“جمانه سبلاني، وصدمة “الخريف
“قراءة في قصيدة “خمسون ربيعاً وتسع”
للصديقة جمانه سبلاني
بقلم : د. جوزاف الجميّل
-×-×-×-×-
ما أقساك أيها القدر
بهذه العبارة أنهت الأديبة جمانه سبلاني قصيدتها التي حملت عنوان” خمسون ربيعا وتسع”.
إنها صرخة الألم، واليأس، والعذاب.
ما الذي يقود الطفلة الكبيرة ، جمانة، إلى هذه السوداوية، في النظرة إلى الحياة?
تقرأ القصيدة فتظنّ نفسك أمام تشاؤم زهير بن أبي سلمى، أو يأس أبي العلاء المعري.
سوداوية يقودان الشاعرة الجمانة إلى الشكوى. وإن كانت الشكوى لغير الله مذله.
معجم القصيدة يطغى عليه الحزن والتشاؤم، كأننا أمام عجوز في نهاية التسعين من العمر.
تقول الشاعرة:
عجوزٌ أنا، بروحٍ خرِبة
فلا يغرُّكُم شبابيَ الزّائل …
كيف يمكن لامرأة في نهاية الخمسين من العمر، أن تحمل الصخرة السيزيفية على كاهلها، وترتقي نحو جلجلة البوح، في رثائية لا حصر لها، ولا رقيب.
ويتساءل القارئ: ما الذي دفع الشاعرة إلى هذه السوداوية؟ وهل يحق لها أن تصيب القارئ بالإحباطٕ؟
بين السوداوية والألم، يغيب قمر الصمت، بحثًا عن أيقونة النور الداخلي الذي حاولت هموم الحياة إطفاءه.
إنها صرخة روح مفعمة بالأسى حين تبصر آلام الآخرين، فينعكس الألم الخارجي على ذاتها المتشظية جراحات لا تشفيها مؤاساة.
قرأت قصيدة الصديقة سبلاني فتذكرت مقالة الشعرة البيضاء، في كتاب النظرات للأديب المصري مصطفى لطفي المنفلوطي. كيف رأى الكاتب المنفلوطي، في الشعرة البيضاء، اقتراب الموت. وهكذا، رأت الجمانة، برهافة إحساسها، أن تقدمها في العمر، هو تقدّم نحو انتهاء الحياة. ولعلها تحاول القول إن تقدمها في العمر بداية لنهاية الجمال. وهذا هو القلق الذي أرّق حياة الشاعرة، ودفعها إلى إطلاق صرخة استغاثة مدوّية.
جمانة سبلاني، أيها الطائر المهاجر، نحو المنفى المرصود، صرختك ليست غريبة عنا، نحن أبناء سيزيف، وبروميثيوس وزرقاء اليمامة. ينتظرنا الموت على منعطفات الحياة، ويفاجئنا، بلا استئذان، ولا علاقة للتقدّم في السن، بالخوف من الموت، أو من الرحيل، إلى الضفة الأخرى. فالحياة جسر عبور، والعمر ليس تعباً أو جلجلة لا علاقة لها بفداء، أو قيامة. وكم كنا نتمنّى أن تحمل إلينا الشاعرة أملا بالمستقبل، لأنها الرسالة الحقيقية للأديب، أن يمنح القارئ أملا بالمستقبل، ورجاء بالقيامة. رسالة الأديب أن يكون مشعلا، لا تطفئه أعاصير الواقع والحياة.
ولا نملك إلا أن نردّد قصيدة الشاعر إيليا أبي ماضي، يقول فيها:
أيّهذا الشّاكي وما بك داء/ كيف تغدو إذا غدوت عليلا؟
إنّ شرّ الجناة في الأرض نفس/ تتوقّى، قبل الرّحيل ، الرّحيلا
ونتساءل، في نهاية المطاف: أتكون حالة الشاعرة سبلاني استسلاما لسوداوية، قد يكون لها ما يسوّغها، أم أنها خدعة مسرحية تحاول استغلال الحزن الإنسانيّ، في نرجسيّته الإنسانية ..