قراءة في لوحة الفنان سمير البياتي صرير الجسد |
توجد الكثير من الطرق لتحليل اللوحة ولكن الصفة المشتركة بين هذه الطرق هي محاولة المتلقي تعقيب الآثار والأشياء المكسورة الغامضة ليضعها في مكانها وصولا لمعرفة اللغز. “لغز اللوحة”
واللوحة هنا فيها أشياء مكسورة حتى لكأنني أكادُ اسمع صرير تلك الأشياء رسمها الفنان “سمير البياتي” بكل عناية فنّية وبروح عالية وعمدا وبشيء في نفسه أو في نفس الكاتبة زهيرة فرج الله ،أراده أن يكون جليّا للمتلقي وهو هذا الجسد المكبّل والذي يحاول ان يخرج من قيوده ويقطعها رغم ان وقت الحرية محسوب عليه بتلك الساعة الكبيرة على رأسه وكأنه مرتبط بموعد ما – هل هو موعد الانفلات أو موعد الموت أو موعد الاختناق ؟؟
ولو تمعّنا جيّدا في هذا الجسد للاحظنا “الكمامة” التي تُخرج صرخات خافتة من بين ثناياها ومن الجسد المتالّم..
ونحن نعرف اننا في زمن الكمامة هذه التي اصبحت كمعطفنا اليومي والوباء الذي حطّ بأجنحته الثقيلة على العالم
هل هو مرتبط بالوقت؟؟
هل هي مسالة وقت وترحل الجائحة لترقص اجسادُنا بحرية بعيدا عن القيود والوجع والوقت ؟؟؟
لمحتُ ان هذا الجسد المكبّل بخرق من القماش أي هي قابلة لحلّها لو فقط أصبح هذا الجسد ذو قوّة خارقة وهذا بعد آخر للحرية أرادها الفنان ان تكون سهلة الفكّ وإلا لماذا لم يكبّل الجسد بحبال متينة؟؟
كما اني لاحظت بعض الالوان وقطع ملونة في جسد اللوحة كل جزء لوحده..
وكل جزء يجعل المتلقي يدخله وهو لا يعرف ما يكتنف محتواه من غموض ..
كما وصلني :
– الصمت الحزين ظاهريا
-الصرخات البطيئة التي تكسو الوجه والعمل ككلّ.
– الوجه الذي لا يكاد يظهر
– معاناته وما بين عينيه من تساؤل وانتظار..
ولو انها لا تظهر بل تمثلت في تجعيدة على وجهه. وفي الساعة الكبيرة على رأسه.
وهنا وفي اختزال لنظرية “بانوفسكي” panofoski،هي ثلاثة محاور:
1.ماهو المعنى الأوّلي للوحة؟
2.ماهو المعنى الثانوي للوحة؟
3. ماهو المعنى الحقيقي للوحة؟
الجواب وفي لوحة الفنان سمير البياتي بالذات :
تفتح على عدة قراءات وكلّ قراءة يمكن للمتلقّي أن ينعرج بها إلى الطريق الذي يريده ويبرز ما يختلج في قلبه وفكره وهو يتأمّل المعنى وليس اللون (الذي صنع اللوحة).
ومن هذا المنطلق يمكنه القراءة..
المعنى الأوّل : الغضب
المعنى الثانوي : الحدث
المعنى الحقيقي : الصدق
واللوحة التي بين أيدينا من الوهلة الأولى تشعرك وأنت تتأمل الشخصية الرئيسية ، تلك الحيرة وذلك الغضب والإنتظار الذي تحدثتُ عنه في أوّل كلامي – هكذا جاء الحدث والمتسبب في هذه العوامل الشعورية.
وهنا يحيلني الغضب والحدث إلى الغربة ، غربة الإنسان ليس فقط خارج وطنه فنحن أحيانا نشعر بالغربة ونحن في أوطاننا… وسمير البياتي هو من العراق الشقيق ونحن نعتبره منّا تونسيا معزّزا مكرّما لكن يظل الانتماء للموطن الاصلي فوق كل شيء.
