بقلم:د.بسام بلان
الحــــــذاء
أثناء دراستي الجامعية في دمشق، كنت أستأجر غرفة في احدى الحواري الضيقة. أول صباح لي في تلك الغرفة استيقظت على صوت كعب حذاء يدق على الطريق بنغمات لا نشاز فيها، وكأنها عزف منفرد على أوتار الطريق. ومن خبرتي بالأصوات عرفت أن قدمي سيدة تلبسان ذلك الحذاء. في صباح اليوم الثاني، فتحت النافذة عندما بدأ يصل إليّ صوت كعبا الحذاء وهما يطرقان الأرض، وتأكدت من ذلك.
الحذاء أكثر الملابس اهمالاً في حياة البشر. بدءاً من مكان حفظه وحتى دواعي استخدامه. ومع ذلك تبقى قدم لابسها هي من تصنع صوته وتُدوزن موسيقى طرقه على الأرض، وليس العكس.
مهما كان نوع و”فخامة” الحذاء الذي تنتعله، لايمكن أن يغير من خطواتك، بل أنت الذي تجبره على أن يذهب معك حيثما تشاء. ومع ذلك لم يخطر ببالك أن هذا الحذاء هو الأكثر وفاءً لك من بين كل ما ترتديه من ثياب. فهو الوحيد الذي لاتعلق عليه بقايا رائحة عشيقتك.. أو عشيقك، ما قد يكشف أمركما. وهو الوحيد الذي لاتعلق عليه بقايا أحمر شفاه، أو ذراتٍ من كحل العينين. وهو الوحيد من بين كل ما ترتديه الذي لا “يتجعلك” إذا ما ضممت حبيبتك أو ضممتي حبيبك.
كل ما تلبسه يمكن لغلطة واحدة معه أن يفضحك. إلاّ الحذاء. فهو الأقصر لساناً.. والأكثر حفظاً للسر.
بعض أصحاب الجاه والمال، يرفعون رؤوسهم بأحذيتهم، ويدللون على أهميتهم بأحذيتهم. فيلجؤون الى وضع رِجلٍ فوق رِجلٍ في حضرة من يودون اشعارهم بإحتقارهم لهم، بحيث تصبح فردة حذائهم في مواجهة من يجلسون معهم. فينحني الرأس والذوق ويشمخ الحذاء.
الحذاء في واجهة المحلات، الفاخرة منها أوالشعبية، يغازل الرأس والعيون قبل أن يغازل الأرجل. وغالباً ما يكسب الرهان. هو يملأ الرأس والعينين قبل أن يملأ القدمين. وهناك كثيرون يضحون براحة قدميهم مقابل إغراء الحذاء لعقولهم وعيونهم.
القدم غالباً هي التي تذعن لرغبة الحذاء. والعقل والاحساس غالباً هما اللذان يعطيان الأمر لليدين أو احدى القدمين لخلع الحذاء. فيما القدم تتقولب بحسب شكل ونوع ووضع الحذاء.
المرأة الأنيقة هي التي يقودها حذاؤها لاختيار شنطة يدها. وبينما تضع الحذاء في قدميها، تضع في شنطة يدها أسرارها ودفتر هواتفها وهاتفها النقّال وعطرها ونقودها وربما بعضاً من صيغتها وجواهرها. الشنطة تعرف أنها تابعة للحذاء ولاتشعر بالعيب من ذلك، بينما المرأة نفسها لاتعرف غالباً هذا السر. فكل ما تعرفه أن الحذاء والشنطة متناسقان منسجمان لوناً وعلاقة.
سلوكيات البعض تقول أن الحذاء هو أكثر قيمة عندهم من الرأس أو الشاربين أو اليدين. ويعبرون عن ذلك عندما يقبلون حذاء الأب أو الأم أو الحاكم. فتقبيل اليدين والرأس، تحمل قيمة كبيرة لأي شخص، بينما تقبيل الحذاء هو قيمة القيم!!
وبعض العشيقات لا تتوانى عن الانحناء نحو حذاء عشيقها وتقبيله لمراضاته، وتقديم كل فروض الطاعة له (!) وبعض العاشقين، لاينتشون بالنبيذ إلاّ إذا سكبوه وشربوه من حذاء محبوبتهم.
الأطفال فقط “يجاهرون” بقيمة أحذيتهم، وكم منهم لم ينم ليلة العيد إلاّ إذا كان حذاؤه ينام بجانبه.. فهو الذي سيأخذه في صباح العيد الى ساحات الفرح. وبه سيقذف كرات الفرح في ساحات العيد.
