نشرت مجلة الأمن في بيروت تحقيقا للزميلة الشاعرة والكاتبة ميشلين مبارك حول المكتبة الشرقية في بيروت .. وجاء في التحقيق :
المكتبة الشرقيّة ذاكرة حيّة في بيروت
بقلم : ميشلين مبارك
وأنت تجول في الجامعة اليسوعية في بيروت، يطالعك تاريخ عريق من الكتب والوثائق، من الصور والمخطوطات، تاريخ ينطق بكل اللغات ويبوح بالحضارات الشرقية فتعرف أنكَ في المكتبة الشرقية التابعة للجامعة.
زيارة “الامن”، كانت لمناسبة إعادة إفتتاح المكتبة من جديد بعد ترميمها من جراء الاضرار الكبيرة التي لحقت بها بعد إنفجار 4 آب. وقد استقبلتنا مديرتها السيدة ميشلين بيطار بهدوئها ولطافتها، وكان معها حوار تحدثت في مستهله عن تاريخ هذه المكتبة العريقة فقالت:
“بدأ الآباء اليسوعيون وتلاميذهم بتجميع الكتب عندما كانوا في مدرسة غزير الاكليريكيّة قبل العام 1875 تاريخ إنشاء جامعة القديس يوسف في بيروت واستمر منذ ذالك الحين. بداية، تركزت الكتب على اللاهوت والادب العربي، ومع الوقت كبرت المكتبة وتنوعت الكتب، فانتقلت من غزير الى مبنى مخصص لها في بيروت (الاشرفيه) في العام 1937، وقد أطلق الاب اليسوعي المستشرق لويس شيخو عليها إسم “المكتبة الشرقية”، حتى أصبحت تضمّ اليوم كتبًا حول التاريخ، الجغرافيا، الدراسات الإسلامية، علم الآثار، الفلسفة، الالسنية …وبأكثر من ثماني لغات…وساهمت الأسفار التي قام بها الاب شيخو إلى جميع أصقاء الارض والكتب والمخطوطات التي جلبها معه ساهمت في إغنائها”.
وعمّا تختزنه المكتبة اليوم من قيمة ثقافية، قالت السيدة بيطار: “تحتوي المكتبة على أكثر من 225 ألف كتاب إضافة إلى مجموعة كبيرة من المخطوطات لاسيّما في اللغتين العربية والسريانية، ومنها ما كُتب باللغة الفارسية، والقبطية والأرمنية، والتركية واليونانية، كلّها تُقدر بحوالي 3700 مخطوطة شرقيّة إضافة إلى الخرائط الجغرافية، والالآف من الصور الفوتوغرافية”.
يبقى القول أنّ المكتبة الشرقيّة التي أدرجتها منظمة الاونيسكو ضمن لائحة الابنية التراثية الاثرية، هي الذاكرة الحيّة لتاريخنا المشرقي، وبالتالي مسؤولية كل قارئ أو باحث أو محب للمعرفة أن يعزز انتشارها من أجل أن تستمر في لعب دورها المهم هذا. كيف؟
هذا السؤال تجيب عنه السيدة بيطار بالقول: ” أبواب المكتبة مفتوحة للجميع من دون إستثناء. هناك إشتراك رمزي لكلّ باحث أو طالب أو من يريد الإطلاع على كتاب محدد يعود إلى القرن الخامس عشر على سبيل المثال وموجود في المكتبة الشرقية. هذه الاشتراكات وإن كانت زهيدة تساهم في تمويل مصاريف المكتبة”. وتضيف مديرة المكتبة بأنّنا “نستقبل أشخاص يأتون خصيصاً من العراق أو البرازيل أو فرنسا لرؤية مخطوطة معينة أو إلإطلاع على خريطة قديمة تفيدهم في بحثهم، وهذا يتم عبر تقديم طلب لإخذ الإذن بهدف إستعمال صورة المخطوط مثلا”.
وربما نتساءل عن ماهية دور الكتاب الورقي في ظل العصر الالكتروني؟
فتجيب مديرة المكتبة بأنّ” “أكثر من نصف الكتب الموجودة حوّلناها إلى طبعة إلكترونية، لمعرفة المزيد يمكن الإطلاع على عنواننا الإلكتروني www.bo.usj.edu.lb إنما لا غنى عن الورقي أبداً.
قسم المخطوطات:
تستمر الجولة في هذا الإرث الثقافي، من القاعة العامة، الى المسرح، فقسم المخطوطات الذي حدثنا المسؤول عنه كرم الحويك قائلا: إنّ أقدم مخطوط يعود الى القرن التاسع ميلادي وهو عبارة عن نسخة قديمة من الإنجيل المقدس. إضافة إلى أول ترجمة للقرآن الكريم باللغة الفرنسية تعود الى العام 1647 وهي من النسخ النادرة. نستفسر من السيد كرم كيف تتم المحافظة على هذا الإرث الثمين؟ فيقول:
” بعد العام 2000 عندما انتقلت إدارة المكتبة إلى جامعة القديس يوسف، تمّ إستحداث نظام جديد وتطويره لاحقاً على مراحل بهدف المحافظة على المخطوطات من الرطوبة. من دون أن ننسى العمل الذي كان وما زال جارياً على تعليبها وفهرستها إلكترونيًا”. يضيف: “لدينا مجموعة كبيرة من الخرائط المهمة والنادرة في العالم، إضافة إلى مجموعة من الصحف العربية والأعداد الأولى لأبرزها مثل البشير، لسان الحال، النهار…”.
قسم الصور الفوتوغرافية:
ننتقل الى قسم الصور الفوتوغرافية مع المسؤول عنه ليفون نورديغيان الذي أخبرنا أنّ هناك أكثر من 250 ألف صورة عن البلدان الشرقية القديمة لاسيما لبنان، سوريا وفلسطين، ناهيك عن 100 ألف صورة مقدمة من المصور الشهير فاروجيان، وموضوعة في براد خاص. أمّا البهو الداخلي لهذه الذاكرة فتستوقفنا صورة قديمة لنهر الكلب، فيخبرنا السيد نورديغيان بأنّها تعود إلى العام 1902 تقريبًا وفيها يظهر بوضوح خط ترامواي بيروت القديم. المكتبة الشرقية في بيروت هو إرث جدير بالافتخار وثروة ثقافية نادرة وذاكرة مشرقية.