في الليلة الثانية لمهرجان المحكية
شهرزاد القصيدة تكمل الحكاية أمام بحر العباسية وقدموس العظيم
فرسان الأمسية حلقوا عاليا وهدى سليمان أفردت جناحين من لغة ونور
-×-×-×-
كتب رئيس منتدى حبر أبيض الشاعر مردوك الشامي :
وفي الليلة الثانية للمهرجان الأول للقصيدة المحكية اللبنانية، وقفت شهرزاد القصيدة في حضرة صيدون،على مقربة من قدموس العظيم، حملت في كلمات الحكاية بحر صور وصيدا وكثيرا من الورد وجناحين، وأبدعت هدى سليمان لغة وحضوراً وبدأت الكلام :
” لصور… أمّ اللّغة والشعر والأسطورة….
لملكارت…الّذي ولدت هذه المدينة يومَ ولادته فكانت قصيدة موزونة على البحر المتوسط….
للشّعر… نبضنا المتنقّل في الحارات والمدن….
للأحبّة الّذين جاءوا يملؤون سكّر القلوب في جعبات الوقت…
أسعد الله هذا المساء الغارق في العظمة والتّاريخ.. نسجته أيدٍ أرادت أن يكون للمحكية “مهرجانها الضخم” في ثلاث قصائد ينمن كل ليلة في حضن المتوسط وينشدن للبحر الشّعر والموسيقى والفرح… هنّ صور وطرابلس وبشامون….”
وشكرت هدى الرعاة للمهرجان وزارة الثقافة واتحاد الكتاب، واشادت بالتعاون الرائع مع منتدى العباسية الثقافي الاجتماعي الذي فتح القلب والذراعين لاحتضان حشد كبير وصل العباسية من كل لبنان، من شمال الروح وبقاع النبض وبيروت العناق ..
وتابعت شهرزاد اقصد هدى الحكاية:
” الشكر للدكتور محمد حمود رئيس منتدى العباسية الثقافي والاجتماعي ولأعضاء المنتدى ولأهالي العباسية على احتضان هذه الأمسية…
والشّكر لمنتدى شواطئ الادب ومنتدى شاعر الكورة الخضراء.. وملتقى حبر أبيض لتنظيم هذا المهرجان,,
مهرجان صنعته إرادات خُلقت للحياة أو لنقل تخلق كلّ يوم من الشعر حياة… تخلط طين المحبّة بماء قلوبها الصافية، تنفخ فيه روح الشّعر فتولدُ أمسيات ومساءات للكلمة واللغة والموسيقى….
يقال إن شياطينًا خارج أسوارنا تزمجرُ وترعدُ… أشعر في هذا الزّمان البارد؟
لكنّنا لا نهتم.. نكمل آياتنا وكتبنا.. نعلّم المدن الأسماء كلّها…. ونمضي نحو جنّتنا…
ننقلُ القصيدة كآبائنا الفينيقيين على ظهورنا…. لنصنع سفينة نجاتنا وسط ترّهات السياسة والاقتصاد….
وهذه المرة أردناها بالمحكيّة…
على طريقة صيادي مدننا السمراء.. نلقي شباك المجاز في بحار القلوب… لنخرج بكفاف يومنا من الفرح والأمل…
على طريقة أسواقها الشّعبيّة تنادي أبناءها للحياة… تعجن قمح الكلمة طازجًا وتلقيه في فم مريديها وسائحيها …
أردناها بالمحكية…
على طريقة شاعر عاشق… خلع عنه عباءات النحو والصّرف والبلاغة ليقول لحبيبته: “بحبّك” مذهّبة كجسد خرج لتوّه من حمام شمس دافئ….
أردناها بالمحكية….
على طريقة مقاومي هذه المدينة العظيمة.. يوم كانت الكنايات شيفرة إعجاز وتعجيز للعدو..
وعلى طريقة فيروز يوم تختصر بصوتها الشجيّ لهفة تحاكي لهفتنا اليوم فتقول “وإنتْ مشغول بقلوب”….
ساحرةُ هي اللّهجات الخارجة من رحم اللغات المكتوبة… هي ماؤها الجاري الّذي يخصّب شوارعها وأحياءها… هي الدّليل الجميل على مقولة ريتشاردز أنّ المعاني لا تمكن في الكلمات فقط بل في البشر..
ونحن نعرف أنّها تجربة محفوفة بالمخاطر … لأن للكلمة كما يقول فندريس قيمتَها النقديّة أيضًا… فإن كانت خالية من الحقيقة صارت مجرد أنفاسٍ صوتية باطلة….
لكنّنا نعرف أيضًا أن هذه الاحتفالية تقوم على أعمدة في الشعر المحكي… شعراء يعرفون كيف يخلقون الحب والقيمة والجمال من الكلمة ويطلقونها حرّة في سماء دهشتنا…
فافتحوا أبواب القلوب لصلاة.. حان الآن آذان القصيدة حسب التّوقيت المحلّي لمدينة صور وضواحيها….”
