شهرياد الكلام / نقلا عن ضفة ثالثة / العربية نت
الكاتبة دارين حوماني تلتقي الفنان التشكيلي محمد شرف
هنا نص المقابلة :
محمد شرف: هناك عودة إلى الفن التصويري التقليدي ببيروت
لوحات تشكيلية، صور فوتوغرافية، مقالات نقدية في الصحافة، محاضرات جامعية، وبعلبك، وقليل من الشعر وكثير من الأحاسيس في عينين غائرتين بالحب والحزن العميق، هي كلها محمد علي شرف، فنان تشكيلي يضيف الطبيعة إلى أعماله، يضيف المرأة أيضًا، وكل حدث مؤلم في المدينة سيخبرك عنه بطريقته في نثر اللون والضوء والحزن أيضًا الذي ينمّيه فيك وأنت تتنقل بين أعماله. يلقي محمد شرف ضوءًا على تفاصيل الأمكنة، يذّكرنا بجمالها، ونحن الذين نكاد ننسى أن في لبنان ما يمكن أن نحبه، لربما يوثّقها حين تجتاحه النوستالجيا بعد أن تغيرت بيروت وتبّدلت كما تبدّلت وتغيّرت بعلبك؛ لم تعد المدينتان نفسهما اللتان عرفهما محمد شرف طفلًا وشابًا، قبل أن يسافر إلى روسيا ويحصل منها على الدكتوراه في الفن التشكيلي ثم يتوجه إلى إيطاليا وفرنسا ليدرس الفن الجداري ويلتقط من المدارس الفنية الأوروبية ما يلزمه ليرى الحياة من مكان آخر أكثر عمقًا. عندما عاد محمد شرف وجد المدن قد تشوهت، ربما تشوّه ناسها، فصار حين يرسم المدن يرسمها فارغة من البشر، ويستبدل كائناتها بأخرى مشبعة باليأس مع رغبة في الخروج من العتمة.. نكون معه أمام نسيج بصري يهتف لنا من داخل هذه الكائنات ومن خارج هذا العالم. يرسم محمد شرف بعفوية ويكتب بعفوية ويحب بعفوية، كل ما يفعله يفعله بعاطفة صادقة فتخرج لوحاته التشكيلية بواقعيتها الهادئة، حتى قلق المدينة وخوفها يُخرجه لنا محمد شرف تشكيليًا وفوتوغرافيًا بلمسات وجدانية دافئة. إضافة إلى أعماله التشكيلية والفوتوغرافية فإن محمد شرف هو أستاذ أكاديمي في الجامعة اللبنانية ومعلّم أجيال متتالية من الفنانين في لبنان، وهو ناقد فني بإحساس شاعر في عدد من الصحف اللبنانية منذ أكثر من عشرين عامًا. عن حياته وأعماله كان لنا معه هذا الحوار:
- خذني إلى طفولتك وبداياتك، كيف نشأ في داخلك هذا الشغف بالرسم ثم قرارك بالذهاب إلى روسيا لدراسة الفنون الجميلة؟
كما لدى العديد من الفنانين يظهر الاهتمام بالرسم منذ الطفولة. كذلك من الصعب معرفة الدافع، فهذه الأمور لا نتذكّرها دائمًا. لكنني أذكر أنني عمدت إلى نسخ بعض الصور التي رأيتها إما في الكتب، أو في لوحات تعود لفنانين معروفين. هذا الميل إلى الرسم رافقني دائمًا بنسب متفاوتة. عند نهاية المرحلة الثانوية، وبما أنني كنت مهتمًا بعلم النفس، فقد تسجلت في الجامعة اللبنانية في قسم علم النفس. ثم أتت الحرب الأهلية وتغيرت الأمور، فتوقفت عن الدراسة في لبنان، وتقدّمت بطلب منحة للدراسة في روسيا في إحدى الأكاديميات الفنية، وهكذا كان.
