تدمير الدولة
كل شيء في لبنان، يشف عن خطة ممنهجة ل”تدمير الدولة”. ليس الشعب بخير، ما دام يهجس بالرغيف والماء والكهرباء. وكذلك بالقسط التعليمي، وبالطبابة والدواء. ليست الإنتخابات بخير، مادام الخطاب الإنتخابي، لا يزال هو هو، منذ تأسيس الكيان: التخوين والعمالة، في مقابل دفع التخوين والعمالة. ليس في المستقبل، ما يبشر بالخير، لأن الجميع، من أصغر مسؤول، إلى أكبر مسؤول، يتحدث عن “العتمة الشاملة”. ليست الثروة المائية بخير، ما دامت مصلحة المياه، تتحدث عن تلوث الأنهار وتتحدث عن تلوث الينابيع، وتتحدث عن تلوث المزروعات، من أقصى الشمال، إلى أقصى الجنوب، ومن ساحل البحر حتى أعماق الداخل، بلا إستثناء.
ليست الثروة الحرجية بخير، ما دامت الحرائق المفتعلة، تهددها. وما دام العمران العشوائي، يلتهم المساحات الخضراء، ويعتدي على حرمة الجبل والشاطئ والطرق العامة وضفاف الأنهار.
ليس الأمن الغذائي بخير، ما دامت المواد الغذائية، تهرب تهريبا، من المرافئ غير الشرعية، ومن المعابر غير الشرعية، ومن الحدود نصف المغلقة، أمام لصوص التهريب، ولصوص الأسواق. وأمام المافيات ذات الإختصاص، بالتزوير، من تاريخ الفاتورة، حتى “تصنيع العلبة”، وتزوير الماركات والأختام وتاريخ التوضيب.
ليست الوزارات ولا الإدارات ولا التوظيف، كل التوظيف بخير، مادام يخضع للمحاصصة وللمحسوبيات، إبتداء من الناطور ومأمور الأحراش، حتى الوزير والمدير والأستاذ والعميد والرئيس.
ليست البلاد بخير، مادامت طلبات الهجرة تزداد يوما بعد يوم. ما دامت حملات الهجرة، تلقم لحوم اللبنانيين، أطفالا ونساء وشبابا وشيوخا، طعاما للأسماك وللحيتان ولأمواج البحر. وكذلك لقيعان البحر.
ليس الأمن الإجتماعي بخير، مادامنا نسمع كل يوم عن الجرائم المروعة: شنقا وقتلا وحرقا وإنتحارا. ما دمنا نسمع عن إنتشار لصوص الأسلاك المعدنية . وعن إنتشار مافيات سرقات السيارات. وكذلك عن ظاهرة خطف الناس من بيوتهم. من ساحاتهم. من حقولهم. من مزارعهم. من أمام حوانيتهم، والمجاهرة، بطلب الفدية المالية، حتى يتم إطلاق سراحهم.
ليس الوطن بخير. مادمت الطابع الأميري مخطوفا في السوق السوداء. وما دام جواز السفر، مخطوفا في السوق السوداء. وما دامت أوراق المعاملات مخطوفة لدى سماسرتها، في الأقبية خلف الإدارات والمراكز. وخلف المصالح والوزارات.
إخراجات القيد مخطوفة. السجل العدلي مخطوف. الأوراق الثبوتية مخطوفة. الراتب مخطوف. العملة الورقية مخطوفة. والشيكات البنكية، كما “الكارت المصرفي”، بكل أسف، إلى سلال المهملات.
دعنا من الحديث عن العدو الخارجي. هات حدثنا عما تفعله الدولة لأبنائها، للحفاظ عليهم من عدو الوطن والوطنية في الداخل اللبناني. بل من عديم الشرف والوطنية، في سلب الناس ما تبقى لهم “ملاليم” الرواتب الشهرية.
تعالوا لنسلم جدلا، بأن الودائع المصرفية، ذهبت إلى غير رجعة. ولكن: حدثونا عن ضياع الراتب الشهري، وعن طريقة السطو عليه، ب”الليميت المصرفي”. وعن طريقة الدفع في أول الشهر أم في منتصف الشهر. حدثونا: عن أن الراتب موجود، ولكن دفع الراتب “صفر”، بكل عين وقحة، عند شبابيك الصناديق. لا البطاقة المصرفية، قابلة للصرف، ولا الأوراق النقدية موجودة: لا دولارا، ولا ليرة لبنانية. وأما سماسرة المصارف. لا دولرة. ولا ليلرة. فهم يشتغلون بكل حرية خلف الشبابك وخلف أوقات الدوام الرسمي.
“تدمير الدولة” اليوم، على هذة الشاكلة. وبمثل هذا الأسلوب الجهنمي، إنما هو أعظم من تدمير الدولة والوطن، على الطريقة الروسية – الأوكرانية.
وقديما صاح رجل المسرح دريد لحام من أعماقه: “كاسك يا وطن”. وأما شوشو، رجل المسرح البلدي، فكان يصدح في أعماق الليل: “آخ يا بلدنا!”.
قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية.