الكاتبة والإعلامية دلال قنديل تحاور الشاعر المصري زين العابدين فؤاد في زاوية ” السبت الثقافي ” لموقع ” ميزان الزمان ” ..
-×-×-×-×
“صالون الشاعر زين العابدين فؤاد الأدبي” ظاهرة يقودها مايسترو منفرد.
كنبت دلال قنديل :
يحرك والدي يديه بقرع متناغم على طاولة مكتبه قبالة النافذة، يحني جسده للأمام ، يقرب آلة التسجيل ويتأكد من احكام إغلاقه علبة” الكاسيت” للتثبت من وضعية الشريط الذي وضعه للتو. يخرج صوت “الشيخ إمام” متلوناً كموج تائه.
انا الطفلة التي كنتها متعطشة للسياسة قبل ان تدرك أهوالها، حفظت تلك الاغاني .كانت تلهب حماستي، تشعرني وانا في سنواتي الست الاولى اني تُرقيّت لمصاف الكبار .
كان الامر كذلك حتى بدا لي لاحقاً أني هرمت وانا طفلة ككل أطفال الحروب او بالاصح ضحاياها.
باتت تلك الاغاني خبز الحرب ومحفِّز الثورات.ما هي الا سنوات حتى التقيت الشيخ إمام والشاعر أحمد فؤاد نجم في بيروت .ثم جمعتني علاقة أعمق مع الشاعر زين العابدين فؤاد. كان الفضل الاول لذاك الرابط لصديقنا المشترك المفكر الراحل الدكتور نصرحامد ابو زيد وزوجته الدكتورة ابتهال يونس.
الشاعر زين العابدين فؤاد
في السنوات الاخيرة لفتني ما أضافه الشاعر زين العابدين الى نتاجه الابداعي، مواهب تصويرية وسُمي “مؤرخ ثورة الشباب في الميدان” لم يترك الكاميرا لحظة منذ تلك الانتفاضة.
كانت تلك الظاهرة مثار تساؤل عديدين وإعجاب آخرين.هي صفة جديدة نضيفها لبورتريه شاعر ومؤلف كتب الأطفال والناشط مع النازحين واللاجئين في لبنان وعدد من الدول .
من يرى وجه الشاعر زين العابدين فؤاد بلكنته الخاصة وحرف الراء الذي يخرج برنة مميزة يصعب عليه ان يتخيله حبيس سيرة السجون السياسية التي رافقت معظم نتاجه.ولا يطيل انتظار محدثه ليكتشف شخصيته المرهفة.
من مؤلفات الشاعر زين العابدين فؤاد
عندما زارنا اول مرة في منزلنا قبالة بحر خلدة قال بوجهه الباسم : “تليق هذه الشرفة بالشعر” .هكذا يستحضر الامكنة من نافذة الشعر بعينه المفتوحة ، واذنه المأخوذة للّحن والمغنى.
زين العابدين فؤاد مبدع تستوقفنا تجاربه المتعددة ، المنفتحة على العالم، لا يعنيه العمر ولن نعد عليه السنين التي يعبرها بروح الشباب.
تؤرقنا الايام إذا مافقدت بريقها.قلق المبدع يرافق ولادة نتاجه ، نهم لتراكم التجارب، تتوالد وتتمدد عاماً بعد عام.
شعراء ، كتاب ، مبدعون هم قلة، نبقى مندهشين لأنشطتهم ، يفوح عطر نتاجاتهم ليخفف ثقل تعبنا، ولا سيما نحن الذين نصل منهكين ، مستنزفين الى منتصف الطريق في المقلب الآخر من أعمارنا.
جميل إلتقاء الاجيال في نتاج ثقافي متعدد كبستان يُزهر بكل الألوان.
هكذا تتناهى الينا أنشطة صالون الشاعر زين العابدين فؤاد الذي إنطلق لإحياء ذكرى ولادة المفكر التنويري الدكتور نصر حامد ابو زيد في العاشر من يوليو( تموز) .
إستعاد الشاعر زين العابدين فؤاد سيرة صديقه في حلقات ضمت من عاصروا تجربته.
في حديثنا اشار زين العابدين الى ان الدكتور نصر حامد ابو زيد نشر اولى نصوصه وابحاثه باسم “نصر حامد رزق “.
الحلقات عن سيرة الدكتور نصر بُثت عبرصفحة الشاعر زين العابدين على فيسبوك. سعى لتطوير الفكرة إستنجد باصدقائه الشباب . تطوع كثر، رافقه احدهم لفترة.أتقن بعدها التعامل مع التكنولوجيا وبات يعد ويقدم ويبث وينظم الحلقات بالتسلسل على يوتيوب وحيداً.
تلك الحلقات مهدت لولادة صالون ادبي يديره شخص واحد ، يكاد يكون ظاهرة فريدة.
قدم الصالون حلقات عن اعمال نجيب محفوظ،واحيا مئوية ميلاد سيد مكاوي ، خصص حلقات للشيخ امام ومحمود امين العالم وغيرهم.
” نسعى لتوثيق التاريخ الثقافي قدمنا حلقات عن اكثر من خمسين مبدعة ومبدع.
خصصنا شهراً لفلسطين “.
تجربته مع ميدان التحرير :
في تجربته مع ميدان التحرير يقول: ” فوجئت بالشباب يرددون قصائدي وهم لا يعرفون اني بينهم ولم يروا وجهي سابقاً .كنت فخوراً اني قدمت ريم البنا في الميدان أمام اربعين الف شخص، كانوا يسمعون بإصغاء تام ومن غير موسيقى. عممت تلك التجربة مسرح الشارع .”
رغم ذلك ليس غريباً ان يطلق عليه البعض ألقاباً قد لا تروقه بالكامل او ربما لا يكتفي بها كشاعر الثورة او منشد الشارع .
“الشعر ليس فكرة وإلا لأصبح مقالة سياسية، هو تمازج الرؤية والصورة الجمالية.كتبت للحب والمرأة والجمال وشدني شعراء كثر لجمال تعابيرهم وقوة فكرتهم .فكنت اترجم اشعارهم للعربية من لغات ليست بالضرورة لغاتهم الام ، لشدة تأثري بهم ومنهم الشاعر بابلونيرودا وفيديريكو غارثيا لوركا الشاعر الاحب الى قلبي .”
مجموعة كتب من اصدارات الشاعر زين العابدين فؤاد
لا يتهرب زين العابدين فؤاد من تاريخه، لكنه يمنح نتاجه طابعاً انسانياً مفتوحاً على التنوع .
“علاقتي بالألوان قوية وبالطبيعة وبالاطفال ايضاً، قد يُسجن الشاعر احياناً في نص او اثنين كما سُجن صلاح جاهين في الرباعيات.لكن ذلك ليس بالضرورة يلائم نتاجه “.
لا تسقط بيروت من الذاكرة، له فيها تاريخ وصداقات.يروي يوم جال في أمسيات متنقلة مع رفيقه الراحل عدلي فخري
” في كل يوم حصار ، في كل يوم غنى” ترددت اصداء قصائده المغناة على وقع العود تضامناً مع بيروت المحاصرة عام إثنين وثمانين يوم رفضا مغادرتها.تم إعداد فيلم من قبل محطة بي .بي.سي عن تجربتهما .و بجهد اصدقاء في باريس كتب ديوان القصائد بخط اليد وطبع لاحقاً .يذكر في سرده كيف “مر بابي عمار لتوديعه على نية العودة الى القاهرة فكانت لائحة اسماء المعتقلين في الصحف المصرية ايذاناً من رئيس منظمة التحرير بعدم صعوده الطائرة .”
من قصائد الشاعر زين العابدين فؤاد التي نقلت بخط اليد
من بين قضبان السجون المصريةكانت قصائده تخرج يقرأها عبر الهاتف من مكتب احد الضباط المتعاطفين سراً مع مواقف سجناء اليسار، لتنسخ بخط اليد وتوزع ،تصبح مكتوبة الى ان تكتمل بصوت رفيقه الشيخ إمام مع قصائد اخرى للشاعر احمد فؤاد نجم في ثلاثية قلّ نظيرها.
يقول: “وانا في السبعين من عمري فوجئت بجهة حكومية تطلب مني ديواناً شعرياً لتنشره.وفي ذاك العام اي عام الفين واتنى عشر نُشر كتاب الدكتور نصر ابو زيد “مفهوم النص”.ديواني “الحلم في السجن” كان نشر في مصر باسم ثاني “مين الي يقدر ساعة يحبس مصر”.ولاحقاً نُشر ديوان ” قهوة الصبحية” .
ومن ذاكرة السجن يروي”سنة الف وتسعمية وخمسة وسبعين انشأنا (ندوة البطانية) داخل السجن نستغل فيها ربع ساعة في الهواء الطلق صباحاً ومثلها مساء نضع البطانيات في باحة السجن ونتناقش . تلك الفسحة في الهواء كانت حصيلة نضال مرير.”
