دلبة مونبلييه
أود أن أتحدث أولا عن دلبة بعينها، في أقدم ساحة لأقدم كاتدرائية في مونبلييه.
تنهض شجرة الدلب العملاقة هذة، على ستة فروع سخينة. ضخمة في سخانتها، يحتاج كل فرع منها، إلى أذرع أربعة رجال يحيطون بقطره. وربما يحتاج لخمسة منهم. وهذة الفروع الستة، تنطلق من جذع دهري عظيم. ينهض عن الأرض بقامة دست عظيم مسدس. ثم تشرئب الغصون إلى الفضاء، حتى تتساوق مع مناراتها. حتى تتسامق مع فضاوات هذة الكاتدرائية التاريخية الشاهدة مثل شجرة الدلب، على معبد وثني قديم، تحول فيما بعد، إلى كاتدرائية، حين تحول الناس فيها في عباداتهم. كانت شجرة الدلب العملاقة تشهد على التحولات، فتنحني. وتميل. وتتفرع في الإمالات، ذات اليمين وذات الشمال، حتى لتكاد تصير إلى أكثر من مجمع. إلى أكثر من معبد. إلى أكثر من غابة. غابة دلب، في هاتيك الشجرة من الدلب، عملاقة.
هذة أعظم دلبة رأيتها في حياتي. ربما كانت، أما لجميع شجر الدلب الذي يحرس جميع خطط مدينة مونبلييه القديمة. بكل شوارعها الرئيسية. بكل متفرعات شوارعها. بكل زواريبها، التي تندلق مثل شلالات من البلاط العتيق. يسيل بالمدينة القديمة، ولا يدع القدم تنزلق، إلا إلى عشب الأرصفة المستحدثة.
شجرة الدلب مميزة في مونبلييه القديمة. ومونبلييه المستنسخة/ المستحدثة. تتعانق أشجار الدلب أمام أول جامعة للطب في الجنوب الفرنسي. فكلية الطب فيها، هي أول جامعة بنيت، بإزاء كلية الحقوق، بعدما هجر العلماء العرب، بلاد الأندلس. حملوا إلى مونبلييه، إرثهم العلمي من غرناطة وإشبيلية ومجريط، وأسسوا في مونبلييه، أول جامعة فيها. ولا تزال آثار هذين الصرحين العلميين، ظاهرة، في قواعد الجامعة الضخمة. وفي غرفها الأرضية المتسعة. وفي أروقتها الأخاذة. على الرغم من الزيادات التي زيدت عليها، في العصور اللاحقة.
مخيم عظيم من شجر الدلب، تأوي إليه مدينة مونبلييه. يفرش أرض المدينة بسجادة عظيمة من الورق الأصفر. تسمع حفيفه في الليل وهو يتساقط، تحت ضوء القناديل، الذي يزيده بهاء. وتصغي إلى هسيسه، إلى خشخشته، وأنت تطأ أرضه، وتخشى أن تطأ عليه، لأنه ورق مسحور بالتاريخ. مسحور بالجدران القديمة. بالعمارات القديمة. تراه يتلوى صفوفا على مجاري الجداول الكثيرة. ثم ينتصب غابة من الدلب، أمام الCorum ، أمام الكليات الجامعية والمدارس والثانويات، والمباني الحكومية.
صف من شجر الدلب، يحرس ساحة النصر، حيث تمثال الملك لويس الرابع عشر، على صهوة جواده. وأمامه قوس النصر، يمجد المدينة. فمجد مونبلييه، أعطي له.
الغابات والحدائق القديمة في مونبلييه، وكذا الصقالات العملاقة التي كانت تحمل الماء من الخزانات المودعة في ساحة النصر في Peyrou ، إنما هي بحراسة شجر الدلب. تراه يبعث بالنياشين الذهبية، إلى الحوافي. إلى الإنسام إلى الجهات كلها. يكتب عليها رسائله. كل خريف. كل أيلول. ترى شجر الدلب. في مونبلييه. ورقه الأصفر، ماذا يريد أن يقول.