رائحَةُ الجَنَّة …
صوتٌ جهوريٌّ نَهَرَني قائلاً : عليكِ أن تنتبهي أكثر في المرّة القادمة . قالها ، أدار ظهره ومَشى . رمَقتُهُ بنظرةٍ غير ذات معنى ، ثم دخلتُ على مهلٍ وأغلقتُ ورائي البابَ بهُدوئي المعهود …
نظرت إلى الباب . رأيتُهُ يُطأطئ رأسه كحصانٍ ينحني أمام فارسه بدعوةٍ لي للقِيام بجولةٍ من ركوب الخيل ، كأنّه يقول : لا تكترِثي ، إبقَي معي فأنا لكِ وأنتِ لي …
ثم رأيتُ الباب ينفرج فانتظرتُ لِأرى ماذا سيُسفِرُ عنه هذا الإنفراج . انتظار لحظاتٍ جعلني أشعر بعجزٍ أكبر . أحسستُ أنّني المرأة الطّاعنةُ التي لم تقوَ على رفع حاجبيها الشّائبين الّلذَينِ تدلَّيا على عينَيها الّلتَينِ كانتا بالكاد قادرتان على فكِّ رُموزِ الصُّوَر …
قلتُ : من أنتُم ؟ ماذا تُريدون؟
كانوا رجلين وامرأة في جلابيبَ بيضاءَ طويلةِِ . أومأوا لي بالقِيام والذَّهابِ معهم . خرجوا جميعاً وانطلقوا على عرَبَةٍ لم تلبث ان ارتفعَت بِنا في الفضاء …
همستُ بِعجزٍ شديد : أرجوكُم ، أعيدوني ، أنا لا أقوى على السّفرِ والتّرحال . أنا مُتعبَةٌ جداً . لكن لم يُجِبني أحد …
مَرَّ وقتٌ سريعٌ وأخيراً توقّفَتِ العرَبَةُ أمام منزِلٍ عتيقٍ ، ملامحُ جُدرانِه حزينةٌ كلَوحةٍ زيتِيَّةٍ عاثَ بها الزّمن وألبسها ثيابَهُ الرَّثَّةَ …
سمِعتُ كلاماً لم أفقه منه شيئاِّ . رأيتُني في المنعطف الأخير من حياتي ، لم أعُد قادِرَةً على استيعابِ شيءٍ من تُرَّهاتِ الدُّنيا . لكنّني شعرت بشعور غريب . أحسست بأنّني قد شمَمتُ رائحة أُمِّي …
هل يُعقَلُ أن يُدرِكَ الإنسانُ رائحة من يُحِب ؟
دقَّقَتُ ، مُحاوِلةً معرفة مصدر الرّائحة . سمِعت بضع همساتٍ تقول : ابنتي … تعالَي …
فجأةً تراءت لي أشجارُ الَّليمون ، زاهِيَةً نَضِرَة ،أُرجوحتي ، كُتُبي ، دفاتري ، وألواني . خيالاتُ أطفالٍ تروح وتجيء تحت إحدى تلك الأشجار .
ترَجَّلتُ من العربة ومشيتُ نحوَ الصَّوت ، نحو أُمِّي، ونِمتُ في ” ثُباتٍ” *جميل …
( بقلم : جمانة السبلاني )
- لم تستعمل الكاتبة عبارة السبات في النوم العميق وأرادت التعبير عن الثبات بمعنى النوم الدائم الأبدي .