بازوليني يعود مكرماً بعد مئة عام على إغتياله
بيروت وباريس تستعيدان إيتال عدنان بترجمات جديدة.
عين الإبداع لا تفقأ بمقصات الرقابة.
– ” السبت الثقافي ” بقلم الكاتبة والإعلامية دلال قنديل :
تفقد الثقافة دورها إن لم تكن صادمة للمجتمع ،ساطعة في مواجهة السائد وتعريته. تبدو ظاهرة إستعادة المجتمعات لمبدعين نبذتهم قبل مئة عام ظاهرة تستحق التعمق.
تضج المدن الإيطالية هذه الاساببع بمناسبة إحياء مئوية الشاعر والكاتب المخرج العالمي الإيطالي باولو بازوليني ولا سيما في مدينتي بولونيا حيث وُلد وروما حيث اغتيل.
أعماله المستعادة تكاد توازي خلقاً جديداً لصورته المشوهة، متطهراً من إتهامات نُسجت حول شخصه ونتاجه.وبين الانشطة سلسلة محاضرات نظمتها جامعة روما تحدث فيها دكاترة عن سيرته وصوره ورفاقه،وأرائه في مواجهة الفاشية. إمتد فيها النقاش لساعات في بث مباشر بين جيلين اساتذة مخضرمين
و فنانين شباب.
العالم يحتفي بهذا العبقري بعد موته مقهوراً إغتيالاً في جريمة مازالت ملابساتها تفيض بها الصحافة كل يوم دون أن تنجلي حقيقتها.
هذا اللغز الذي لا يزال عالقاً بشأن مقتل بازوليني في أوستيا، بالقرب من روما في 2 نوفمبر 1975 عن عمر يناهز 53 عاما.سبقه إغتيال معنوي قاده عشرات المرات للمحاكمة.
كيف لا يكون من يهز البنيان هدفاً للفاشية ؟وقد طوع الكاتب والمخرج السينمائي والمفكر اللغة والصورة والحركة لتجليات ثورة الفكرة .
وضع الشارع بلهجته وفظاعة مهمشيه خلف الشاشة وليس أمامها .
يرحل المبدعون لتُلمع اعمالهم وتُخلد ذكراهم كفعل ندامة على نبذهم ونحرهم وقتلهم .
يزيل الفن الحواجز ، يشرع الحدود في عالم تتقاسمه الحروب التي يخوضها اصحاب النفوذ والسلطة.
إيتال عدنان بين بيروت وباريس :
بالتقاطع مع ما تشهده إيطاليا، هذه الأيام تطل علينا الذكرى الاولى لرحيل الفنانة والشاعرة المبدعةإيتال عدنان، فيما تنشغل بيروت وباريس بإستعادة مساحات أطلت فيها إيتال عدنان كمخضرمة بين عصرين.
نسجت ألوانها الخاصة بالشعر والريشة لتبقي مكانها شاغراً بفرادة نتاج لشخصية خاصة تجمع بين المشاكسة والرقة وتقديس الحرية.
الشاعرة والرسامة إيتال عدنان
لا يغيب إبداع بتقادم الزمن، لا بل يتجلى بإهتمام اصدقائها والعارفين المواكبين لهذا النتاج الخلاق، الذي سيبصر النور بترجمات جديدة للعربية لعدد من كتبها وشعرها .تلك اللغة التي احبتها وزينتها بلوحات ومنمنمات فريدة ، جعلت عين العالم اجمع تلتقطها بفرح إكتشاف سرّ من أسرار الخلق وإن بقي عصياً على الفهم.
لو علم الذين قتلوا مبدعين ومفكرين كم أخفقوا في خنق اصواتهم لربما تراجعوا عن جرائمهم.
ظاهرة منع الكتب :
وسط هذه الإحتفائية بالمدعين يكبر التفاعل احتجاجاً على قرارات منع الكتب في بعض المعارض.وقد سهلت مواقع التواصل وأجهزة الهاتف الذكية والكمبيوتر الوصول ليس فقط للمعلومة والمادة المطبوعة مشحونة بملفات pdf دون كبير عناء ، بل سرعت أيضاً مواجهة قرارات المنع في كثير من الحالات والعودة عنها .
ظاهرة منع الكتب في عالمنا العربي تعكس إنفصاماً حاداً يصعب فهمه. بين واجهات ثقافية تتبارى فيها الدول على إستقطاب المثقفين وتوجيه الدعوات لهم وتوزيع صورهم على منصات الفاعليات التي تنظمها، وهي فرصة تفاعلية بالمناسبة، من جهة وشدّ حبل الرقابة على كتب لأدباء ومفكرين وشعراء مبدعين من جهة ثانية، كأنها تملك حق الأحكام المبرمة دون سواها.
أذكر أن ناشراً فوجىء مرة، بقرارات تعسفية أحالت عشرات من كتبه الى مخازن الرقابة في إحدى الدول العربية، ما رتب عليه خسارات معنوية ومادية، أثارت إعتراضاته بعض الكُتاب الذين حولوا قضية المنع الى قضية رأي عام. خلقوا جلبة في الصحافة حول الموضوع اتاحت إعادة النظر بالقرار . فما كان من مدير الرقابة الذي سمح بإستعادة الكتب من المخازن وكان المعرض في منتصفه، إلا ان يتذرع بأنّ احد موظفي دائرته قارب سن التقاعد وبعدما تناهى اليه وجود إلتباسات حول بعض الكتب فضل ركنها في المستودع كي لا يُعرض نفسه للمساءلة، الى أن يجد متسعاً من الوقت لقراءتها.