سندبادة العصور في سفرها الأخير
(قراءة أولىٖ في قصة “السفر الأخير، الجزء الأول للأديبة جمانة سبلاني)
-×-×-×-×-
أنا بحاجة للسفر، ولكن أين عائلتي؟
جمانة سبلاني
السفر..بحر من الكلمات تتقاذفها أمواج الخواطر والآهات.
بحر تغوص فيه سندبادة البوح، الأديبة جمانة سبلاني. ولكن إلى أين؟
حلمها السفر. قلبها حرف باذخ وكلمات مبعثرة كما الأوهام، على صفحة يمّ مرصود.
أنا بحاجة للسفر، تقول الجمانة، درّة الوجد الولهان.
تبحث، وسط الأمواج المتلاطمة، عن عائلتها. وهل عائلتها إلا الكلمات، وأحلام اليقظة?
حلمها السفر/ الثورة. وهل تليق الثورة إلا ببحار عتيق يجيد الغوص على الدر، في أعماق المعاني التي لم تعد مطروحة على الطريق، كما يقول الجاحظ?
معاني الأديبة سبلاني مقرها مقلع من الأفكار، تنحتها الجمانة كي تولّد منها ألق العطر، وصحوة المطر.
إلى أين تبحر سندبادة القرن الحادي والعشرين؟
إبحار الجمانة وجهته واحدة: النفس الإنسانية، في عمق أعماق اللاوعي المرصود.
يبدأ اللاوعي في صفة السفر: الأخير.فنتساءل: أيكون السفر الأخير هو الموت أم هو رحلة إلى عالم جديد، تستقر فيه الأديبة، بعيدا عن ظلمات هذا العالم؟
تقول الكاتبة، في مقدمة قصتها:.”
“يُخَيّلُ إلَيّ أنّني أسمعُ صوتاً بعيداً بُعدَ الأزَل
حين أتمدّد على فِراشي”.
ثلاثة عناصر تفتتح بها القصة: التخيل والصوت البعيد والرقاد. وهذه العناصر من سمات الموت. ولكنه ليس الموت الطبيعي. إنه موت المرأة/ الواقع لتولَد الكاتبة/الحلم.
كتابة الصديقة جمانة إقلاع عكس الزمن. والزمن لديها زمانان: زمان مادي ترميه الكاتبة إلى يسار المركب، شبكة تبحث عن أسماك الدهشة.
وزمان نفسي يطول أو يقصر. والنفس البشرية أمّارة بالبوح اللاواعي الشهيد. في هذا الزمن العنيد.
يشهد القارئ هذيان الروح، في عمق تجلّياتها والإشراقات.
هذا الهذيان دليل ارتعاشة أمام المنفى الاختياري الذي أرادته الكاتبة طريقًا إلى مشتهاها الأزلي: الأمان. لذلك تطلق سؤالها المدوي، في نهاية الجزء الأول، من الرسالة/ الاستغاثة: أين أهلي؟
وأهل الكاتبة ليسوا من لحم ودم. إنهم القراء الذين يتفهمون خوف الكاتبة من الموت، بل مما هو أدهى من : الخوف من انتهاء لحظات الإبداع.
إن ثنائية السفر والأهل تكشف عمق المأساة، بين أزلية السفر/ الموت المحتّم على الپشر، والبحث الدائب عن الحقيقة/ الحضور، في فراش الموت/ الغياب..
السفر هو الكتابة. أما الأهل فهم القراء والنقاد وحاملو لواء الإعجاب بأدب خارج من النفس إليها، من أجل إشباع لحظة الهرب من النور إلى الظلال.
ماذا تريد الكاتبة أن تقول، في أرقى لحظات الكشف؟
ما هم. فالأديبة سبلاني هاجسها لحن مسافر منذ الأزل، في طريق العبور إلى الأبد. وپين البداية والنهاية لوحات وجدانية أشبه بلوحة تجريدية يرى فيها القارئ ذاته الصغرى، لا الموضوع.
أما تمني الموت فهو خدعة روائية تحاكي فيها الكاتبة طائر الفينيق الخارج من بين الرماد، في حلّته الجديدة.
جمانة سبلاني، عميق بحثك عن الذات، في لجّة الصراع، بين الموت والحياة. وأعمق منه اكتشافك أن رحلتك السندبادية لم تخرج من مرفأ الحياة، لأن مجاذيف الوعي قد تحطمت، وأي إبحار مصيره الهاوية، في أعماق الذات.
صديقتي جمانة، مرهق سفرك في لجّة الذكريات الخجولة. ولكنه الإرهاق اللذيذ، في نشوة الإبحار إلى جزر النسيان، حيث الكتابة فنّ سوريالي لا يدركه إلا العشاق وسندبادة العصور..
ياااا لي ويااااا للعمق الذي سبرت أغواره ودككت بقراءتك أسواره وجعلت ليله نهاره ..
ياااا لسعادتي وفخري وامتناني وشكري ووِدّي وتقديري لكم صديقي الدكتور جوزاف الجميل ..
محظوظة أنا بالرغم من السّوداويّة التي تحوم حولي ، محظوظة لأنك أخرجت لآلىء روحي وخباياها ، غصت عميقا وعدت بها ببهاءٍ يُنسي المرء رهبة الموت ذاته ..
أشكرك وأقول أنا مقصرة في شكرك ، مهما حاولت أن أنبش كلمات وتعابير ، أعلم علم اليقين أنها لن تفيك حقك ..
مودتي ومحبتي الأكيدة
صديقي العزيز 🌹🌹🌹