الشاعر حسن المقداد يقرأ :
“أرض الزئبق” لنعيم تلحوق .. سِفرٌ فريدٌ للّغة والمعنى
-×-×-×-×-
نقلا عن ” الميادين نت ”
كتب حسن المقداد :
“شيئان اكتشفهما قلبي: اللغة التي تتقن الانتظار، والخيل التي تتقن صهيلها لتحافظ على معناها، بين “ميرنا” و”حنين” صدى الأوراق التي جرّدتني من الهوى، فصرتُ لا أعلم من أكون”.
“صاحبي الناقد التشكيلي والمسرحي صرّح لي حين لكمته بصراخي وهو ينظر بعينيه الفاجرتين إلى ابنة الثامنة عشر وهو فوق الثمانين -قبل موته بقليل- : عش اللحظة لا الحياة، لا تفكّر كثيراً، اكتب عنك في الكتابة عن الآخرين، عش العيش لا الحياة.. لماذا تتعب نفسك في البحث عن معناك؟”
هذه ومضةٌ من معالم “سردّية المعنى” التي يقدّمها الكاتب والشاعر اللبناني نعيم تلحوق، في كتابه الصادر مؤخّراً عن دار فواصل للنشر في بيروت بعنوان “أرض الزئبق”
.
“سردية المعنى” هي العبارة المثبّتة أعلى يمين الجهة الأمامية للغلاف، كأنّها وصفٌ للنوع الأدبي الذي ينتمي إليه الكتاب، وتبدو في “أرض الزئبق” عالماً للكتابة الفنيّة الملتبسة بين السَّرد والتخيُّل والتأمُّل الوجوديّ والسؤال، ونكش زوايا الذاكرة البعيدة، داكنةً كانت أو مشرقة.
فضاءٌ هلاميٌ غير متوقّع، يأخذُنا خلاله تلحوق بانتقالات ساخنة بين المواضيع وتقنيات السَّرد عبر التداعي النفسيّ، كأن الكتابة جلسة مصارحة علنيةٍ حادّة وصادقة، لا إطار أسلوبي لها، فهي زهور تنبت من أعماق الوعي السّاكن لكاتبٍ غزير المعرفة، وتشتعل حال ارتطامها بسطح اللغة، فتومض بالحرارة والدخان والأثر.
انطلاقاً من الإهداء “إلى أمي اللغة.. وأبي المعنى.. روايةٌ لن تكتمل فصولاً” الموحي ربما إلى الرواية الحديثة بوصفها خارجةً على النمط السّردي الكلاسيكي والاكتمال المنطقيّ، إلى مساحةٍ بعيدةٍ عن الأحكام المسبقة والقوالب الجاهزة. إلا أنه منذ النص الأول يعلن تمرّدهُ على هذا الوصف الحداثيّ أيضاً وعلى الرواية اللبنانية والعربية.
الكاتب والشاعر نعيم تلحوق
يمشي تلحوق في طريقه تحت عناوين فرعية تحضر كلمة “المعنى” في أكثر من نصفها كمضافٍ إليه (سبيل المعنى، بلاغة المعنى، بياض المعنى، إلخ…) فيما تحضر كلمة اللغة مضافاً إليه أيضاً في عنوانين هما “شغف اللغة” و”عبث اللغة” وفي هذا إشارةٌ بالغة، بينما تدور العناوين الباقية في الحقل المعجمي للخوف والتعب والرؤيا والذاكرة.
يمزجُ تلحوق في الأفكار التي يطرحها – بشكلٍ ما – بين العلميّ والخياليّ، وبين الصّوفيّ والعقليّ، وبين الشّعريّ والفكريّ، وبين الإيمانيّ والفلسفيّ، ويذكرُ أسماء شخصياتٍ في مختلف مجالات الحياة، ما يشير إلى ثقافة موسوعيّة وشغفٍ بما هو غامضٌ ومعقّد ومثير وغير نهائي.
يفرّق بين العلم والمعرفة بوصفهما مفهومين متكاملين ومختلفين، يتحدّث عن المجرّات والنجوم والكواكب بأسمائها ويُكثرُ الإشارة إلى الفضائيين، يحدّثهم ويتلقّى منهم ويذهب أبعد من ذلك حين يشيرُ إلى أشخاص حقيقيين بوصفهم فضائيين!
يتحدّث الكاتب بجرأةٍ حادّة وصراحةٍ تامّة عن تجارب حياتيّة قد يعدّها البعض محرجة أو قاسية، يصف بتفصيل ويسردُ بذاكرةٍ متماسكة مركّزاً على ما يستفزُّ العقل والحواس معاً ليمنح القارئ تجربةُ مختلفةً ومحفّزة.
لا أعرف شيئاً… ثم “جمهورية أفلاطون”، فتوتّر العصب عندي حين استرحتُ على مُثُل لن أدرك كنهها..! وذهبت إلى الفارابي في مدينته الفاضلة فلم أستطع الحصول منه على وثيقة رسمية تثبت أهلية انتسابي إلى هذا الكون.. فحاججت علي بن أبي طالب فغلبني في نهج البلاغة، عدتُ إلى لزوميّات المعرّي فقتلني الوصول إلى المعنى… صرت بين الفكر والواقع أحار من هو العالم… وما هي مشكلتنا نحن الذين نبحث عن فضائنا الإنساني… فلم يكن ماركس في رأس المال يغويني لأسباب طبقيّة، ما سوى عبارة أغفلها أتباعه النظريون، الأفكار تسقط وتموت حين تصبح أيدولوجيا…”
الكاتب والشاعر حسن المقداد
.