قبّلت رنا جدّتها وودّعتها للذّهاب إلى المدرسة . غادرت البيت وسارت بخطًى هادئة على طريق المستقبل ، على يديها رزمة أيّام وسنوات ، وفي عينيها بريق تحار في هويّته . قطعت الشّارع الطويل وقطرات الماء تنسكب من هدب الغمام ، في حين راحت الرّياح تعبث بخصلات شعرها المنسدل بخجل مدرسيّ . أسرعت الخطى هاربة من بلل أكيد ، وما هي إلّا دقاىق حتّى دخلت بوّابة المدرسة .
في ركن منفرد من الملعب شلّة من الأصدقاء تتحدّث ، ما إن رأتهم حتّى هرعت إليهم مبتسمة . حيّتهم ببساطة ورقّة . قالت : صباح الخير . فردّ الجميع بصوت واحد : صباح النّور .
_ كيف الاستعداد لمسابقة اليوم ؟ ( سألت باهتمام ) .
أجابت رائدة ، صديقتها منذ سنوات : أنا لا أحبّ التّاريخ ، وأجد صعوبة في حفظه . وأنتِ رنا هل درستِ جيّدا ؟
_ ليس تمامًا . جدّتي مريضة وقد سهرت عليها .
_ في هذه الحالة ( أجابت رائدة ضاحكة ) لا مفرّ لي من الصّفر ، وقد تتساقط الثلوج في فضاء نفسي .
أجابت ريما ، وهي إحدى الزّميلات والصّديقات : إنّه الشّتاء على ما أظنّ .
ضحك الجميع بعمق وبراءة ولم يعودوا إلى الرّصانة إلّا على صوت الجرس معلنًا وقت الدّخول .
اصطفّ التّلاميذ وخيّم الهدوء على الملعب . وفي خلال لحظات سارت مواكب الأجيال الجديدة بتآلف متسلّقة أدراج الحياة ، في بيئة عطاء للزّمن الآتي . دخل كلّْ إلى صفّه وجلس بهدوء . وفي الغرفة الشّماليّة ، المطلّة على حديقة المدرسة ، جلس تلاميذ صفّ الفلسفة ينتظرون أستاذ التّاريخ . كانوا يتساءلون ويرجّحون بعض الأسئلة عندما دخل الأستاذ نادر وألقى التّحيّة معلنا بدء السّاعة.
بدأ بكتابة الأسئلة على اللوح ، فراحت الأعين تتسابق على طرقات الأحرف المتعرّجة . كادت الأصوات تعلو محتجّة لولا أنّ الأستاذ قد أعاد الهدوء بذكاء ولطف يميّزان شخصه .
أكبّ التّلاميذ على الإجابة غير آملين بمساعدة من هنا ، أو بوحي من هناك ، فمرّت الدّقائق السّتّون دون أن تصادف دمعة تأسّف على رحيلها .
رنّ الجرس معلنًا انتهاء السّاعة ، فراح الأستاذ نادر ينتزع الأوراق من أيدي التّلاميذ الّذين أبدوا استياء كئيبًا ، ثمّ أعلنوا ، وبعد مغادرة أستاذهم ، الحرب على التّاريخ بموجب اتّفاقيّة هجوم مشترك تضمّ دويلات صفّ الفلسفة .
اين نجدها