يينشر موقع ” ميزان الزمان ” الأدبي في بيروت نص كلمة رئيس منتدى ” لقاء ” الدكتور عماد يونس فغالي في تقديم كتاب ” أكتبني .. حين أحببتني ” للمؤلفة والشاعرة الدكتورة سحر حيدر والذي صدر حديثا عن منشورات منتدى شاعر الكورة الخضراء الثقافي .. وهنا النص :
“حين”… كلّ تفاعلٍ!!
تدعوكَ سحر حيدر عبر صفحاتها إلى رحلةٍ في مخزونها الإنسانيّ الدسم المعيار في اعتباراتها الأنثويّة الواجعة. تعود بي إلى قولةٍ للشاعر الفرنسيّ يهتف: “الإنسان متعلّمٌ، الألم مدرستُه. لا يعرف نفسه إن لم يعانِ”! كأنّي بصاحبة الكتاب تدوّن اختباراتها الشخصيّة بمباشرةٍ أحيانًا كثيرة، وبشخصيّات الضميرِ الغائب هو وهي أحيانًا أخرى!
كتبت بوعي العارفة، القابلة في مكانات الواقعَ العاجف، والرافضة شبهَ دائمًا ظلمًا عاينته على امتدادِ مروراتها… لكنّها في الحالات كلّها تمرّستْ في شخصها امرأةً برتبةِ إنسان!
د. سحر، كتبتِ الحبَّ دفقًا من قلبكِ. لكنْ كتبتِه في ضفّتيه: السعيدة وفي العذاب. تمتّعتِ بالحبّ عذريًّا قدسيًّا، عيشَ حتى الثمالة بين فريقيه… كمن أنتِ أحدهما. وتكلّمتِ على ما قاساه الحبيب من جهةٍ واحدة في فقد جناحه الآخر أو سقوطه. فتجرّع خسارته مراراتٍ مذيبة. دعيني أجرؤ على قولةٍ من قناعتي: حتى في علقم تجرّعاتكِ، كان الحبّ ولا يزال، حلاوةَ شخصكِ الإنسان!
تقارب سحر حيدر الموت في وجهين. الأوّل هو عنصرٌ من حقل الألم المعجميّ. الألم يولّد الموت من جهة، ومن جهةٍ أخرى هو انعتاقٌ منه. لكنّ الموتَ أيضًا في مفهومها، لقاءٌ بالذين ارتحلوا عنّا ونفتقدهم، نشتاقهم. بذا يصبح الموتُ مرغوبًا “اليوم لا أخشاك، بل أتلهّف إلى فتح الباب، لأنّي بتّ أفتقد من أحبّ، أشتاق الرحيل معك إليهم…”
مقاربتها الموت في أوجهه هذه، تُعيدني إلى مقولةٍ فيه: “الموتُ من أغراض الحياة”، بل تخاطبه كشخصٍ تتفاعلُ معه فترجو تجاوبه…
“أكتبُني” قلتِ. فعلٌ مضارعٌ زمانه الآن، كلّ آنٍ يتشكّل في كلّ قراءة، كأنّما تأتين الكتابةَ في جهوزيّةٍ عند قراءةِ محدّثكِ… “أكتبُني”، فعلٌ فاعلُه والمفعولُ به أنتِ… جمعتِ في شخصكِ المستترَ والمتّصل، ضميرين يشيران إليكِ في حالةٍ تتجسّدينها تعريفًا عنوانًا: حين تكتبين. هذه “حين”، مفرقٌ مستديرٌ يؤدّي إلى تفاعلٍ مع اختلاف. كلّ الكتابةِ فاعلاً ومفعولاً به، آتيها حين “أحببتَني”! حوّلت فعلَ الديمومة إلى وقتٍ محدود، محدّد، مرتبطٌ بفعلِ “حبّكَ”، ليأخذَ هذا الأخيرُ تحريرَه من المحدوديّة الزمنيّة في سرديّة الفعل الماضي إلى استدامة الحالة – الحبّ. “حبّكَ” المحدّد كأنْ في وقتٍ، يستمرّ في “أكتبُني” ويبقى على الزمن! “حين” تلك، خرجت من مفهومها الشرطيّ هنا إلى أداةٍ تفاعليّة بين فعلَي العنوان وزمنيهما، عمقًا دلاليًّا ينقلُ القارئ إلى قلبِ المؤلِّفة، كأنّما أتى المضمون النصّي من ومضةِ العنوان!
تعرّف د. سحر نصوصَ مؤلَّفها بالومضات. ربّما في نفسِها لكلّ نصٍّ فيضٌ من تفاصيل، تُطبق على قلبها… لكنّي هنا أمام وفرٍ في الكتابة، يقولُ كمًّا من موضوعات، تميلُ أحيانًا إلى تذمّرٍ مبطّن من سوء مسلكٍ وتعاطيات… نصوصٌ تعتمد النمط السرديّ الغالب على السياق. مؤشّراته محدَّدة من دون وضوح… ما يفتحُ على افتراضاتٍ كثيرة وتأويلاتٍ مختلفة… لكنّ السرديّ مطعّمٌ بالإيعازي الذي يمرّ بانسيابيّة فلا تشعر بالانتقال إليه من دون انتباهٍ مركّز! طبعًا لا تخلو الحبكةُ النصيّة من حوار، ما يجعلكَ تتبيّن نفس الكاتبة الشفيف، التي تضنّ بمعتقداتها الإنسانيّة فتقدّمها بنقيّ بَوحٍ غيرَ آبهةٍ بتداعيات!
دكتورتي سحر، ومضاتُكِ لوحاتٌ، مشهديّاتٌ هي في ألوانٍ غالبُها قاتم، على دفءٍ حميم. قارئها يتمتّع إنْ يسِرْ إلى عمقكِ… تنكشفي له في بَوحٍ، في جمال. قد يُطرحُ سؤال: ما مرسلةُ الكتاب؟ أعتقدُ مؤمنًا أنّها أنتِ، إشكاليّةٌ إنسانيّة في أبعادها القصوى، لكن السميا وحسبُكِ!
من له عينان قارئتان، فليعِ!!