الأخضرُ الغامقُ يسألُ عنّا ؟
بقلم الكاتب : سمير الزين
-×-×-×-×-
… كانت أعمارنا بين ١٢ و١٤ سنة ..
حسين وحسيب ويوسف وأنا …
هيّأْنا ” الزواويد” في الليل الذي يسبق رحلتنا إلى الوادي ..
الزوادة من بيضٍ مسلوقٍ وبطاطا مسلوقة ، وخبز مرقوق ..
لم نَنَمْ كما يجب ..
قلقُ الفرحِ والعمر الفتيّ … سهّرنا ؟.
باكراً مشينا نحو الوادي ، نحو الروح التي تأتينا من الأعماق ..
نسرعُ، نبطئُ ، نقفزُ ، نصرخُ ، قاصدين طريق ” العقبة ” ..
طريق ” العقبة” ، ترابية منحدرة ،صعبة العبور …نحو وادي الحجير !
ساحرةٌ بأشجار السنديان..
السنديانُ أخضرٌ غامقٌ يرمقنا بعينيه ، يحضننا بأوراقهِ ، يحدثّنا عبر نسائمه وبلابله ،
التي تلامسنا بأجنحتها كي نغنّي معها :
“رايحين عا الوادي ، نِشْرَبْ ميّةِ النبعْ ،
رايحين عا النبع، عا بركة الميّ ،
يا هوا الوديان نسّمْ…
إشتقنا للشجر ، للعصافير ، للمطحنة ،للقرّة الحرّة ، وكوزْ الرمّانْ ” ..
الحبق البريّ ، التوت البريّ /
عم ّ فِيْقْ شويّ شويّ حدّ الميّ ..
وَيْنكم :
حسين ، حسيب ، يوسف ..
إنتظروني ..
عجّل سابقناك ..
أركضُ أنا القادمُ من المدينة إلى الوديان ..
ركضَ السلحفاة ..
أتمسكُ بجذوع الشجر كي لا أهوي في المنحدر ..
هم أترابي منذ حَبْيِهِمْ ومشيهم الأول ،
تدربّوا على النزول والطلوع من الضيعة إلى الوادي ..
وأنا أحاول أن أُجاريهم .. أقعْ .. أُداوي جروحي من الحصى .. لكني فرحٌ حتى أعلى الشجر ..
ما همنّي إن وقعتُ ، أو تدحرجتُ على طريق “العقبة”..
ما همنّي ..
همنّي ،
أنْ أصلَ إلى النبعِ وأرتمي في مائه..
جريحاً،
قتيلاً ،
فالماءُ كفيلٌ بإحيائي ،
ودعاءُ جدتي ،
ينتشلني ..
يحملني ،
..
فَرَشْنا ” الزواويد “..
قشّرْنا البيضَ والبطاطا ..
نَتَنَحْنَحُ ، نأكلُ ، نُهلّلُ ،
في الوادي قربَ النبع …
كالفتيان المغامرين …
في عيونهم تغريدُ العصافير ،
وفي بريقِ عيونهم سربٌ من الصبايا..
سربٌ من الصبابات ..
تحومُ على تخومِ النضوج الأول ،
في أجسادهم ،
في شهواتهم ،
في نزواتهم ،
مسربلين بالشفاه الخجولة ،
بخصلة الشَعْرِ التي تشتهي الشهوة الأولى ،
..بكليوباترا ..
بأفروديت..
بالجنيّات اللعوباتِ ، العاشقاتِ للملوكِ الأوائل ..
عاد الفتيانُ إلى وعيهم …
إلى روعتهم ..
عبرَ طريق العقبة ،
لا زوادة في أيدينا ،
لا ملامحَ … إلّا ملامح الوادي ..
لا ماءَ .. إلا ماء النبعِ ..
لا أسماءَ … إلّا أسماءنا والبلابل ..
وصلنا إلى الضيعةِ ، نردّدُ ترجيع الصدى ..
نوشوشُ الماءَ ،
نوسوسُ للنعناعِ …
لماذا السنديان .. هذا الأخضرُ الغامقُ
يسألُ عنّا ؟ ..