هل يلام الموتى على الغرق ؟!
بقلم : الكاتبة والاعلامية دلال قنديل ياغي
-×-×-×-×-×-
ما وراء البحر… بحر وموج وموت وربما نجاة على شكل موت تأتي مموهة بتمادي العذابات على شواطىء الضياع والحرمان.
يرقب المهاجرون ، وهم بالملايين حول العالم، حياة تعبر من امامهم ولا يلتقطونها.
تلتقيهم في الزوايا كيفما تلفت على رحابة المساحات .ليست معتمة ابداً الزوايا هنا، كل شيء مشرع للعموم. لا إعلام يخفي الصور ويُعمل فيها مقص المونتاج ولا بروباغندا تتسابق لتلميع صورة وزير هنا او مسؤول هناك.
تأتي الصورة كما تأتي بكامل بشاعاتها وفظاعاتها والاسئلة المقلقة التي تهز الاوروبيين هذه الايام.صورة المتدفقين الى الشواطىء تضاعف قلقهم المتمادي اصلاً. لا داعي للبحث عن سلالات الهجرة. مع إنعدام النمو السكاني تخففت نسبياً حزم القيود على المهاجرين بترتيب للدول وفق اولويات المصالح الاقتصادية والعلاقات السياسية، وإن كانت تتستر بقضايا إنسانية.
في آخر سلم الاولويات أصحاب الملامح الافريقية والشرق اوسطية. كثر رمتهم الهجرة العشوائية في مهب العوز وارتضوا العيش على الهامش. في وضح النهار. على ابواب محطات القطارات وداخلها يتنقلون سيراً بين ركابها بأيديهم الممدودة وعيونهم الذاهلة. عبارات الإستعطاف تخرج منهم بلا تفكير. يوفرون نطقها مرات بحمل تلك الاوراق التي تستجدي الرحمة. تعج بهم مراكز المدن السياحية، تجدهم على ابواب المطاعم، والسوبرماركات. تتدلى من شفاههم كلمات الإستغاثة. باتوا سبباً إضافياً لنزعة العنصرية اليمينية الآخذة بالتصاعد . والمستندة لأرقام مذهلة في صناديق إقتراع واقعية لا تُحمل من خلف الساتر في لحظة إنقطاع الكهرباء كما يحصل في بلادنا.
الغرب بمجتمعاته اليوم منقسم بشأن موقفه من حرب تدفع اوروبا الثمن الاغلى فيها، إذا ما إستبعدنا إحتمال إستخدام السلاح النووي الذي سيؤدي بالجميع الى الجحيم .
الغرب الذي نشهده يئن وإن بتفاوت عن بلاد الشرق . هنا الحريات لا تُمس، والدول لم تضمحل قدرتها على تحمل تبعات الازمات . ما زالت على ضعفها، قوية. وإن كانت تمضي للتعامل مع التضخم المتسارع بتعثر واضح.
لم يعدالغرب نعيماً لمضيفيه هو غريق ايضاً بأزماته.
بالأمس حدثتني جارتي وهي متقاعدة تعيش وحيدة في ضواحي إحدى المدن الإيطالية كيف تعمد لغسل ثيابها يدوياً تلافياً لتحريك سرعة عدادها الكهربائي.أما جاريّ فقد ارتفعت آلاف المكعبات من الحطب قرب داره إستباقاً لاسعارها التي يتوقع أن تتضاعف مطلع الشهر، مع جنوح لإعتمادها وسيلة تدفئة وطبخ بديلة عن الغاز.
افريقيا والشرق الاوسط يرميان بقايا حطام البشر على شواطىء الهروب الجماعي .
قلة محظوظة قد تصلها و”تنجو” من مافيات الهجرة والإتجار بالبشر.
الموت ما بعد الموت هو ما يعيشه المفجوعون بفقدان جزء من عائلاتهم على الطريق.كيف تستمر حيواتهم المتكئة على جرم حلم لم يتحقق؟.
الموت بعد الموت هو ما يشهده اللبنانيون من هجرة جماعية ، متضاعفة عاماً بعد عام منذ2019 وحتى اليوم. يُشبهها البعض بهجرة منتصف الخمسينات ، هجرة تُظهر الوجه الكالح لحكام جعلوا الموت سبيلاً لشريحة من شعوب الشرق كانت محسودة على رغد العيش وبحبوحته رغم ما جرفته الحروب المتنوعةالتي اخذت معها بين ما اخذت خيرة الادمغةوبقايا المؤسسات بعدما سرقت، ونهبت ،ودمرت كل ما كان عليه لبنان على مر الازمان.
حكام جعلوا الموت سبيلاً وحيداً متعدد الاشكال.قد يكون بحادث سير على طريق بلا إشارات وإنارة ، او بسكين سارق متفلت في وضح النهار أو…وما أكثر الموت التافه الذي يواجه اللبنانيين في كل دقيقة وأينما كان .
على باب المستشفى او محطة البنزين او امام البيت في الدكان.
ماذا ننتظر بعد هذا اليأس سوى التسليم بالموت او ركوب زورق موت تقوده أحلام زهرية.
الهجرة العشوائية ليست خياراً بل كابوس يحط مركبه بجثث أُُغرقت في البحر أو تمشي امامنا على عكازين بملامح بشرية… لكنها تكشف خلف المشهد القرش الذي إبتلع اليابسة والبحر ولم يُبقِ سوى على الذكرى المؤلمة المُرة.