( بقلم الأديب والكاتب الجزائري الشهير واسيني الاعرج )
“الطريق إلى إصفهان ”
-×-×-×-×-×-×-
(سرّ الصورة المائة؟)
أغمض عينيه للمرة الأخيرة لكي يستعيد كل ما حدث له في تلك الغفوة الهاربة التي رآها فيها ترقص رقصات صوفية مجنونة.
كل شيء كان باردا، البيت، الحديقة، الاشجار، حتى جسده لم يسلم من البرودة. أغمض عينيه من جديد. ثم فتح النافذة قليلا، رأى شعلة الشمس التي انطفأت باكرا في الليلة الماضية. تمتم مخافة أن تسمعه الظلال: كيف خرجت؟ فتح الخزانة والفراش، وكل العطور المسطرة في استقامة في الحمام، ثم استنشق طويلا ، عاود ذلك العديد من المرات، قبل أن يأخذه دوار ساحر كان من الصعب عليه مقاومته. كيف خرجت؟ كيف تجرأت على الذهاب وهي في قمة حزنها؟ كيف غادرت ظلمة القبر وعادت إلى مدينتها.
أغلق حقيبته ثم رماها على ظهره؟
وهو يغلق باب المقبرة ويغادر، اعترضه شخص مسن يشبه جلال الدين.
– هل عثرت عليها؟
– تأكدت أنها ليست هناك.
– أينها؟
– في قلبي يا مولانا.
– ههههه. مولانا. جلال الدين الرومي.
تسمر الرجل في مكانه، ثم قال.
– اي مسلك ستعبر؟
– الطريق إلى إصفهان.
– هل تعرف الطريق إلى إصفهان، ومعابره والمسافات التي عليك أن تقطعها؟
– الطريق يعرفني جيدا.
– لن تجدها.
– سأجدها. اعرف ألوانها النادرة والفريدة التي تصنعها بقلبها ودفئها وعينيها ورشاقة حركاتها ورؤوس اصابعها، التي لا يملكها أحد غيرها.
– متى تسافر.
– اللحظة. كل حب ينتظر، لا يُعوّل عليه. يموت.
ثم مشى دون ان يلتفت وراءه. رأى الشيخ وقد أصبح نورا فتبعه.
مضت مائتا سنة منذ ذلك الوقت. لا أحد يعرف قصته ويعرف ماذا حدث له. في الحي، خلف نهر زنده رود الذي فاضت مياهه بعد أن جفت طويلا. ليس بعيدا عن الكنيسة الأرمينية، وجدوا حقيبة رجل بها 99 صورة، عندما ركبوها بحسب أرقامها، عرفوا جزءا من قصة الرجل الذي سلك طريق إصفهان دون أن يسأل أحدا. وعاش أسطورته كما اشتهاها.
وها أنا أقف فوق أقدم جسر، على نهر زنده رود، في إصفهان، انتظر شروق الشمس، لأواصل البحث عن الصورة المائة لأعرف ما خفي من سيرة الرجل الذي سلك طريق الشغف دون أن يسأل أحدا.
رأيت فجأة من بعيد، طفلا يؤشر لي أن أتبعه. كان يقتفي خطوات امراة كانت تظهر وتختفي، في عينيها بريق من ذاكرة.
أتبعهما، كانا يتجهان نحو الشمس.