التاريخ: 15/08/2022
المقال رقم: 52
تبحّرات البحار
بقلـم: رشـا بركــات– حكايــات رشـا (رايتـش)
-×-×-×-×-
بحر من علم وتعلّم حيث التبحّر فيه بحر…
بدأت حكايتي بالبحر وما أقصده هو البحر المعنوي وليس المادي ولكن بما أنني ابنة بحر يافا فسأختار مقدمة مقالتي التي لها مذاق الحكاية بأبيات شعرية من شاعر مدينتنا يافا ومنطقة بلاد الشام ، الشاعر موسى صايغ من ديوانه الشعري بعنوان وجدانيات متناثرة، إصدار دار فواصل في بيروت. فأجمع ما بين بحري يافا وبيروت.
يقول الشاعر بعنوان يافا والفارس الغائب:
“يافا تبحث عن غائبها!
عيناها تاهت شوقا إلى شيء آخر
غير القمر الساهر في الآفاق
غير الميجانا وأبو الزلف
وغير ليالي الصيف الحيّة
يافا أميرة تملك بحرا
يعانق أهل الشاطىء برقة المحبّين
ويجود بخيراته على الحبيبة الأبدية،،
والشاطىء يعطيها سحرا وجمالا
وميناء ،، وعشاق البحر،،
وفنارا أزليا يناجي الملّاح التائه
ويرحّب بالزائرين،،،
يافا تبحث عن أنامل عازف ماهر
يبعث الأوتار في أوتار مهمله
ويرنّم اللّحن القديم الدافىء
فيصحّي الضمائر،،،
ويرفع الغشاوة عن العيون
يافا تبحث عن حبيب غاب
أصبح بعيدا، وإن كان قريب
لكنّها تعلم أنه يسمع نداؤها،،،
وأنينها،، وشكواها
يسمعه في ظلمات القهر،،
من قلب الإعصار الداهم
من شكوى البيوت المهدومة،،
من ظلم متطفّل يجهل معنى الجمال
ويهدم التراث العريق البديع
لكنّ فارس أحلامك يا يافا
ترك العنان وترجّل
فارسك يا يافا بدا تائها،،
في خنادق برابرة العصر
داسته حوافر جحافل الظلمات،،
فارسك خانته أصحاب القصور والآبار
داست على كرامته تجّار البشر
جراحك دامية يا بلدي
وددت تضميد ولو بعضها…”
اخترت هذه الأبيات لما فيها من وصف لجراح وآلام أهل شعبنا وتعبير شفّاف لما نعانيه.
أما الكاتبة ريما سليمان فقد كتبت مقالة في مجلة الدراسات الفلسطينية لصيف 2018 عدد رقم 115، بعنوان “شعرية الوصل لدى محمود درويش”، وبما أننا في أيام ذكرى درويشنا الفذ المبدع والراحل الباقي، الذي شكّل لي شخصيا منذ طفولتي حالة من الوجد غير المفهوم، أحببت أن أختار الفقرة التالية من مقالتها والتي أعطتها رقم 1 بعنوان “مطار أثينا (1986): التفتّت واختبار الشك” فكتبت:
“كُتبت هذه القصيدة بعد أعوام من الإجتياح “الإسرائيلي” للبنان وخروج الفلسطينيين عن طريق البحر . شخوص القصيدة مقذوف بهم في مطار له سمات أوقيانوس. يوحّدهم انتظار افتراقهم المعلن، والمؤجّل من دون انقطاع. يسألهم موظفو الجمارك: “من أين جئتم؟” فيجيبون: “من البحر”. يسألونهم: “إلى أين تمضون؟” فيجيبون: “إلى البحر”. هذا الكلام المأساوي يعبّر عن حالة القلق العام، ويلخّص اختبار الشك. في تنافذ الأضداد حيث يتزامن الرحيل والوصول، ويختلط الخروج والدخول. وفي الواقع، فإنّ الفلسطيني يعالج مأساته بشيء من السخرية…”
تلك النبذة للكاتبة في تطرقها لشعر محمودنا، محمود درويش، وبوصفها مصطلح “ماساوي” تجعلني اذهب لخيار آخر بعنوان: “السياسات التربوية الإسرائيلية وحال التعليم العربي في إسرائيل” للكاتب خالد عرار من نفس المجلة والعدد، ولأن حكايتي أو مقالتي هدفها إيصال صرخة تربوية وتعليمية ودق ناقوس الخطر في هذه الناحية.