إذن هي غربة النفس بالذات التي أرادها الفنان سمير البياتي أن تبدو طاغية على الجزئيات.
لكن لو تمعنا أكثر وأخذنا اللون من ناحية تركيبته العلميّة فإن في هذه اللوحة كثير من الضوء وهو ذلك البياض المنتشر هنا وهناك الساطع بجانب الساعة والساعة نفسها بيضاء وكأنّ الأمل موجود في هذا الجسد المكبّل الذي ينبعث منه صرير غريب وهو العنوان الذي اختارته الشاعرة زهيرة فرج الله “صرير الجسد”
إذن، الأبيض وهو الأمل المنتظر الذي لولاه لما وجد الفنان فسحة للرسم بكل تقنياته ورقص ريشته السريعة على الخطوط والمساحات المتوهجة وهي الألوان الترابية التي لها طابعها الجمالي المتميّز حتى في بعض ديكورات البيوت والفنادق من خزف وحجارة وفوانيس إلى غير ذلك ….
في لوحة البياتي، اجتمعت تلك الجمالية المتمثلة في الألوان الترابية المتوهجة فهي ليست باهتة بل ظاهرة للعين بكل ثقة في النفس .
بمعنى هناك اصرار على حب الأرض التي ننتمي إليها في الحياة والموت وهنا اشير إلى موت هذا الجسد او استعداده للموت او الانفلات يظلّ السؤال عالقا. وكلّنا عائدٌ إلى التراب.
ركّزتُ قليلا على الوان هذه اللوحة فنجد الأصفر
والحقيقة الأصفر او الاصفرار،لا يدلّ عن الموت أو الذبول، أو الوجع، فالأصفر يدل على الضوء…على الشمس..على الفرح من الناحية العلمية كذلك يدل على البهجة، السعادة، المرح، التفاؤل، الإبداع، والفضول.
وفناننا سمير البياتي له نفسية مرحة وابداع بلا حدود، له ضفاف مليئة بالأرجوان والفيروز والجمان يوزع الحب على المحيطين به بكل تفانٍ ورضاء وهنا تكمن السعادة الحقيقية.
أوليست السعادة هي العطاء بلا حدود؟؟
تماما كما اللون الأصفر حين يشع ويمتد إلى ما لا نهاية…
كما الشمس…………
البني الذي طغى على كامل اللوحة يدل على المتانة، الفردية.
بينما الأسود ليس دائما يدلّ عن الحزن بل هو لون الأناقة ..لون الليل الداكن الذي غالبا ما يكون هادئا يُخفي حتى العيوب ويواري التنهيدة والأنين والعيون الحزينة – وكما يقول المثل الليل ساتر العيوب..
.
اذا ؟ اللوحة في حدّ ذاتها كما سبق وقلت تفتح على قراءات متعددة وأراها قطعة فنية في المرتبة الأولى لأن العمل الفني دوما له ميزة سواء كان قاتما أو مضيئا.
وربما في لوحتنا هذه أراد سمير البياتي دلالة رمزية معيّنة ، هواجس وأفكار ومشاعر مختلفة أراد إيصالها للمتلقي بكل عفوية في لحظة ما…..
لحظة اختناق وانتظار ووجع وصمت..
وفي لوحة الجسد المكبل انتظار للحرية
وفكّ كل قيوده وبالتالي التخلّص من الوجع والخروج من الصمت.
شكرا لتقبّلكم خربشاتي الفنية حول غلاف ديوان الشاعرة زهيرة فرج الله وهو باكورة اعمالها وأرجو لها في الديوان الثاني مزيدا من التألّق …وشكرا لقبولكم بعض هذياني الملوّن.
هي مساحة صغيرة عبّرتُ فيها بما يختلج في الذات من مشاعر وما يكتنف الروح من تعطش للأعمال الفنية التي تقول الكثير الكثير.
–
سليمى السرايري*
( * فنانة تشكيلية وشاعرة تونسية )
أبدعت صديقتي الفراشة الجميلة سليمي السرايري في قراءة صورة غلاف ديواني الأول صرير الجسد للرسام المبدع سمير البياتي