” انهمري مطراً من عشق ”
قصيدة للشاعر باسم عباس *
-×-×-×-×-
في شفتيكِ حَمامٌ يهدل، وسرير للنّرجس.
حين رأيتُكِ
أَحْسَسْتُ بأنَّ سماءً ثامنةً
تولَدُ في عينيّْ
وبأنّ جمالَ الدّنيا
قيثارٌ يعزفُ بين يَديّْ
***
وجهٌ تتماوجُ فيه
أسئلةُ الأزهارِ العطشى للأمطارْ
صوتٌ
إنّ مرَّ على شفةِ الليلِ
أَحالَ الليلَ نهارا
***
نظراتٌ
فيها التفّاحُ، الدرّاقُ،
التُّوتُ، العسلُ الجبليُّ،
نجومٌ تَسْكرُ منها الأنهارْ
***
كشراعٍ تأتين إلى بحري
والشاطئُ يُغْري
لكنْ لا يدري
يُقلقُني أنّكِ مرآةُ سماءٍ
ونجومٌ مُسْتَتِرَةْ
وإذا ما أفْلتَ نجمٌ
أنَّى لي أن أُمسكَهُ؟
لو جاء إليكِ الطيرُ
فهل يَرجعُ ممتلئاً عشقاً
أم يَرجعُ مقتولًا ذَبحتْهُ دهشتُهُ؟
***
وسمعْتُ بقايا مصباحٍ محترقٍ
يسألُ عنكِ ويصرخُ:
أين الأضواءْ؟!
أهدابُكِ قالَتْ:
سوف تجيءُ غداً
فحذارِ حذارِ الأنواءْ
***
أيموتُ الضوءُ الكامنُ في صدرِكْ؟
أتفرُّ من العمرِ الأيّامْ؟!
كلُّ دروبِ الحُبِّ
امتلأتْ أشواكاً، أشواقاً
ودمي يشهقُ
تلهثُ أجفاني
دلّيني كيف أنامْ؟
***
كلَّ مساءْ
أُصغي، أَسمعُ أنفاسَكِ
تحرقُ صدري
أَتنهَّدُ
أهمسُ
نهرٌ يتدفّقُ
أَنسجُ أشجاراً من إحساسي
أزرعُها قرب النهرِ
ندًى يورقُ
أَلْمحُ شلّالاً يَبْرقُ
من أنتِ؟
سمعْتُ صراخ الملحِ
على خدَّيكِ
خرجتُ إلى برّيّة روحِكِ
سَقْسَقَ فيها جدولُ آهاتْ
وخوابي عمري
يملأُها عطشُ السّنوات
ْ
***
سأفرُّ إلى قلمي
في المقهى تَسمعُني الأشجارُ
يُسامرُني عصفورٌ
أذهلَهُ أنّي أعشقُ
كرسيّاً، طاولةً، فنجانَ القهوةٍ،
كوبَ الشايٍ
وأعشقُ نافورةَ ماءٍ
تُشبهُ نافورةَ إحساسِ امرأةٍ
فيها أَعنابٌ ونخيلْ
فيها قصبٌ تشربُ منه النّاياتُ
لتعزفَ موسيقى النّيلْ
***
في المقهى
ساقيةٌ يتدفّقُ منها أَلَقٌ
أَرمقُهُ
أرتقُ أيامي بثوانيهِ
يأسرني أنّكِ ليلٌ
وأنا فيهِ
ونهارٌ مشتعلٌ
دمعي يُطفيهِ
**
*
هل أنتِ حديقةُ حبٍّ
تَعرفُ
أني أعزفُ؟
هل أنتِ سفينةُ عمرٍ
تسبحُ في جمرٍ؟!
هل أنت نجومٌ تسهرُ؟
أم فجرٌ ينعسُ في عينيه
حلمٌ يحملُني منكِ إليكِ
لتُولدَ أنغامٌ
منها يرتعشُ الحبرْ؟
في مرفأ عينيكِ
أُحدّقُ
أطوي تيّاراً من قلقٍ
وأَذوبُ أذوبُ
أموتُ لأحيا
أتعلّمُ كيف يكونُ الصبرْ!
***
في شفتيكِ حَمامٌ يهدلْ
وسريرٌ للنّرجسْ
وغصونٌ تتنفّسُ عاطفةً وحَنيناً
منتظراً في الليلِ
أُحدّقُ
أُصغي
أَسمعُ زقزقةَ الأشواقِ
جُنونَ رنينْ
وأراكِ على شفةِ الكلماتِ
تَحومينْ
حاضنةً أَحرفيَ الولْهى
وتُضيئينْ
***
أسئلةً حائرةً
عَلَّقْتُ على شَعْرِ
غيومٍ شاردةٍ
تتغلْغلُ في أوردتي
شَعْرُكِ فاجأني
بإجاباتٍ تزرعُ أنفاساً
في رِئتي
ْ
***
أَحفرُ في الكلماتِ عميقاً
كي أَزرعَ شتلةَ حبٍّ
قبلَ مجيءِ الموتْ
فانهمري في صدري وعُروقي
سأغوصُ أغوصُ
لأَسمعَ في قاعِ الرّوحِ
حفيفَ الصّوتْ
***
وطني أنتِ
سأطوي أَوجاعي
وأُنادي زنبقةً
لِتقصَّ عليَّ
حكايةَ عطرِكِ
وَهْوَ يلامسُ جِلْدي
وأَلُوذُ بهمسٍ من شفتيكِ
أَتوقُ إلى سنبلةٍ
تغدو حقلَ سنابلِ عشقٍ عندي
ويكادُ فمي يُصْبِحُ داليةً
تُعْصرُ في شفتيكِ
وتبقى دائمةَ التّسْكابْ
وأُجنُّ إذا شاهدَنا عصفورٌ
أو قرأتْ ما في أَعْيُنِنا
حبَّاتُ تراب
ْ
***
وعبَرْتُ جبالاً وسهولاً
أَطلقْتُ صهيلاً
ورأيتُ قطيعاً من غزلان ترقصُ
حدَّقْتُ
رأيتُ وجوهاً مطفأةً
ووجوهاً كقناديلَ مُعلّقةٍ
فَتّشْتُ
قرأتُ
سمعْتُ خيولاً
تقتحمُ الدربَ وتحرقُهُ
وشَمَمْتُ براعمَ شمسٍ
تتدلّى فوق الكتِفَيْن
وفتحْتُ ذراعَيَّ
لكي أستقبلَ وجهَكِ
ألْقيْتُ النُّونَ عليكِ
محاطاً بالألِفَيْن
***
تُنْبِئُني الأنهارُ
بأنّكِ آتيةٌ
من أوّلِ ينبوعٍ في الأرضِ
إلى روحي
وحدكِ قادرةٌ
أن تُنْهي آلامي وجروح
ي
***
في عتْمةِ هذا الزّمنِ القاسي
تَتسلّلُ ضِحكتُكِ النّهريَّةُ
تَدْخلُ صدري
تُرجعُ لي أنفاسي
طيري فوق حقولي
صيري غيْماً في عينِ سماءْ
ثمّ انْهمِري مطراً من عشقٍ
لا من ماءْ
***
يتثاءبُ بين أصابعي القلمُ
فيطلُّ شعاعٌ منكِ
ويمشي في عمقِ شراييني
فيطيرُ الألمُ
***
لحياتي مصباحاً ظَلّي
نهراً يتدفّقْ
موجاً يشهقْ
حتّى لو كنتِ
فراشةَ عمرٍ في الظِّلِّ
***
حين رأيتُكِ
أَحْسَسْتُ بأنّ سماءً ثامنةً
تولَدُ في عَينَيّْ
وبأنّ جَمالَ الدّنيا
قيثارٌ يعزفُ بين يديّْ.