حكايات الأحذية كثيرة وتكاد لاتُحصى. حذاء سندريلا هو الذي نقلها من حياة البؤس الى قصور الأميرات.
شجرة الدر، التي حكمت مصر، ماتت ضرباً بالقباقيب. وتقدير ماري انطوانيت لحذائها واعجابها به، دفعها الى تقصير الثوب الطويل الذي كان الموضة الوحيدة في القرن الثامن عشر، الأمر الذي أحدث جدلاً في أوساط المدينة، كما أطلق شرارة الثورة في عالم الأزياء القصيرة.
وهناك حذاء الزعيم الهندي المهاتما غاندي.. وأحذية زوجة ديكتاتور الفلبين “ماركوس”. وحذاء هتلر الذي كانت حبيبته تعرف بقدومه من خلال وقعه على الأرض.. وحذاء “أرمسترونغ” الذي كان أول من وطأ أرض القمر. وحذاء منتظر الزيدي الذي قذف به وجه الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن في بغداد. وقبقاب غوار الذي أصبح أكثر شهرة من غوار نفسه. وغيرها الكثير والكثير.
وفي القرن الواحد والعشرين، هناك مئات ألوف أزواج الأحذية في أقدام أطفال ونساء وشيوخ سوريين، تلطم كل يوم وجوه لابسي البذلات الباريسية الفاخرة ونزلاء الفنادق الخمس نجوم.. أحذية تتحدى كل هؤلاء أن يضعوا أعينهم بأعينها، بعد أن جردتهم هذه الأحذية من كل قيمة إنسانية. وبعد أن أرعبت الطغاة.
لم يفكر أحد يوماً، رجلاً كان أم إمرأة، بمدى وفاء أحذيتهم لهم. فماذا لو أخبر حذاء هذا الرجل زوجته أين كان ومَن كان يواعد من النساء من خلف ظهرها؟. وماذا لو باح حذاء هذه المرأة بما دار من أحاديث بينها وبين صديقاتها في جلستهم النسائية؟. النتيجة حتماً ستكون كارثية على كليهما.
بعض المجتمعات تُعلّم الفتاة منذ نعومة أظفارها كيفية المشي، كي تتقن فن طرق الحذاء على الأرض، وجعل قلوب سامعيه تتراقص. ومن “طقطقة” حذائها على الأرض تطل على نوافذ مشرعة من الأحاسيس والمشاعر.
لايظهر عادة قبح أو جمال قَدَم المرأة إلاّ عندما تخلع حذائها. ومع ذلك ترميه بقسوة عندما تعود الى البيت، وتزفر بوجهه قائلة: “أووف هلكتني”. هو هلكها لبعض الوقت، ولكنها لم تنتبه الى خدمته الكبيرة لها عندما أخفى ما لاتستطيع اخفاءه من قبح بأثمن وأغلى ماركات الماكياج والمساحيق.
الديكتاتور يتخذ من بعض البشر أحذية له. بهم يُثبّت أقدامه وحكمه. ورغم كل الوفاء والولاء والود الذي يمنحونه إياه، يأتي يوم ويرمي بهم في أقرب سلّة مهملات. يعيشون ويموتون فيها بصمت. وعندما يأخذ الحذاء قرار التمرد والبوح بالأسرار، يتحول الى صفعة قاسية على وجه الطاغية. وكم يحفظ التاريخ من قصص لطغاة قضوا بأبشع الوسائل بسبب أحذيتهم.
الحذاء إذاً؛ أناقة وجمال وستر وقيمة وقاتل. ولكل إمرئ الحرية في اختيار الحذاء الذي يناسبه. ولكن ليحذر دائماً من هذا الحذاء، لأن كل حذاء يحمل نقيضه في ذاته.
بسـّــام بـــلاّن
إعلامي سوري مقيم في الإمارات
6-11-2013
د. بسام بلّان
عنا شخص اجا من فنويلا بعد غربه طويلة ومش جايب شي غير اواعيه وسوالف قد مابدك ومن ضمن الملابس جزمه جلد شي فاخر عالاخر المهم زلمي من أهل البلد عجبتو الجزمه وطلب شرائها من المغترب جاوبو بانها غاليه ولن يقدر على شىرائها وبعد جدال تم الاتفاق على أن يعطيه الجزمه مقابل كرم 15
دولم أصبح اليوم شفع عمار
فالحذاء لا يستهان به وذو قيمة تحياتي أبو أصيل