- ماذا الذي منحتك إياه الحياة في روسيا وقد أقمت فيها زمنًا في دراسة الفن حتى الدكتوراه، وفيما بعد فرنسا وإيطاليا حيث تعمّقك في الفن الجداري؟
لا شك في أن الحياة في روسيا تختلف، إلى حد واضح، عن الحياة في الوطن وحتى في أوروبا الغربية. الأمر الأول تمثّل في الاستفادة من التراث الفني والمعماري خلال سنوات الدراسة، لما في مدينة لينينغراد، التي درست فيها، من أمثلة في هذا المجال، إضافة إلى التعرّف على الإرث الأدبي الذي تركته أجيال الأدباء والشعراء الروس، وخصوصًا أن الإلمام باللغة الروسية يسمح بالاطلاع على الإرث المذكور باللغة الأصلية التي كتبت بواسطتها الأعمال. وكما هو معروف فإن الترجمة إلى لغات أخرى تقلل، نسبيًا، من المردود الشعوري. على أن الفائدة الرئسية، تمحورت، أيضًا، حول مسائل الفنون على أنواعها، وقد ساعدت على ذلك زيارة المتاحف الغنية والكثيرة، مما أتاح لي معاينة الأعمال الفنية في شكل مباشر، بدلًا من رؤيتها في المنشورات والصور.
بعد إنهاء الدراسة في روسيا ونيل شهادة الدكتوراه، أقمت بين فرنسا وإيطاليا، وهي الفترة التي كانت ذات منفعة كبيرة فيما يتعلّق بدراسة الرسم الجداري، الذي استهواني، وترافق ذلك مع دورات تطبيقية في إيطاليا، كما ترافق، أيضًا، مع ممارسة هذا الرسم من الناحية العملية، ضمن مشاريع في هذا المجال، تمخّض عنها تنفيذ العديد من الجداريات في روما ومدينة بولونيا ومدن منطقة توسكانا. وقد أتى ذلك بعد الإلمام بتقنيات هذا الرسم، التي تختلف عن التقنيات العادية، وخصوصًا حيت تتم دراستها بحسب الأساليب التقليدية الصحيحة.
- لماذا يعود الفنان إلى لبنان بعد أن يصير في قلب العالم الذي تخرج منه المدارس الفنية الحداثية؟
الأسباب التي دفعتني للعودة إلى لبنان كان ذاتية في الأساس، وذات طابع عائلي. كما أن هذه العودة كانت بناء على طلبات تلقيتها لرسم جداريات في مدينة بيروت، ومدن لبنانية أخرى. ومن ثم تلقيت طلبات من بلدان الخليج، وسوريا ومصر وحتى دولة تركمانستان، حيث قمنا بزخرفة قصر الضيافة الرئاسي في ذاك البلد.
- بمن تأثّرت من الفنانين الذين لا يزالون رغم غيابهم يحثّونك على اتّباع مدرسة معيّنة؟ ممّن تقترب فنيًا؟
من الصعب تحديد فنانين معينين من أجل ذكرهم هنا دون سواهم، فأنا أقدّر فنانين من العصور كافة، مع الأفضلية لفناني عصر النهضة الأوروبية في فرعها الإيطالي، على سبيل المثل، وخصوصًا أولئك الذين مارسوا الرسم الجداري في مناطق توسكانا وروما، أمثال بيرو دلاّ فرانشيسكا ومازاتشو وفرا أنجيليكو، وكذلك بوتيتشللي و”العملاق” ميكال أنجلو. أما فيما يختص بالعصر الحديث، فأنا أحب الانطباعية وما تلاها من تيارات مرتبطة بها، كما أقدّر فناني التيّار الطليعي في روسيا، بداية القرن العشرين، والتعبيريين الألمان أيضًا. هذه اللائحة قد تطول، ومن الصعب ذكر الجميع في هذا المجال.
