خاص – موقع ” ميزان الزمان ” الأدبي :
كتب د. قاسم قاسم حوارا مع الكاتب والشاعر نعيم تلحوق مستوحى من نصوص كتابه ” أرض الزئبق ” الذي صدر حديثا عن دار فواصل في بيروت وذلك في تناص حواري يتناول فكر وفلسفة الكاتب نعيم تلحوق وفق الكتاب الذي غاص في بحار صفحاته الدكتور قاسم ليناقشه وفق رؤيته وقراءته للكتاب .
هنا نص الحوار :
نعيم تلحوق
لن ندعك تصرخ لوحدك، لقد جعلتنا نقف امام المرآة، ونردد قول سقراط-اعرف نفسك بنفسك-.
عندما قرأت كتابك ارض الزئبق، احسست انك تجلد نفسك وتجلدنا ، تحت وطأة المعاني المفاهيم،ايها المثقف، لماذا يلاحقك منذ طفولتك هذا السؤال:
ق: لماذا يجب ان اكون على هذه البقعة الاخرى من الارض ؟ هل وجدت الجواب؟
ن: نعم وجدته في قلب أمرآة ،قلب غفور، مسامح، كريم، لا يذهب معي باسئلةبعيدة… احتاج شعر انثى تخالط مهجتي في سبيل النهار، وتخبئ سواده آخر المتعة والغنج والدلال.
ق: لماذا انت حزين اذا، طالما ضياعك وجدته في قلب أمرآة ،هل لانك اضعت اللحظات؟
ن : جوابي هو سؤال، لماذ تريدني ان اصر على وجودي طالما الحياة تسدد لي فواتير لعبتها بلا تعب، وقد اتضح لي اكثر من مرة اني كنت ساذجا في رسم خريطةالعالم، لم تتحكم الانسانية بتصرفاتي حين ادرك اني غير قادر على مناقشة الصفحات السوداء في تاريخ هذا الكوكب.
ق : لكنك ذكرت انّ هناك نقطة ضوء في هذا الكون، وذلك حين يطل وجهها عليك، عندما قلت إنّ الافكار تولد في ظلها، فلماذا تخفيها طالما انك تسعى اليها في احلامك، يا صديقي رتب جسدك، ودعه يستعيد حركةمعناه ولا تخشى السقوط في المعنى.
ن : كيف افعل، وامي نهرتني لانني حلمت، وهي كبدتني حزنا ثقيلا طوال عنفواني.ّ
ق: لملم اسئلتك، لان العالم اوسع من ان تدركه، والوقت لن ينام معك..
ن: لست ادري، اطرح اسئلة كثيرة، لقد رحل الحاضرون، مات البلد، وانتحر الشعر الى الابد.
ق : قلت مرة، ان زوجتك علمتك الصبر..
ن : الصبر مثل الصمت لغة كي تسمع نفسك، قبل ان يسمعك الاخرون.
ق : انت تصعب الامور على نفسك.
ن : لانني تعرفت على زمني بغير وقتي..
ق : اهدأ يا صديقي، وارسم في ذهنك صورة مصغرة للعالم ، ليكون على شكل وردة.
ن : الوردة لا تبقى على رائحة واحدة، وانما تتعدد مع تعدد الايام والفصول.
ق : مشكلتك انك تعرف انّ العالم الذي نعيش فيه لا يقف على قدم واحدة، فلماذا لا تتجاهله ،الم تقل لا تفكر بالسرطان تشفى، الم تقل آنك حين نتشت أمك عنك اللحاف ومنعتك من الذهاب الى الحلم ،فهل حبك الصوفي لانطون سعادة جعلك تتذكر ما قاله الشاعر القروي رشيد سليم الخوري لسعادة: اتريد ان تدب نفسك في التهلكة ، لا تذهب الى الجحيم، الاحلام ممنوعة هناك.
ن : بعد ان مات المجنون، دلفت عزلتي اسمع صوت ابي يهمس في اذني : أسوأ ما في بلادنا انّ اللصوص لا تراها ليلا على اسوار المنازل، انما تراها تجلس في وضح النهار على مكاتب فخمة.
ق : الحياة يا صديقي بحاجة الى خطأ ليسبقه صوابها… وليست بحاجة الى الكثير من الصواب لتكمل اعوجاجها.
الم يقل لك كمال خير بك… لا تاخذ شيئا على محمل الجد… إن الحقيقة الوحيدة غير موجودة وعليك اكتشافها في داخلك،… انه امر فظيع وموجع انْ تحمِّل نفسك كل هذا الألم، الم تقل وَحده الفن يُحوِّل الخراب الى حياة، فلماذا ما زلت تبحث عن لغة المعنى؟
ن : كم من الصعب مواجهة الحياة بكسرة خبز، وكم من الأصعب انْ تواجه بطلقة غدر… من بمقدوره ان يفعل كل هذا؟ من يملك هذه الشجاعة ،والفروسية ليجعل غيابه نبض حياة .. اخبرني -شوبنهاور -ان العالم مخيب للامال.
ق : لا تتعجل قدرك، اعقد قرانك مع الامل، واترك للموت ان يعقد قرانه على الحياة.
ن : يقول -ديستوفسكي-: ان تحيا بلا امل، هذا ان تكف عن الحياة.
ولكن اين هي الحياة لقد ماتت؟
ق : وعطر نورا الذي يشبه قصيدتك، والتي جعلتك تحب قصائدك.
ن : بعكس زوجتي التي تمحها وتغضب صارخة : اسهل اسهل… خفف عن الاخرين عبء التفكير بما تكتب.
ق : المرأة لا تشبه الرجل بشيء، والعكس هو الصحيح، الم يقل لك والدك: يا بني بامكانك ان تعشق وتحب قدر ما تستطيع، وان تكتب الشعر بمن تحب، فانت شاعر هيمان، لكن إياك يا ولدي انْ تعقد قرانك على فتاة تحبها اكثر مما تحبك.
ن : في تلك اللحظة عرفت ابي، كان يحب امي اكثر مما تحبه، وعرفت انَْ الرسام الذي لا يخرق قواعد الحياة الشكل والظل يبقى اسيرا لما قبله.
ق : لماذا تهرب من صداقة لؤى حين قالت دعني اكون صديقتك؟
ن : قالتها وهي تتنفس من كبدها، والمهم ان تتنفس من الرئة.
ق ؛ الم تقل عندما اكتب احتاج لعينيك! ارقب عتبة الله في الوانه، وكاني ارى الحياة للمرة الاولى.
حوارية ممتعة دخل فيها المحلل الدكتور القارئ مع الكاتب وقاسمه رائحة المعنى وترك لنا إشارات ومحفزات كي نقرأ أكثر
أرق التحايا لكما
حوار شيّق وعميق !!!! ذكرني بقول جبران خليل جبران ” إنه رأسي أنا ، لا تبحث فيه عن أفكارك “.