جارة الوادي …
أناي الجزء الثاني عشر
قالت : أنا سعيدةٌ بوجودِك هنا اللّيلة . كانت بحالة ذُهولٍ وكأنَّها تراني للمرَّة الأولى . بَدَت وكأنّها تحتاجُ لِصَعَقاتٍ كهرُبائية لإعادةِ إحيائها …
جلَسَت في غرفتِها في ذاك المكان تنتظر أن أشاركها الجَلسة. كان المكان فارغاً جداً إلا من عينَيها اللّتَين كانتا تُشِعّان إشاراتٍ غير مفهومة …
همَسَت لي : غَنّي لي أغنية محمد عبد الوهاب ، ” يا جارة الوادي ” … لم أتوانى أبداً .. بدأت الغناء والدُّموع تملأ مُقلَتَيّ وحَلقي يكادُ ينفجِر من شِدّة الإنفِعال …
كنتُ أعلمُ أنّها الأغنية الأخيرة واللقاء الأخير …
لاحَظَت تهدُّجَ صَوتي فاستَوقَفَتني قائلةً : هذا المَقطعُ لا يغُنّى هكذا ، عليك بالمَدح ، أي الإطالة أكثر ودندَنَت النّغَم بِعِرَب متقطِّعة على قدر ما سمحت لها أنفاسها …
زاد انفِعالي وجهَشتُ بالبُكاء قائلة : تماماً ، كما تريدين . وكانت أكثر الأُغنياتِ إيلاماً . لم أستَطِع أن أُلَبّي رغبَتَها . لم أتمكّنَ من إسعادِها ، ما أقبَحَني !!!
فجأةً إنفتَحَ البابُ وحدَه .. خِفتُ ولكن قادني الفُضول كي أرى من فتَحه . رأيتُها واقِفةً هناك في آخِرِ الممرّ ، تُلَوِّحُ لي بِحُبٍّ شديد …
أشارت إلى قلبِها ثُمَّ إلَيَّ وكأنها تُخبِرُني أنّني سأبقى معها ، هناك . انشَقَّ ثغرُها عن ابتسامَةٍ ملائكِيَّةٍ، رأيتُ الشَّمسَ والحقولَ الخَضراءَ فيها …
ابتعَدَت وراحت تَذوي شيئاً فشيئاً .. حاولتُ أن أكلِّمَها ، أن أفهم منها بعض أسرارِ الحياة ، لكنَّها كانت قد اختَفَت …
عَرَفتُ حينَها أنَّني فقَدتُها إلى الأبَد …
عرَفتُ حينَها أنَّني في حَضرَةِ الله …
( جمانة السبلاني )