- آخر معرض لك كان في العام 2015، “قصائد لونية للناس والشجر والمدينة”، لماذا هذا الغياب عن المشاركة في المعارض، علمًا أنك تنشر صورًا لأعمالك الفنية على صفحتك الفايسبوكية؟ وهل من مشروع لمعرض فني لك في وقت قريب؟
نعم صحيح، المعرض الأخير كان في العام 2015 ، ولدي الآن مجموعة من الأعمال الجديدة التي تكفي لأكثر من معرض. كان من المفترض أن أقيم معرضًا خريف العام 2019، وتم الإتفاق مع صالة العرض، وكان أن تزامن موعده مع انطلاق الإنتفاضة المعروفة، فتم تأجيله. ثم جاءت الأزمة الإقتصادية فتعقّدت الأمور أكثر فأكثر، ولكي تكتمل سلبيات القصة، صودف أن الصالة المذكورة تقع في مكان قريب من المرفأ، فتضررت في شكل كبير. أخطط الآن لإقامة معرض خلال الأشهر القادمة، وأرجو أن يتم ذلك من دون عوائق.
- للطبيعة أثر في تشكيل نصّك الفني، هل هو أثر المكان فيك، أم ثمة أمكنة من الصفاء في داخلك تحثّك على رسم الطبيعة بألوان مختلفة؟
نعم بالفعل، إذ تعود علاقتي بالطبيعة إلى سن مبكرة، وخصوصًا أننا محاطون بعناصر منها في منطقة البقاع، كما في مناطق لبنانية أخرى. ثم جاء المشهد الطبيعي الروسي ذو الوجه المختلف، نظرًا للموقع الجغرافي والتأثير المناخي. وفي ذلك الحين امتد الاهتمام ليشمل المشهد المديني أيضًا. أكثر ما يجذبني في الطبيعة هي أحوالها المتغيّرة، والتي لا تخضع لمشيئة الإنسان، فهي تتمتع بمزاجية خاصة في تنقلّها بين السكون والهدوء والهياج و”الثورة”. كما أنه من غير الممكن توقّع تغير المشهد بين لحظة وأخرى، فللطبيعة مساراتها الخاصة، التي تتبدّل تبعًا للضوء والمؤثرات الأخرى.
- نلاحظ كم تشبهك أعمالك، أنت هادئ وصامت في أغلب الأحيان لكنك مكتنز بأحاسيس عميقة عن الوجود، وفي النظر إلى أعمالك فإنها تبدو هادئة لكنها مشبوبة بالعاطفة والرؤية العميقة كأنها تحمل العالم خلف زجاجها، كم تشبهك لوحتك؟
لا بد أن هناك علاقة تجمع ما بين الفنان ولوحته. لكن هذه العلاقة ليست ثابتة دائمًا، وقد تتبدل في بعض الأحيان. فمضمون اللوحة من النواحي الشعورية قد لا يتوافق دائمًا مع الواقع المعيش، بيد أن شخصية الفنان لا بد من أن تنعكس في أعماله الفنية، ولو في شكل نسبي. هذا، مع العلم أن بعض العوامل الموضوعية تكون ذات تأثير واضح، فتُصنع عندها أعمال فورية وعفوية قد تكون ذات طابع خاص.
- ومن مكان آخر، نرى أن كل عمل من أعمالك يشير إلى تفاعل بينك وبين العالم، ثمة تأويل للواقع المرئي مرتبط بالشحنات العميقة التي يبثها العمل فينا، وكأننا أمام نسخ للعالم وتأريخ بريء لهذا الواقع بكل ضوئه أو موته…
مما لا شك فيه أن العالم الموضوعي يترك آثاره على العمل الفني. هذا الواقع يكون ضاغطًا في بعض الأحيان ، وخصوصًا حين يتعلّق الأمر بحدث جلل، أكان هذا الحدث على أرض الوطن، أم في بلد آخر. بعض هذا التفاعل قد لا يظهر مباشرة في العمل الفني، بل يتم تخزينه، أكان في الذاكرة الحية أم في اللاوعي، إذا جاز القول، ليبرز خلال فترات أخرى، وضمن سياق مختلف.
