التاريخ: 10/07/2022
مقالة رقم: 50/
مصاريــع الأنــا
بقلـم: رشـا بركــات– حكايــات رشـا (رايتـش)
“من داخل كلّ منّا، حتى أولئك الذين يبدون الأكثر هدوءا، رغبة متوحشة وغير قانونية…”
مقولة أفلاطون الحكيم ولكنه كاد أن يصبح “مصروعا”..
عاش أفلاطون في زمن ما قبل الميلاد حيث كانت ولادته سنة 428 ق.م. وتوفي سنة 348 ق.م. هو فيلسوف يوناني، كاتب وخطيب (بحسب زمانهم) ماهر ومن أحد تلاميذ سقراط.
كان لأفلاطون حياة لا تشبه حياة الآخرين. لكنه في رأيي، أخطأ كثيرا عندما ظن أن هناك دولة فاضلة ولربما كان مهووساً بها، لا أحد يعلم. فانتقل جنونه الإبداعي من مرحلة النهم بالمعرفة إلى مرحلة الوعي الحاضر والعين الثاقبة. لا شك بأننا نحلم بدولة فاضلة يا أفلاطون لكن…لن أقول لك أنك أضنيت نفسك من أجل سراب…لن أكون جاهلة في حكمي على الأمور وإنما…لا يمكننا أن نتناسى وجود “مصاريع الأنا” في حياتنا الذي غزا كل شيء، مصاريع الأنا في السياسة، الإجتماع، الأنسانيات كالطب وغيره، الدين، وحتى في عالم الثقافة. لا تقل لي يا أفلاطون أنك لم تشهد أي من الذين كانوا يسرقون أفكارك ويذهبون إلى أوكارهم مع أصحابهم لكي يسوقوا لأنفسهم ويبعدوك…عشاق المنافسة غير الصحية وهواة ال”أنا” بحمق وغباء. لا تقل لي يا أفلاطون أنك لم تواجه مجانين العظمة…فاليوم، نرى شخصا لا يملك حساً عاليا وإبداعاً حقيقيا وفكرا يُعطى كل ما يريد من ألقاب لأن أمه أو اباه مثلا كانا في هذا الإطار ولأنه لربما كان طالبا جيدا في دراسات كلاسيكية مع حسن التوجيه، لكن…في الحقيقة لا يملك الموهبة، الفكر الفذ، الإبداع…فهل بات أيضا مفهوم التثقيف والإبداع عادة وصيت اجتماعي ووراثة؟
كذلك، نرى فئات أخرى أصابها الجنون وظنت نفسها “آلهة” الوجود فصارت تسلك سلوكيات ال”مصاريع” بينما تظن بأن هذا “إبداع”.
المبدع يا أفلاطون هو من لا يخسر ذاته وهو الصابر على هؤلاء وهو من يعي المعنى ويحسن التنفيذ. أليس كذلك؟
إدراكك الفذ يا أفلاطون قد يشوقني ولكنه لن ينسيني أنك لست الإله. فأنت مجرد إنسان بائس في نهاية المطاف، رحلت كما رحل غيرك وتحللت أجسادهم في التراب.
ما يثبت إدراكك الفذ بعد تجربتك الثمينة والذي يلفتني، ما كتبته، التالي:
“التفوق ليس هبة، ولكنه مهارة تحتاج إلى التدريب. نحن لا نتصرف بشكل صحيح لأننا متفوقون، في الواقع، نحن نصل إلى التفوق من خلال التصرف على نحو صحيح”.
هذه مقولة مهمة جدا، تستند عليها مواد جامعية متنوعة اليوم وتدرّس. لمن يعلم عن أبعادها والفكر الذي تحمله.
لقد ولد أفلاطون ضمن عائلة “نبيلة”، أنا ضد استعمال هذا المصطلح ولكنه المصطلح القديم المستخدم في ذاك العصر، وتعلّم في مدينته أثينا اليونانية.
كانت موهبة أفلاطون منذ الصغر في الشعر والنثر والكتابات والفنون، وأثناء دراسته مع معلّمه سقراط، وجّه نفسه ووظف مكنوناته بعد أن ألهمه سقراط بأن ينخرط في علم الفلسفة والسياسة.
هذا البئر صار بركانا عندما التقى بسقراط، فشكرا لسقراط الذي كان الوسيلة في صناعة الله ل”أفلاطون”.