يقول الكاتب:
“لقد همّش جهاز التربية والتعليم العربي وأحكمت المراقبة عليه بشكل متواصل منذ قيام دولة إسرائيل، كما عانى جهاز التعليم العربي التمييز في تخصيص الموارد، وجودة البنية التحتية للمدارس، وعدد الغرف وساعات التدريس والإنماء. أما الرواية التاريخية والمميزات الثقافية للأقلية العربية الفلسطينية فلم تحظ باعتراف رسمي من طرف الدولة، وغيّبت ملامحها ومميزاتها من مناهج التدريس، كما جرى إقصاء القيادات التربوية العربية الفلسطينية عن دائرة اتخاذ القرارات وتحديد السياسات التربوية. وعلى الرغم من وجود جهاز التعليم العربي منذ قيام “إسرائيل” سنة 1948، فإنه ولمدة تزيد عن ثلاثين عاما، لم يصدر أي بيان رسمي يبيّن أهداف التعليم العربي ويوضحها وذلك من خلال شهادة أحد الطلاب العرب عن انعكاسات هذا الأمر انطلاقا من تجربته المدرسية:
كل ما نتعلّمه هو عن اليهود، نتعلّم عن بيالك والشاعرة اليهودية راحيل. لماذا يجب عليّ أن أدرس أشعارهم؟ لماذا لا أدرس في المدرسة شعر محمود درويش؟ لماذا لا أتعلّم عن إدوارد سعيد؟ لماذا لا يعلموننا عن فلاسفة عرب وشعراء فلسطينيين؟…أعلم أنني غير ضليع باللغة العربية لأنه في هذه الدولة عليك أن تتكلم اللغة العبرية بطلاقة حتى تنجح في تدبّر أمورك. أنا لا أعلم ما المشكلة في تدريسنا التاريخ الفلسطيني؟ أظن أن المشكلة نابعة من خوفهم من أن يزيد وعينا القومي تجاه هويتنا الفلسطينية.”
عندما قرأتُ هذه المقالة وكلام الطالب، شعرت أنني أريد أن أرد عليه بنفسي وأن أهزّ كتفه بيدي لكي يعلم أنه من الطبيعي أن يفعل الإحتلال، أي احتلال، فعلته تلك خاصة لأنه بدأ إنشاء “دولته” عبر الإختراق الثقافي للمجتمعات ومستعملا مصطلحات الإبادة والمحو , فتارة نجده يقول لدول العالم أن فلسطيننا كانت أرضا بلا شعب وتارة أخرى نجده يدّعي أنه هو الضحية. والسبيل الأقوى له كان عبر الاستعطاف والتركيز على الاختراق الثقافي والتربوي والتعليمي.
فماذا ننتظر من احتلال نسب البحر إليه
وادّعى أنّ السمك سمكهُ
والطعام طعامهُ
والهواء هواءه
والآثار آثاره
والسحاب سحابه…
فالمدارس حتما ستكون مدارسه وتعلّم أفكاره وتطمس على “أشيائنا”…
الصرخة هنا بحر ، أن يثور البحر ليصبح بحرا واحدا موحّدا فلا مجال لبحرين ولا أكثر ولا مجال لقصيدة دون نهاية تفوح منها رائحة الكرامة والشموخ…
لنتبحّر في بحار علومنا ولنقل لبحرنا هيا انتصر لقضاياك فلا تكن كالفارس الغائب لأنك يا بحرنا ، لنا…
اختيار رائع مبدعة دائما ربي يكرمك وتكحلي عيونك بشوفة يافا حرة