- في مقال لها، تقول الكاتبة سوزان سونتاغ: “التصوير فن رثائي.. حين ينتابنا الخوف نطلق الرصاص، وحين ينتابنا الحنين نطلق الصور”؛ نشهد على شغفك بالتصوير الفوتوغرافي، متى تختار الصورة بديلًا عن اللوحة كفعل حنين لزمن قادم، ومتى توظفهما سويًا في إنتاج عمل بصري جديد؟
لا شك في أنني من هواة التصوير الفوتوغرافي، بل أنا شديد التعلّق بهذه التقنية، وربما أعتبر نفسي محترفًا. لم يبدأ الأمر من فراغ، فقد درسنا هذه المادة خلال الفترة الأكاديمية، وذلك بحسب الطريقة التقليدية القديمة، مع ما تتضمنه من معرفة بالتقنيات، التي أعتبرها ضرورية لكل من شاء ممارسة هذه الهواية. كما أن الصورة الفوتوغرافية هي ذات طبيعة خاصة. فهي تسمح بالتقاط مواقف لحظوية يعجز عنها التصوير التشكيلي، وهذا الأمر يتعلق بالمشهد الطبيعي أكثر من سواه. إذ كنت ذكرت مسألة الطبيعة المتغيّرة بين لحظة وأخرى، والصورة تسمح بالتقاط اللحظات التي تكون، عادة، بعيدة من الثبات. لذا، فعليك أن تكون دائمًا جاهزًا لاقتناص اللحظة التي تراها مناسبة.
- تركّز على المرأة في عدد من لوحاتك، ثمة حزن في أمكنة متعددة، وتأمّل في أمكنة أخرى، ما المعنى الذي تمثّله المرأة في لوحاتك؟
نعم تلعب المرأة دورًا بارزًا في أعمالي كموضوع تشكيلي. هذا الأمر أعتبره بديهيًا، إذ لا غنى عن المرأة في كل المجالات، أكان ذلك في الحياة العملية، أم في الحيز الروحي. أنظر إلى المرأة ككائن قابل لحمل مختلف أنواع الشعور، أما الحزن الذي يمكن تلمّسه في بعض أعمالي، فمردّه إلى الأثر الذي تركه في هذه الأعمال الوضع العام، وليس الشعور الذي يكتنف الموضوع في حدّ ذاته، وكأن هذا الحزن ما هو إلاّ انعكاس لواقع موضوع، تم إسقاطه على الشخصية.
- يقول الفنان إدوارد هوبر “ما يمكن أن تعبّر عنه بالكلمات، لا داعي لأن ترسمه في لوحة”، كل عمل فني لك يرافقه نص شعري من تأليفك يؤكد المعنى الذي نحاول تفكيكه من اللوحة، إلى ماذا يحيل ذلك؟ هل هو الشغف بالشعر ونتاج الحوار بين الكلمات والألوان؟
العلاقة بين الشعر والفن التشكيلي هي علاقة وثيقة في طبيعة الحال. فكلاهما يخضعان للمؤثرات الضاغطة، ولألوان الشعور. لقد كتبت الشعر، وأرفقت بعض أعمالي بشذرات شعرية، لكنني لا أتنطّح لاعتبار نفسي شاعرًا. للشعر أربابه الذين أقدّرهم، وهم الذين خاضوا في هذا المجال لفترات طويلة، ويمتلكون لغة شعرية متكاملة. لكن لا بد أن هناك تواصل روحي بين الكلمة واللون، والأمثال على تجسيد اللون شعرًا أو العكس حاضرة بكثرة، علمًا أن فنانين شعراء استطاعوا أن يبدعوا في المجالين في شكل مواز.
- هذا الحس الشعري الذي لديك والحس النقدي في الصحافة مع ثقافة عالية في الإبداع الفني هل يحضر معه والدك الأديب الراحل علي شرف، صاحب ندوة الخميس البعلبكية، ما الدور الذي لعبه هذا الوالد في عالمك كله؟
أستطيع القول أنني “تدرّبت” على النقد فترة طويلة، وذلك منذ إقامتي في روسيا. لقد درسنا حينها مادة “علم الجمال” أي “الإستيتيقا”، كما كانت مادة تاريخ الفن من المواد الرئيسية خلال الفترة الدراسية. أما فيما يختص بوالدي الراحل علي شرف، فقد كان له دور فاعل ومؤثر. لقد كان والدي كاتبًا محترفًا، ويمتلك أسلوبًا خاصًا به، بعيدًا من التعقيد والفذلكة، وقد أكون ورثت هذه الصفات اللغوية منه، وهو الذي كان يدفعني، خلال سنوات المراهقة، إلى قراءة مقالاته قبل أن يرسلها إلى الصحف العديدة التي كان يكتب فيها. هذا، بالإضافة إلى أننا نمتلك مكتبة في المنزل تضم آلاف الكتب، لذا كانت القراءة والمطالعة من الاهتمامات الرئيسية حينذاك.
- ترسم مدينة بعلبك باستمرار، قلعتها والآثار الرومانية، الأشجار الشاهقة العلو، الطرقات الصغيرة، “حديقة رأس العين” بسحرها الفريد، ثم تعيد تقديم الأمكنة نفسها عبر الصورة الفوتوغرافية في رصد يومي وليلي لمزاج هذه المدينة، هل يرتبط مزاج هذه المدينة بمزاجك؟ وهل هي طفولتك في هذه المدينة التي كوّنت هذه العلاقة الحميمة بينك وبينها؟
نعم، رسمت بعلبك كثيرًا، وما زلت أرسمها. لكن العلاقة بيني وبين المدينة ليست سهلة، وتكتنفها جملة من التعقيدات. هذا الأمر يعود إلى الوضع الحالي الذي تعيشه المدينة، والذي يتناقض تمامًا مع أجوائها خلال الزمن الذي مضى. أستطيع القول أن النوستالجيا تجتاحني كما تجتاح العديد من الأصدقاء الذين عاشوا تلك الفترة المختلفة. وإذا كنت أصوّر المدينة، تشكيليًا أم فوتوغرافيًا، فلا بد أن يلاحظ المتلقّي أنني أصوّر مدينة شبه خالية من البشر. أحب طبيعة هذه المدينة: هواءها، سهولها، أشجارها، التلال القريبة منها، والحجارة التي نحتها الأقدمون، أما فيما عدا ذلك فلا يعني الكثير بالنسبة لي. لذا، فقد قمت بتوثيق العديد من معالم المدينة القديمة من خلال مقالات عديدة نُشرت في صحيفة السفير، بدءًا من العام 2002 وحتى إقفال الصحيفة، إضافة إلى مقالات في صحف ومجلاّت أخرى.
- تكتب في الصحافة الثقافية ناقدًا للأعمال الفنية منذ أكثر من عشرين عامًا ولا تزال؛ في رصد لأعمال الجيل الجديد، كيف يتجه انتماء الفنانين، وهل يمكن أن نحكي عن تجارب ما بعد الحداثة، وما هي الأسماء التي تؤكد حضورها في ذهنك؟
كما سبق وذكرت، أكتب في الصحافة الثقافية اللبنانية منذ ما يقرب من عشرين عامًا أو أكثر. لكنني كنت بدأت الكتابة عمليًا حول الأمور الفنية قبل ذلك، خلال إقامتي في روسيا وفرنسا، وقد نُشرت تلك المقالات في صحيفة “النداء” اللبنانية. وفيما يختص بالنقد الفني، يمكن القول أنني بدأت التعرّف في شكل مباشر على النتاج التشكيلي اللبناني منذ عقدين، وذلك فيما يختص بالجيل الجديد من الفنانين. أما الجيل الذي سبقه، أي ما يسمّى جيل الحداثة الثاني، فقد كنت أعرف الكثير عنه من خلال قراءاتي، وزيارتي لبعض المعارض قبل سفري. أما مسألة “فنون ما بعد الحداثة”، وما تعنيه من أشكال فنيّة جديدة، فقد لاحظت أن فورة ما كانت حدثت خلال العقد الأول من القرن الحالي، ثم بدأت بالخمود. الناظر إلى المعارض المقامة في بيروت في الفترة الراهنة سيلاحظ أن هناك عودة إلى الفن التصويري التقليدي (علمًا أن كلمة تقليد هنا هي ذات منحى إيجابي). أعتقد أن ثمة دورة في عالم الفن، إذ تظهر أشكال جديدة من التعبير فتمارس دورها المنوط بها ثم تنحسر، لتحل محلّها أشكال سابقة، هذا فيما يختص ببلدنا، لكن الحال قد يختلف في أمكنة أخرى، بحسب الظروف والمؤثرات والواقع الفني.