لم أكُن أعرف إسم عائلتي ولا أهل بلدتي .
لم أعلم أن الأقدار كما الحياة ، تلعبُ لُعبتها ، تُلبِسُني لِباس الخوف ،
الخوف من أن لا أكون جميلة بما يكفي . أن لا أُعجِبَ أحداً . أن لا أُعجِبُه . أن تكونَ الأُخرياتُ في غاية الجمال أو أذكى كي يَراهُنَّ ولا يراني .
كنت أعلم فقط أنّني لا أملك شيئاً وأملك كُلَّ شيء .
مُخَيِّلَتي …
مخَيِّلَتي المُزدحمة التي تحفُر في واقِعي وتملؤه قصصاً دائماً يموت فيها الأبطال .
مُخَيِّلَتي التي تُبالِغُ دائماً في إظهارِ القُوَّة . تُقاتِلُني وهي تتصَوَّر أنّها ستنتصر عليّ ،
لكنّني أهزمها دائماً فهي ليست واقعاً ، بل مجرّد مُخَيِّلة …
ذات يوم ،
راح صَوتُ السُّكونِ يتردّد ويَجوبُ الفناء والغُرَف الفارغة والمُدُن الورديّة كليلةٍ من ليالي العُمرِ المَنسِيّة …
حفيفُ أوراق ، صفيرُ رِياح ، سماءٌ خريفية تكادُ تختفي حُلِيُّها ، لا نُجومَ ولا لآليء فيها …
سِرتُ وَحدي وصَمتي و سُكوني نتبادَلُ أحاديثَ العُيون . تارةً نبتسِم وتارةً نعقد الحاجِبَين .
كان ليلاً طويلاً طويلاااااااا …
بحثت فيه عن صوتٍ ، عن صدىً وسطَ سُكونيَ العَفِن وأكوام العَتم الذي امتَدَّ إلى روحي …
حُمتُ حَولَ نفسي كذُبابَةٍ جائعة .
رفرفتُ بجَناحَيَّ كفراشَةٍ تتعلَّمُ الطَّيران ، تخرُجُ إلى النّورِ لأوّلَ مرّة …
دَنَت مِنّي المَسافات ، فرأيتُ خيالاتٍ تسبحُ معي في فضائيَ الشّاسِع .
وجدتُني كما أنا ، كما أردت أن أكون :
الأجمل ، الأذكى ، الأكثر تحليقاً ، الأسرع بين السّابحين …
كنتُ ألمَعُ بينهم كإبرةٍ فضِيَّةٍ تحت عينِ الشَّمس .
علمتُ أنَّهُ سَيَراني ، حتماً سَيَراني …
مشهدٌ فَوقَ ظُنونِ البَشَر ،
أبعد من حُدودِ السّماء ومن مَرمى الخَيال …
( بقلم : جمانة السبلاني )
موقعٌ جميلٌ و راقٍ جداً . ألف شكر للقَيِّمين عليه لذائقتهم الأدبية الرّاقية ولعملِهم الدَّؤوب لرِفعة الكلمة واالحرف الجميل …
جمانة السبلاني
احسنت السرد، وبداية الكلمات تجذبنا لقراءة اخر حرف.
دمتي بكل الخير
كلام رائع وجميل يعكس حقبة من مسيرة حياة الشاعرة جمانة التي حفلت بالعطاء الفكري