ضمة، فتحة، كسرة… وسكون
بقلم الكاتب : د. بسّام بلّان
-×-×-×-×-
أسوأ نصيحة أسداها بعض المعلمين لطلابهم، هي الهروب من جهلهم بحركات إعراب الكلمات بتسكينها. لتصبح “السكون” لازمة كل حديث، ومنهج حياة.
لست هنا بموقع المدافع عن اللغة، ولا أدعي أنني تلميذ من تلامذة سيبويه أو الجرجاني.
أكثر الذين أخذوا بنصيحة “السكون”، هم المحررون الصحافيون في غرف الأخبار بمحطات التلفزة العربية. لذلك معظم التقارير الإخبارية التي يقرأونها تدخل آذان المشاهدين والمستمعين ساكنة اواخر الكلمات.. وبالتالي بلا وقع أو تأثير، وفي أحيان كثيرة تأتي ملتبسة المعنى والدلالة، لولا الصورة التي تنقذ الموقف أحياناً، عندما تسرق عين المشاهد بدلاً من أذنه. وهذا الأمر لاينفع بالطبع مع التقارير الإذاعية.
….
حركات الاعراب الأصلية في اللغة العربية معروفة، هي الضم والفتح والجر والسكون. والعلامات الفرعية، هي حروف الواو والألف والياء والنون، التي تستخدم للاستعاضة بها عن الحركات الأصلية في مواقع محددة.
أما لماذا نصيحة “التسكين” هي الأسوأ، ببساطة لأن الحركة هي جوهر الحياة واساس تطورها على جميع الصعد.
السكون هو رديف الفراغ، والطبيعة لايمكنها التعايش مع فراغ.
وعلى الصعيد الإنساني، السكون يشيع القلق.. والشخص القَلق هو بالضرورة متوتر، وبالتالي غير منتج، وقبل هذا وذاك هو مريض.
ثمة نقطة أخرى؛ إعتياد السكون إساءة كبرى لفهم الحياة. فالساكن لايعرف فرقاً بين الناصب والمنصوب والرافع والمرفوع والجار والمجرور. وبالتالي يجهل تحديد موقع نفسه، ومعرفة إن كان فاعلاً أو مفعولاً به.. أو مبتدأ أو خبراً.. أو مضافاً إليه، بعد أن إكتفى بالعيش في فراغ السكون. كما لايعرف دفء الضمة ولا وجع الكسرة، ويجهل أن الشخص الواحد من المحال أن يكون في جُمَلِ الحياة الكثيرة والمتنوعة في موقع ثابت. فهو تارة فاعل وأخرى مفعول به وثالثة مضاف ورابعة مضاف إليه..إلخ. وهذا الجهل سيقوده بالضرورة لإساءة تقدير الذات؛ سواءٌ بالتضخيم، أو الانتقاص.
…..
معرفة الإعراب وحركاته ليست مهارة لغوية فقط، وإنما مهارة حياتية ايضاً.
أمم وشعوب كثيرة تعيش اليوم تبعات سنين طويلة من الجهل بحركات الإعراب، والوقوع بفخ نصيحة “التسكين”، المشبوهة، وفي مقدمتهم العرب.
إنزلوا الى الشارع ؛ أي شارع عربي، وراقبوا ما يجري من حولكم لتتأكدوا.
إقرأوا الصحف.. استمعوا للإذاعات.. شاهدوا التلفزيونات.. إسمعوا خُطب الزعماء.. إقرأوا الاعلانات.. إدخلوا المولات.. والبقاليات.. وستجدون في جُلِّ ما ترونه البرهان تلو الآخر.
الكاتب د. بسّام بلّان