الأيام الجميلة لا تدم طويلا ولربما كما نقول: إن مع العسر يسرا أو لا تكرهوا شيئا عسى أن يكون خيرا لكم…فقد تم الحكم على سقراط بالموت، فكان الحكم كالصاعقة على أفلاطوننا، أفلاطون مما جعله يترك كل شيء وكل ما كان قد درسه في السابق ليغيّر من مساره الدراسي 180 درجة والمكان الذي ينتمي إليه حتى…فرحل إلى إيطاليا ودرس الرياضيات بعد أن كان في الفنون، ومن ثم ذهب إلى بلاد مختلفة ليدرس الفلسفة والدين ومنها مصر. كما تعلم علوما متنوعة كالجيولوجيا والهندسة…وبدأت رحلة أفلاطون الرائعة تنضج إلى أن عاد إلى وطنه بعد 12 سنة من الغربة وتحمل الصعاب فقام بتأسيس أكاديمية في قلب الوطن، وفي المدينة الأم، أثينا.
هذه الأكاديمية هي بذاتها مدرسة الأساس للحضارة الغربية.
إعدام سقراط جاءنا بولادة جديدة لأفلاطون…
“البداية هي أهم جزء في أي عمل”. هكذا أوصانا “المعلّم” أفلاطون فقد ترك لنا وصية لا تكاد تقل بأهميتها عن الوصايا العشر بنظري، وصية حكيمة اختمرت فيها سنوات من العلم والعمل والكد والتجارب المتراكمة مع الحياة بكل مضامينها من إجتماع وثقافات وسياسة واقتصاد ودين وفنون…فقال:
“خطّط جيّدا، وخذ قراراتك اعتماداً على دراسات واستشارات وتوجيهات من أصحاب الخبرة والتخصص. فليس المهم أن تحقق النجاح سريعا على أساس ركيك وإنما المهم هو أن تحقق نجاحات ثابتة قوية حتى لو كانت صغيرة. والرأي هو الوسيط ما بين المعرفة والجهل”.
وأنا يا أفلاطون ما يهمني كثيرا من عديد مقولاتك البنّاءة هو كيفية بناء الإنسان وعدم نزوله ليصبح في فخ “مصاريع الأنا” الذين نراهم كل يوم في مجتمعاتنا.
تهمني مقولتك الرائعة ب : “أن يتغلب الإنسان على نفسه، فذلك أول الإنتصارات وأكثرها نبلاً”.
هذه المقولة بالتحديد تشكل حجر الأساس عندي في كل شيء. أخاطبك الآن يا أفلاطون لا أناجيك. فأنا قد كنت قلت لك في السابق أنك لست الإله ولن تكونه. فإلهي هو من خلقني وخلقك ولكن…من هو إله “مصاريع الأنا” الذين اخترقوا هواءنا وسماءنا ومأكلنا ومشربنا؟ للأسف، هم يعتبرون أنفسهم آلهتنا…فأنا أعلنت فيهم الكفر.
لولا “مصاريع الأنا” لكانت مقولتك عن الدولة الفاضلة، حقيقة ….يؤسفني أنني لست مع مقولتك وأكرر هذا…
ف”مصاريع الأنا” يا أفلاطون سرقوا وطني وطردوا شعبي وقتلونا من الوريد إلى الوريد وفي المقابل “مصاريع الأنا” الآخرين لم يوقفوهم عند حدّهم، بل تضافرت جهودهم معهم وطبطبوا عليهم!
لن أخبرك عمّا يحصل أيضا في عالم الإقتصاد…ستنتحر، ستقرر موتك مرة أخرى…لن أبوح بجرحي وألمي عن نفاق السياسيين والإجتماعيين وكثير من ال”مفكرين” هكذا يسمون أنفسهم…أما شعراء البلاط …فهم أكثر مما تتصور.
نعيش حياة كلها ضجيج لكنها دون معنى…بينما دنياك كان فيها كثير من الضجيج ولكن أيضا كان يتجلى فيها المعنى…لا أعلم إن كانت المشكلة من العصور والأزمان….فأنا أيضا، كما ضد مقولة ال”دولة الفاضلة” كذلك أنا ضد تبرير فشلنا الإنساني بشماعة العصر والزمن لأن الإنسان هو العصر، هو الزمن…
ماذا أقول لك يا أفلاطون عن “مصاريع الأنا” أكثر، فها هي الحروب يقودها الجهّال عشاق العظمة والنرجسية الظلماء ومن جنون إلى جنون حياتنا كلها عبارة عن”مصاريع الأنا”….
المقاله اكثر من رائعه رشا يا رائعة الفكر والاحساس دمت برتقاله يافيه يانعه ،،يا جميلة الوجه زالروح