كُوكُّون (الشّرنَقة) …
لم تَعشَق تلك الكلمة عَبَثاً ، فهي تُمَثِّلُها .. صُورتُها والفراشة ، وجهان لقلبٍ واحد …
بعدما فَرَدَت جناحَيها وحلَّقَت في فضاءاتِ الله الواسعة ، اشتاقت جُدرانَها ، فجُدرانُها هي الملاذُ الآمن لها ، أو..
هكذا ظَنَّت …
تتقوقَعُ داخلها بِصَمتٍ . دودةٌ مُطيعةٌ لا تشتكي ، ولا يُسمعُ لأنين جُوعِها صدىً …
تبقى هناك ، تموت داخلها، مجرّد دودة …
مُحاوِلَةً تبرئة نفسها من دور الدّودة المسكينة ، تغسل حُزنَها ، تطلق جناحيها ودموع القلق تملأ عينيها…
تحاول الإبتسام ، ظنّاً منها أن نهر الحياة
سيحمل مخاوفها بعيداً بعيداً …
هل أراقت كل أمانيها ؟ لا تدري .. تعلم فقط أنّها حزينة …
كتَبَت لأنها تعلم أنها حقيقة وليست قصّة وهميّة تداعب خيال كاتب ، قصّة سوف تتناقلها الأجيال ، قصّة عن صراع نفسٍ مع نفسها ، مع جسدها …
وكيف تُدغدغُ أحلامها تلك الأفكار بالرغم من تَدَيُّنِها ومحبّة الله التي تسكن فيها ، برغم الظلم الذي سمح بأن يُدميها …
هل غيَّرت صلاتها مرارة الواقِع ؟
قالت : لن أسمح لأحدٍ أن يضع أخطاءه في خِزانتي …
نظرتُ إليها بأمَلٍ وتوسُّلٍ وهي تغوص عميقاً في جُذور عينيّ متسلِّلة إلى أفكاري ..
ثم ، وبصوت منكسر هامس قالت : إسمعيني ، أنا وأنتِ هنا ، استدرجتني إليك ، جعلتني أبوح بما فاضت به جوارحي ، ثم بدأتِ بِنُصحي ؟
أدرك جيداً أنك تستطيعين طردي ، وأدرك أيضا أنك لو فعلت لن تستطيعي إبعادي، ببساطةٍ لأننا نقبعُ في سجنٍ واحدٍ لم تُطلى جُدرانه منذ عُقود …
تغيّرت صورة الفراشة وحلّت محلّها صورة قاتمة ومُشَوّشة لِنِصفِيَ الآخر ، صورةٌ تُؤرِقُني وتلمسُ حَواسي ، صورةٌ تقتُلُني ألفَ مرّةٍ ومرّة ثم تعودُ إليَّ وكأنَّ شيئاً لم يكُن ….
أراني معها كالسِّكّين العالِق في الحنجرة ، لا أستطيع ابتلاعها ولا إخراجها . أيُّ مُعاهدةٍ عليّ أن أعقد معها كي تطلق سراحي من شرنقتها السوداء وتعيدني إلى النور ؟؟؟
وإن حصلَ واتّفقنا فأنا لا أضمن وفاءها … لَيلُها نهار ، حُلوُها مر ، صمتُها صاخب ، هواؤها ثقيل ، وريحُها ساكِنة …
قالت بِخُبث : أعاهدكِ وبِكُلِّ اللُّغات بأنك لن تلحَظي وجودي بعد الآن ، سأكون نصفك الصّامت كما اعتدتِ أن تكوني …
كنت قد أمسكت يدها مصافحة ولكن ذهب الشّعور وجفّت اللّمسةُ وأنا في قِمّة احتفالي .. في رقصةِ الوداع تلك ..كنت أحاول أن ألتمِسَ الهُدوء بعدما غدا تغريدُ الطّيورِ أصوات بومٍ تَنعق وأصبحتِ الأمّهات آباءً والأطفال رجالاً مُسنّين ،خيالاتٍ تَحومُ حول شجرةِ الوُجود …
خضعتُ بِخُنُوعٍ للأصفاد التي تُكبّلُني ، باحثةً عن ترنيمةٍ ملائكيةٍ تستقبلني في كُوكُّونَتي ، لكنّني لم أجِدها …
انحَنَيتُ أغسِلُ التُّراب بِدموع نَدمي . كيف جعلتها تتمكّن مني هكذا ؟ كيف سأجد طريقي إلى الخارج ؟ كيف وكيف وكيف …
إنّها رقصتي الأخيرة..
( جمانة السبلاني )
Keep working ,impressive job!
My page http://blauxportableac.net/