لعنة الشرق (١٦)
هجرة الموت
بقلم هدى غازي
بعد أن ترصد الفقر احتضار الوطن وأرخى أثقاله على كواهل الصابرين الذين اشتروا الرحيل بأفواه أنهكتها الشكوى وسواعد عجزت عن صد صفعات القهر وطعنات الظلم
استسلم من تملكهم الخزي ولم يفقهوا وعود الإنتظار ولم يؤمنوا بالنهايات السعيدة في أرض هضم حكامها حقوق الأنام
وجاهدوا رغم غيظ قلوبهم عتمة المصير لكن عندما حبطت مساعيهم شقوا عباب البحر وهاجروا في سبيل الكرامة ولقمة العيش ،
لم يعلموا بأن الموت يتربص على بعد أميال ولم يشعروا بأن لعنة البؤس سترافقهم إن ولّوا مدبرين وأن السكينة التي طاردوها لن يعانقوها الا في دار البقاء ،
بالباطل والحرمان وبلهيب النيران تكوى الأرواح في لبنان وكلما بشّرنا بنسائم الفرج اقتنصوا روافدها واكتنزوا سبائكها واعادوا رصفنا على أبواب جهنم ،
أحلّوا الطيبات لبطونهم وحرموا على الشعب حتى الفتات وأمروهم بالثبات
أهلكوا عزيزي النفوس وأخرجوهم عن إيمانهم بقيامة الوطن حتى باتت الهجرة حلم التمني وشعلة الخلاص لانبعاث جديد ،
مكرهون سقطوا في شباك الحيرة فتوكلوا على وجهة الشقاء وزوارق الفناء
أما بحر الخلاص فلم يعد أليفًا كما عهدوه فقد اتاهم بضالين مغضوب عليهم ظلموهم وظلموا أنفسهم فلم يدركوا الفوز العظيم
رجعوا إلى شواطىء الضيم فاقدين ومعذبين ،
في وطني جنات عدن ليست للطيبين بل أعدت للمنافقين الذين عاثوا في الارض فسادا واستفردوا بأموال المكافحين
في وطني تزهق الأرواح وتطمر الحقائق وتنكّس الأعلام كي تطفىء الحرائق ،
اعتنقوا الضلالة وافتروا على الناس وحجبوا الرزق عن العباد بطغيانهم وتجبرهم والله بما فعلوا خبير بصير،
خطاياهم دنست العيش وأضعفت القوى فأصبح العسر داءً وسقماً يتسرب من جدران البيوت حتى وجد أصحابها في الموت ملاذا أرحم من العوز ونقمة البلاء ،
الازدراء والضرر عطايا الحكام للبشر ومن رحل مرغما وتسلق قوارب الموت للنجاة من جحيم البطالة والاستبداد استهل وصيته الأخيرة بلعنتهم وستبقى تلك الاجساد الطاهرة التي اذاب الملح معالمها تجوب الكون وتناجي الانسانية دون حاجتها إلى تأشيرة سفر للعبور ،
أقول لمن أغناهم الله والناس من حولهم جياع
اعتذروا من الله لانه سيرى عملكم وسيكشف فسقكم ويوم الحشر لن تدركوا دائرة الرحمة ولن تنفعكم اموالكم المكدسة فوق جثث الأبرياء .
ولعل ما تبقى لنا في طيات هذه الحياة يجعل أوطاننا تتسع لأحلامنا فنختم صحائفنا بصلاح الحال وراحة البال .
