قامة جبيليّة
رجلُ منبرٍ تعرفُه المحافلُ الجبيليّة الثقافيّة في امتداداتها الرحبة. هكذا التقيتُه وأنا أتلمّسُ طريقَ الكلمة، يافعًا أحبّها…
قامةٌ تمتشقُ الطولَ جسمًا، رهبةُ الطلّةِ طاغية، متى يتكلّمْ، ينحنِ سمعُكَ تشنُّفَ صدقٍ ومصادقة. شيبتُه إنْ تهبْه الوقارَ، تُهدِ حنان وجهه القريب، الحبيب!
خاض غمارَ الشأنِ العامّ. هذا يعني العينُ عليه. من يتعاطَ ميدانَه، يعملْ لإقصائه، يقطعْ طريقَ النجاحِ عليه. لم يبَن عليه تأثّرٌ. كأنّي به يفعل وفقَ قولتي: “فيك تكون منيح من دون ما يكون غيرك عاطل”.
اختار مهنةَ المتاعب. أسّسَ لمجلّةٍ رائدة، “الروابط”. كتبَ فكرَه، وبسطَ البياضَ لأترابٍ ومواهبَ ملأوا الصفحاتِ وساعةً من مداد يراعهم وجمالِ أدبيّاتهم.
الرجلُ تميّزه الحريّة. قل الكلمةُ الحرّة، تُعيدُ إلى قناعةِ من ليسَ عليه من الناس منّة. يقولُ ما عنده ببساطةٍ تامّة ووضوحٍ كامل. تخالُه في مقالاته كأنّما يلقيها من فوقِ المنابرِ، غيرَ هيّابٍ إلاّ ضميرَه.
الكاتب والاعلامي جورج كريم
إذا سئلتُ أعرّفُ به، تحضرني صفتان. يعطي كلًّا مكانتَه، ولا يغار من أحد. تراه يجهرُ في حضرة صاحبِ القيمة بقيمته، كما في غيابه. يهتمّ لقدرات كلٍّ، يعلنها ويفيدُ منها، شاكرَه على عنديّاته، ومعلنَه أمام المعارف بفرحٍ فائق.
وفي ناحيةٍ، لا يُتعبُ نفسَه بأخذ مكانه، أو مقارنة نفسه به. يحبّ الكبر ويفرحِ بالكبار، يُعليهم ويقدّرهم. الغيرةُ لا تعنيه، كأنّما يجهلُ ترّهاتِها.
يُحسن اختيار أهل دوحته، كيف يصيرون أحبّةَ بعضهم البعض. يلتقون في ما بينهم وإنْ من دونه، يدركون كلٌّ قيمةَ الآخر، كأنّهم يثقون باعتبار من جمعهم. وهو لا تزعجه علاقاتهم النشأتْ عنده والصداقة التولّدتْ في كنفه! بل أخالُه مبارِكًا ومشجّعًا… جديرٌ أنّه يشكّل نخبويّةً مجتمعيّة توطّدُ ارتباطاتِها طبيعيًّا في ما بينها…!!
الأستاذ جورج كريم، في ضيّق تنفّساتي الأدبيّة، التقيتني وانتقيتَني. وفي تفتّقاتِ إلهاماتي الأدبيّة، حللتَ ربَّ المنزلِ. لا أفيكَ ههنا. حسبي أرضي نفسي ومحبّتي… قلتُ من غير أن أُحسِن، لكنْ استجابةَ قناعتي وفخري أنّي أتفيّؤكَ، وأنتَ تمسكُ يدي وتدفعُني في التجلّيات!!
د.عماد فغالي في صورة جمعته مع الكاتب والاعلامي جورج كريم