“بعدها عملنا برنامج ثقافي يومي ونحنا في السجن.الفنان عزالدين نجيب كان واحداً من تسعة وثلاثين مثقفاً في الندوة وجمع في كتاب ( رسوم الزنزانة).”
علاقته بالشعر كادت أن تكون فطرية في سن الخامسة يقول زين العابدين ” بدأت سماع الشعر ومع وصول الراديو الى بيتنا في منتصف الاربعينيات بدأت أردد ما أسمع. ذهبت في عمر السادسة للمدرسة , واتقنت قراءة الصحف والكتب في عمر العاشرة حيث حفظت بعدها بسنتين غيباً اشعار احمد شوقي كاملة” .
تحايل على صغر سنه وبدأ نشر قصائده عبر بريد القراء في الصحف دون الافصاح عن عمره ، ولقب لاحقاً بأصغر الشعراء.
“نشرت لي قصائد بعمر العشر سنين في زواية بريد القراء بمجلة” الرسالة” التي كان ينشر فيها نجيب محفوظ وعدد من ابرز كتاب تلك الحقبة ” .التقيت مسؤولها لاحقاً وقال استاذ فوزي العنتيل :
” إسمك مشابه لكاتب كنا ننشر قصائده وعندما قلت انا هو إتفاجىء وقالي لو كنت عارف ان عمرك عشر سنين كنت ابعتلك شكولاتة مش انشرلك قصايدك.وضحكنا”.
تجربة مشابهة جمعته برسام الكاريكاتور الراحل ناجي العلي. ” يوم التقيت ناجي العلي في مخيم عين الحلوة في الثمانينات قال للناس إنه كان بيقراني وهو لابس شورت “.
وفي طور إكتمال تجربته الشعرية إنحاز زين العابدين فؤاد للعامية ولم يستخدم الفصحى إلا لنشر كتب الاطفال في بيروت واليمن.هذه الاعمال التربوية يحكي عنها زين العابدين بفرح “كان في منزلنا كاراج للسيارة وما عندناش سيارة، جمعنا الاطفال في الكاراج واطلقنا انشطة تبلورت بكتابات تربوية اعتمدت
كمنهج تعليمي عن حقوق الطفل في بعض الدول العربية، كان كاراج المنزل مساحة مفرودة لورش العمل بمشاركة الصديق الراحل الرسام بهجت عثمان وآخرين.”
يروي ايضاً انه في مطلع شبابه تدرج في نشر القصائد الى ان بات ينشر في مجلة الآداب اللبنانية في منتصف الخمسينات.بين الفصحى والمحكية كانت قصائده بتلقائية تنساب متأثرة باللحظة السياسية.إستغرق نشر ديوانه الاول في مصر سنوات لتسمح به الرقابة في حكم السادات. الديوان نُشر في الصحف بتسلسل وكانت حجة الرقابة “أن الديوان يبقى بينما القصيدة في الصحيفة تُنسى.”
“عام إثنين وتسعين وفي ذكرى ميلادي الخمسين كان ديوان”صفحة من كتاب النيل” اول ما ينشر لي في مصر بعد فترة السادات التي كانت قد فرضت حظراً على الصحف ايضاً ومنعتها من نشر قصائدي.”
قبل خمسين عاماً كتب زين العابدين فؤاد قصيدة “الفلاحين بغيروا الكتان بالكاكي ، ويغيروا الكاكي بثوب الدم…” وبعدها بعام واحد كتب قصيدة “اتجمعوا العشاق في الزنزانة” ومازالت اصداء كلماته تتردد في اوساط الشباب حتى اليوم.
بعض من فيض القصائد العشرين التي غناها الشيخ إمام بصوته.
وكما للمرأة فسحة في شعر زين العابدين سيكون الشهر المقبل بحلقات الصالون نافذة لمبدعات تركن اثراً نقتفيه.
كان وباء كورونا عاملاً محفزاً لتكريس الصالون الادبي اسبوعياً …وبعد انتهاء العزل، يمضي الشاعر وحيداً في حفر ذاكرة جماعية لجيل اليسار كي لا تغيب.
تبدلت الثورات ، ذبل قادة وغابت قضايا، وهو كما هو يردد
” انا الشعب ماشي وعارف طريقي.”
فكيف لا نسأل بذهول من اين لك هذا العزم” يا عم زين؟ “
دلال قنديل
ايطاليا
الاعلامية دلال قنديل