:
“عيد كسيح ٌ فلا وردٌ ولا فرحٌ ولا لقاءٌ به يستأنس العُمرُ
وللأماكن صمتُ مطبقٌ ويدٌ مكتوفةٌ وفؤاد نبضة ضجرُ
وللنوافذ والجدران وشوشةُ تقول لي: ومتى التجوال والسفرُ؟
من أين؟ لا لغةٌ تجدي ولا قلم تخبّلَ المبتدا المحذوفُ والخبرُ
أنا هنا في حمى “الكوفيد” أغنيةٌ حيرى تنازعَ فيها اللحن والوترُ
أنا هنا يا رفيق الروح قافيةٌ مرهونة برؤى يعتامها السهرُ
لا الشعرُ يزهرُ في كفّي فأنثره إلاّ حنينا بقلبٍ كاد ينفجرُ
إنّي هنا قبلة الأحرار ملء دمي والشوق وحده جاء يعتذر”
في الختام، يأتي هذا الديوان الجديد للشاعر عبد العزيز أبو شيار مترجماً أرواحنا القلقة بعد هزات نفسية وصحية عاشها العالم وتأثر بها المرهفون، محولاً الأزمات إلى نسائم من جمال تصل إلى السحاب تنحتها بالشّعر فتهطل أمطار القصائد على المتلقي لتحييه من الألم.