عالم الدمى مليء بالالغاز
نابولي الساحرة تتألق بفرادته
هنا يكمن سر التخفي في رباعية ايلينا فيرانتي
مقالة ” السبت الثقافي ”
للكاتبة والاعلامية دلال قنديل
-×-×-×-×-×-×-
لعبة التعلق والتخفي تكاد تكون احدى مرتكزات التحليل النفسي التي تتركه مفتوحاً على شخصيات التدفق العاطفي او الانغلاق، بالحفر عميقاً في تلك المراحل الانتقالية الآمنة كتعويض عن الفقد التدريجي منذ الولادة وحتى إكتمال النمو الذي تدور حول ماهيته.
Ospedale delle Bambole di Napoli
لوح خشبي احمر بسيط وعلامة على شكل صليب علقه لويجي غراسي عام
1895
اشارة إلى مشفى الدمى
كان مفتاح شهرة عائلة توارثته على مدى اربعة أجيال. منبع الفكرة مسرح الدمى الذي يفقد ابطاله قدراتهم الابهارية لتعيد اليها لمسات الجد إلى الكمال .لاشك ان ابداع الجد الاول بخياله المتعلق بالطفولة وادواتها دفعه يوماً لتثبيت تلك اللافتة الحمراء مزينة بالصليب مانحاً اياها اسماً ” مستشفى الدمى”. الادب زاخر بالخيال والا تماهى مع الواقع . بين الخيال والواقع تراودنا فكرة اطلاق الحياة بالاجساد الصلبة الجامدة. تقارب الفكرة منح لعبة اسماً لتصبح اسطورة” بينوكيو” الطفل الخشبي الذي اطلقت الساحرة الروح فيه لتجفف دمع اب نجار منكوب بوفاة طفله.” بينوكيو” المزين بلون العلم الايطالي بات رمزاً تراثياً يغزو العالم.
اجساد مكتملة او اجزاء قبل جمعها تتجاور على ارفف عتيقة، تستجمع نقائصها او تستعين بمهارات تصنع البدائل لتصبح كاملة وفاتنة.يسقط جزء ليلتقط آخر.
رهيف ومفعم بالحنان عالم الدمى المصنوعة من البلاستيك او البورسلان او القماش المحشو بالريش او القطن او الحنطة.
مشفى الدمى
عالم ملون ، مزركش بأيدٍ تدربت لابقاء رونقه عصياً على الزمن.
تدخل الدمى الكسيحة،المعوقة او المتهالكة المستشفى خجولة مخفية بعلب او اكياس. تخرج محتضنة مرفوعة الى فوق قرب القلوب التي تعشقها.
منذ افتتاحه بات المستشفى معلماً في تاريخ نابولي وحتى اليوم يحفظ سحر الذكريات بمكانة خاصة .
قبل أن تدهشني نابولي بمستشفى فريد في العالم مخصص لاصلاح اعطاب الدمى
لم يترسخ ذاك التفصيل في ذهني كما اليوم من رواية الكاتبة الايطالية الغامضة ايلينا فيرانتي في رباعيتها
” صديقتي المذهلة ” المترجمة للعربية عن دار الآداب باستخدام الدمية في الحبكة بما يشد اواصر العلاقة بين الصديقتين ويرخيها.كان غامضاً لا بل غير مبرر قبل ان يتضح هذا البعد المتجذر في النفس للدمى وارواحها الملتصقة بالبشر.
من روايات إلينا فيرانتي
في الرواية ترك استحضار فكرة الدمية عميق الاثر بجوانب الاثارة والادهاش في لعبة اخفاء الدميتين للصديقتين في مطلع الرواية واعادة اظهارهما في ختامها.هكذا فجأة كخاتمة تعيدنا لبدايات سرد محكم على مدار اكثر من الفي صفحة.
دخول عالم الدمى يترك نابولي بغموض حضورها الجذاب الذي لا تغيب عنه سطوة المافيا المتسلطة على مدى عصور. رغم تراجع حدة التناقض فإن روح الرواية تنسكب واقعاً على ازقتها وطرقاتها المهملة وابنيتها القديمة.
المستشفى معلم اثري في سنتر المدينة، ابقت الاجيال المتتابعة على المكان الذي افتتحه الجد الاول،
وهو ما يظهره الفيديو الذي يُعرض كتوطئة للزيارة عند المدخل.
قسم للعيون وآخر للقلوب بنبضات منتظمة تعيد الضحك والبكاء للدمى الصامتة ، البكماء قبل ان تتمدد ليعاد اليها نبض الحياة.
دمية قيد المعالجة عند طبيب العيون
ليست الدمى صامتة على الدوام.قد تحمل اصوات الراحلين تعيدهم احياء. كتلك الحكاية لعثور الزوج الذي اراد تصليح دمية زوجته المفضلة بعد موتها فاستدعي على عجل لاستلام رسالة عُثر عليها داخل الدمية بعد فتحها.رسالة مفعمة بالحب كتبتها لزوجها ولم تجد لكتم اسرارها افضل من رفيقة عمرها دميتها المفضلة.
حيوات تتوالى قصصها بوجوه الدمى المزينة بعيون وطلاء بشرات متعددة الالوان ووجوه صافية المعالم.
أي دمية بين الثنايا لا تعيدنا الى كافكا؟ ترى لو كان بين زوار مستشفى نابولي هل كان استنسخ دمية بدلاً من رسائل الدمية الضائعة للطفلة الباكية التي التقاها في الحديقة؟
يتسرب الوهم من الواقع وقد يغالبه ليبقى الابداع فكرة، مجرد فكرة تطلقها عقول المتبصرين نمضي خلف سرابها بسحر الانجذاب لطفولتنا الكامنة.
دلال قنديل
ايطاليا
الكاتبة والاعلامية دلال قنديل