كلمة المهرجان للشاعرة ميراي شحاده
ثم قدمت هدى الشاعرة ميراي شحاده رئيسة ومؤسسة منتدى شاعر الكورة الخضراء الشاعرة ميراي شحاده أيقونة الثقافة والوفاء لتتلو كلمة المهرجان وقالت في كلمتها التي تشابه الصلاة:
” في البدء كانت الكلمة، والكلمةُ هي أنتم.
والكلمة الحق لا تعرف حدوداً ولا أقنعة، مثقلةٌ هي بالجمال، مترعةٌ بالحنان، خيولها تصهل شفّافة في ثنايا الروح، تنثر الحبّ وتخلع الرداء وتمتد بكامل عريها على أسرّة أوراقنا العذراء، تلد نثراً، تلد شعراً، تلد أطفالاً من نور، ترصدهم ربّما مآقي الديجور؛ ومن برق قوافيهم تتناثر الخميرة لكلّ خبّاز والّلجين لكلّ حالم بتطريز السماوات.
• سعادة الدكتور محمود حمود رئيس منتدى العباسية الثقافي الإجتماعي الذي نحن اليوم بضيافتهم مشكورين
• سعادة نائب الأمين العام لاتحاد الكتاب اللبنانيين د.أحمد نزال
• شعراء الحب والوطن، حساسينَ روضنا في هذه الأمسية: الخزامى والخلف والساسين وأبي علي
• شركائي في هذه الوليمة الملوكية والملائكيّة ويا ليت كلّ الولائم هكذا تُرتَكَبُ، نُبسْمِل باسم الشعر، نصلّي بجميع اللغات، وكل اللهجات وبالفصحى والمحكية.
شركائي وبفخر هما قدموس الأدب الشاعر أ. عصمت حسان الآتي من معالي شواطئ الأدب محمّلا بالرقي والإنسانية والمردوك الجلجماشي الشاعر أ. مردوك الشامي الملوّنُ بحبره الأبيض بعض ما اسوّد في فضاءات الكلمة.
• القامات الفكريّة والمنتديات الثقافيّة الحاضرة معنا اليوم في مأدبتَنا هذه.
أيّها المُحتَفى بها، قصيدتُنا المحكية اللبنانية
وأهلُها الوافدون من أبجدية البخور وقمم جبال لبنان وأسفل الوديان إلى العباسية صور
حاملين لنا معهم مواويلَ الرّيح وتأوّهاتِ الموج!
أيّها الضيوف الأعزّاء، أهلاً بكم في العرس الثاني، لمهرجان القصيدة المحكية اللبنانية.
في الأمس وعلى ضفاف بشامون، أدمنّا خُضرَ قوافيهم فتفتّحت رئتا الصخور وشهقتِ الريحُ آه وألفَ آه؛ وارتمت تحت منابرهم حُزم الشموس والأقمار! نعم، هؤلاء هم شعراء قصيدتنا المحكيّة الذين يُخيطون جراحَ الأرض ويرمّمون ندبَ الثرى ويُسرِفون بعصرِ نبيذهم في مسامعِ العشّاق!
نكتحِلُ بهدب يراعهم السهل الممتنع، ونبتّلُ بهم ولهم!
بالعاميّة: (ومنطير لأبعد من حدود ل بعيد / نلاقي للمعنى معنى جديد
البحر بيصير مش بحر / ختيار وجّو مجعوَد من ل قهر
وِسَّما تريّا كبيري كتير / بتلمع كلّما شاعر منريقكم طلّ
وفَرَدْ جدايل شعرو ع ل أثير/
ومنطير لأبعد من حدود ل بعيد/ نشقّع عَ رفوف هل مدى
قصايد عسل شهد ومواعيد/ ومسبحة إمّي اللي بِ سّما
من فوق إلي بتدندلها/ كلّ ما إبكي ولّا إشكي شو بيفيد
مِحكي فُصحى أو بالوّما/ شويّة حب وكمشة وفا
والقلب عَ القلب والإيد بالإيد.
العرس الأوّل مع حبر أبيض/ وكورا زيتها أخضر وشواطي للأدب أدب بتزيد…
ان شالله بكرا بالعرس التاني
قدموس بيسلّم ع جرير
وكلّ مين بينزف معنا حرف/ بيزيد بها لعرس كاس نبيد.)
من أورفليس الشعر، هيّا نبحر يا أحبّتي وفي محراب الكلمة نطوف حول كعبة الشعر في العبّاسيّة نصلّي!
هيّا إلى بيادرهم، نقتاتُ من قمح أرضهم وبقصائدهم المحكيّة اللبنانية يزداد لبناننا سوسنا واخضرارا.
عشتم وعاشت القصيدة المحكيّة وعاش لبنان.”
