( السبت الثقافي في ” ميزان الزمان ” مع الكاتبة والإعلامية دلال قنديل ياغي )
كيف يتفوق الجمال على القتل؟
الحذاء الاحمر من ” الفيتشية” الى تخليد دم الضحية وحماية المرأة من العنف.
-×-×-×-
إيطاليا – كتبت دلال قنديل :
الحذاء النسائي الأحمر يقارع الجريمة، يخرق الصمت ويوجه النظر الى الضحية.
من طين او جلد او ورق او بلاستيك تلاعبت به أيدي حرفيين عالميين إنضموا لأنشطة توزعت على خمس وأربعين مدينة إيطالية لتبدع الأنامل بإخراج صوت المرأة المقتولة او المعنفة الى العلن.
تُخنق ” الفيتشية” الجنسية تعيد تموضع المرأة في الصورة وهي قتيلة. المرأة بترميزها وإختصارها بحذاء وقدم. الحذاء بكعبه العالي يرمزللجنس، وقد يرمز منذ الآن بفعل الفن الى حماية المرأة ومنع تهديدها بالعنف المتسلل من الجنس والدين والمجتمع . يصون حريتها بالاختيار، يحميهامن نفسها ومن الصورة النمطية بجعلها قتيلة ، صامتة لا ترد حتى اليد التي تصفعها بل تنحني لها.
بالفن والفكر تصبح الصورة أبعد مما نرى.
الدراسات والندوات والأنشطة الموسيقية والفنية والكتب تعلوها احذية صممت بالأحمر.
انطلقت البرامج بدءاً من ٢٥ نوفمبر تشرين الثاني /الماضي وتستمر حتى ٢٣ كانون الاول /ديسمبر الحالي .
بلا ملل نتفرس بتلك الاشكال المفرودة ،كحذاء بلون مشبع بالاحمر كذئب لم يرتوِ من دم فريسته.
قد يكون الرمز فردة وحيدة قرب شاطىء او طريق عام. فردةمضمومة كقتيلة قبل الذبح ، او مفرودة عارية ومكشوفة كعاشقة، فردة طويلة كجسد شُرع للحياة والعمل والولادة أوفردة مهشمة كامرأة حملتها الريح الى الابدية قبل الاوان ذليلة ، مهانة.
فوق المراكب يسبح الحذاء بسيراميك متقن، تسطع الشمس قرب الشاطىء بلمعانه الارجواني ، يجلس على المقعد المدرسي ويمضي الى مقاعد الحديقة .
قرب المحاكم وعلى سلالم المتاحف وفي باحات الكاتدرائيات والمؤسسات والمقرات الرسميةصُمت ١٠٩ فردة حذاء دُونت قربها أسماء ضحايا العنف هذا العام وقد حمل الرقم زيادة مفجعة ١٠٤ ايطاليات قتلن العام الماضي بمعظمهن على ايدي قريب او او زوج اوحبيب سابق او احد افراد الاسرة.
واحدة من ثلاثة نساء في الاتحاد الاوروبي تعرضت للتحرش الجنسي وهو رقم كبير حملته الدراسات هذا العام يبدو متواضعاً نسبة لدول العالم الثالث التي ترمي اوساخ مجتمعاتها تحت السجادة .
هل يحمل الفن قضية؟ بلا تردد هو القضية. الانسان قضينة، يجعله يسمو فوق المرئي. يطلق ابتسامة للولادات بالتجدد ، يحرك أشباح القبور ، يخرج اصوات الموتى ، ليسود الجمال بدل القتل. يمجد الحياة مكان القبح الذي يتعمق أثره حولنا بالقمع والحقد والحروب.
يزداد الألم بالتأمل في تلك الجرائم التي بات لها اسماء أضاعت الطريق، احذية لم تدرك طريقها للحياة.
تستحضر الذكرى الغياب .. لا تتجاوزه.
تظاهرات تعبر المدن وترفع الرايات رفضاً لتعنيف المرأة وسحقها.خطوط هاتفية استُحدثت على مدار الساعة ترن طلباً للمساعدة بكافة انواعها، حتى لرفقة طريق موحشة تهيباً من المتحرشين .
تُطوقُ الجريمة قبل ان تقع بالوعي والحس الفني لرفع القدرة على الفهم .
جميلة تطل المرأة علينا خارج الجماد ، متحركة، كراقصة على المسارح التي أحيت قصصهن ليدخلن حيواتنا من نافذة الضوء بالفن لا من روائح الجثث المتحللة.
هل يكفي الفن لإعادة الرونق للجمال؟ تصعب الإجابة لكننا بلا شك نرنو اليه محملين بكل هذا الشجن الذي يلفنا.