كلمة اتحاد الكتاب اللبنانية القاها نائب الأمين العام د. أحمد نزال :
وتابعت شهرزاد الحكاية بتقديم الدكتور أحمد نزال نائب الأمين العام لاتحاد الكتاب اللبنانيين الذي قدم كلمة الرعاية بلغته العالية وحضوره المفعم بالوجدانية والمحبة وقال فيها :
“نلتقي هذه العشية حولَ قاماتٍ شعريةٍ، دخلتْ بيوتَ لبنان وجمّلتْ أماسي اللبنانيين، وألهمت الحاضرين وهزّت قلوب المستمعين…
لقاؤنا الليلة، هو احتفالٌ بالشعر، واستحضارٌ لأمجادِ المنبرِ والقولِ المغنّى وسحرِ الارتجال وليالي جوقات الزجل، التي أطربتْ لبنان وألهبتْ جمهورَ القوافي.
الكلامُ على المحكية اللبنانية الليلة، هو عبقريةُ القولِ الشعريِّ المغنّى، في وفرةِ الأنواعِ والفرادات وتعدّدِ الأوزانِ والصوَرِ والمواقفِ الوطنية ومحطاتِ لبنان التاريخية…
ثم هو ذاكرتُنا البهيّة، التي تختزنُ حميميات التذكارِ في حياتِنا اليومية والمواسمِ والأعياد، وحبقَ الحبيبةِ تحت ضوءِ قمرِ نيسان.
السيدات والسادة،
لعلّ من المفيدِ أيضًا، ان يتباهى لبنان بشعرائِه أهلِ المحكية والزجل، وتعرفون جميعاً إدراجَ اليونيسكو الزجلَ اللبناني على لائحةِ التراثِ البشري الثقافي غير المادي. ما يؤكدُ أنه فنٌّ لبنانيٌّ عبقريٌّ، يكتنزُ إرثًا شفويًّا هائلَ الغنى، ينتقلُ الى العالمية. وفي ذلك إسهامُ لبنان في إثراءِ مسارِ الحضارةِ الإنسانية والذاكرةِ الجماعيةِ للبشرية.
عريقٌ هذا الفنُ المنبريّ، يعودُ إلى زمنِ القلاعي اللّحفدي، إلى حنانيّا، وصولًا إلى شعراءِ اليوم وكافةِ الجوقات والأمسيات التي شاهدنا وسمعنا على الشاشةِ وعبرَ أثيرِ الإذاعةِ الرسمية…
الشعراءُ المبدعون هؤلاء، تركوا لنا إرثًا جماليًّا آسرًا. أكبرُ الطموحِ أن نحافظَ عليه ونعيدَ بثّه ونشرَه مسجّلًا مكتوبًا وموثّقًا لأجيالٍ تأتي.
نحن فخورون بهذا الإرث، فخورون بكم وبعطاءاتكم أيها الشعراء، الحاضرون في الذاكرةِ والوجدان، وبكم جميعًا يا شعراءَ المنبر، الراحلين والحاضرين والآتين بالتأكيد والتوق!
السيدات والسادة،
إن استذكارَ كبارِنا في مجالاتِ الإبداعِ كافة، تنشيطٌ للذاكرة وتواصلٌ بين الأجيالِ الراحلة والآتية. فإبداعُ الحياةِ مسارٌ متواصلٌ لا ينقطع، وخزائنُ المعرفةِ والجمالات واجبٌ ألّا تتحنّط كنوزُها، ففيها عطاءاتٌ وحوافزُ لدفقِ نهرِ الحياة.
هذه ليلةٌ للمحكية اللبنانية، باسم اتحاد الكتاب اللبنانيين كلّ التحية لوزارة الثقافة على رعايتها، ولمنتدى شواطئ الأدب وحبر أبيض ومنتدى شاعر الكورة الخضراء على إحياء فن القول المحكي.
ختامًا، أستعيرُ من الفيلسوفِ الألماني نيتشيه: “وحدَه الفن، يجنّبُنا الموتَ من وحشةِ الحقيقة” !!!
ثم بدأ العرس الكبير، واشتعلت الحكاية بفرسان القصيدة ، وتعاقب على منبر السطوع شعراء لهم في الضوء فراديس توهج واخضرار، ولهم في المشهد الشعري اللبناني والعربي حضور النوارس التي تقود إلى الشواطىء الآمنة حين يدفع بنا الموج إلى إلى التيه ..
الشعراء طوني خزامي ، وحسن خلف، وقزحيا ساسين وإياد أبي علي، أصوات فيها فرادة وتحليق، وقصائد فيها تجليات عالية وتجديد ، وجمهور الجنوب يتقافز فيه النبض أمام صور شعرية فيها إدهاش، ورعشٌ وينابيع.
وكما في كل ليلة شعر تضيء عدسات الأعزاء محمد عمرو وزمان الأخبار، وإكمال سيف الدين وحبر ولون ، ويوسف رقة وميزان الزمان، لتدوين الحدث بكل واقعية ونقاء.
وهنا سكتت شهرزاد عن الشعر المباح، لتخبرنا أنها في الليلة التالية ستسلمنا إلى حكاية جديدة على شاطىء بحر طرابلس، وتحمل اسما جديدا هو أماني فارس أبو مرة لتتابع أمام البحر حكايات النشيد، مع الليلة الثلثة للمهرجان وفرسان رائعين جدد لقصيدة النبض اللبناني العريق..