كتبت الاعلامية والكاتبة كلود صوما في ” ورد الكلام ” :
.. خبرةٌ طويلةٌ ومعّمقةٌ في الاعلام المسموع والمقروء، مع التمّتع بصوتٍ إذاعي مميزٍ ، وهي نعمة من الله ، كما يقول ، وأهم سلاح للمذيع .
هوّيته الأدبية التي اختارها وارتضاها لنفسه هي التنوع في الأدب مع المحافظة على مستوى النوعية . والشعر عملية خلقٍ كوني ، هكذا هو ، لعبة أمم ، ويضيف لعبة ابداعٍ راقٍ متميزٍ .
أديب وشاعر لبناني مهجري ، لُقِبَ بعميد أدباء المهجر ، مؤرخٌ وباحثٌ أكاديمي ، صاحبُ مشروع “أفكار اغترابية” الموقع الالكتروني الذي يحتضن الأعمال الأدبية الراقية في استراليا والعالم .
انه الدكتور جميل الدويهي ، ومعه كان هذا الحوار :
_تقول : الله هو الشاعر ، وأنا منتحل صفة!
من هو جميل الدويهي ؟
-هذا النصّ هو أول نص في كتابي “حاولت أن أتبع النهر… النهر لا يذهب إلى مكان”، وفيه دعوة إلى الجميع ليتواضعوا , فلا أحد يصنع المعجزات، بل إن
الله هو الذي يصنع من خلالنا. وجزء من شخصيّتي أّني ألتزم بالواقعيّة في حياتي. لا أزيد ولا أنقص من الحقيقة الماثلة أمامي. ولدت غنيّاً وعشت فقيراً، لكنّني جمعت كنوزاً من العلم، والثقافة، ومحبة الناس، والتواضع، والخدمة… أحمل شهادة دكتوراه من جامعة سيدني، وعملت في التدريس الثانوي والجامعي، وفي الإعلام. وأعمل الآن مديراً لتحرير جريدة المستقبل الأسترالية، وفي الوقت نفسه أطلقت مشروع أفكار اغترابية للأدب الراقي في عام 2014. وهو المشروع الذي بات يعرفه الجميع. ومن ضمنه موقع، ومجلّة، وإصدارات، ورعاية أدباء، واحتفاليات ثقافية حاشدة.
_مشروع ” أفكار اغترابية” يهدف الى نشر الأدب الراقي والرفيع،
كيف انطلقت هذه الفكرة وكيف تبلورت؟ وما هي الصعوبات التي تصادفكم في تقديم الأرقى والاجمل؟ كيف يتم التعاون مع جهات أدبية اخرى؟
فعلاً نحن اتخذنا جملة معايير نلتزم بها في مشروعنا الأدبي، من أهمها الرقي والرفعة. وقد شهدنا أعمالاً أدبيّة هابطة، ونصوصاً يندى لها جبين الأدب، وكُتب الكثير من المديح لهذه الأعمال، (وأنا كناقد متخصص أستغرب أن يحدث ذلك). فأردنا أن نقدّم صورة حضاريّة عن المنجز الإبداعي. ومنذ انطلاق الفكرة في عام 2014، جعلنا الأدب الراقي عنواناً عريضاً لثورتنا. وهي ثورة غير عاديّة، مثيرة للجدل، هنا على وجه الخصوص، فلو قرأنا أدبيّات النقد في أستراليا، لوجدنا أنّ “أفكار اغترابية” هو الأكثر تغييباً، وعرضة للتمييز. هذا الأمر لا يغيظنا، لأننا نعرف طبائع البشر، وبماذا يشعرون عند ظهور أي بارقة للنجاح والتغيير. وللأسف هناك أصدقاء يسيرون معنا قليلاً، ثمّ يعيدون حساباتهم، فيجدون أنّ البقاء معنا لم يعد مجدياً، فينصرفون، وهذا أيضاً لا يفسد للودّ قضية، وخصوصاً بالنسبة إلي، فأنا لم أؤمن يوماً بأن أي صداقة أو علاقة أو قصّة حبّ، متجرّدة عن المصلحة، وللإنسان الحقّ أن يبحث عن مصلحته في أيّ مكان.
الصعوبات هي أننا ننحت الجبل بإبرة، وبينما يَكتب عنّا كبار الأساتذة في العالم، ويفتخرون بالصداقة معنا، نشعر في أستراليا أنّنا منبوذون إلى أبعد الحدود، وكلما صدر مقال نقدي عن الأدب والشعر، والرواية، والإصدارات، نتوقع أن لا نكون مشمولين فيه. السبب واحد: التنوّع غير المسبوق في تاريخ الأدب.
أعتذر منك سيدتي، فقد سألتِ عن “الصعوبات”، وأجيب عن السؤال بشفافية وصدق.
أمّا التعاون مع مؤسسات ثقافية في العالم، فنحن نمد يدنا للجميع، وهذا لا يعني أننا في توأمة مع عشرات المؤسسات، فالتوأمه لها أصول وأسسس متينة تُبنى عليها. وكلّ يوم عندنا تواصل مع مؤسسات، نتفاعل معها، ونقدم لها – أو تقدّم لنا- الخبرة والتجربة والموادّ التي تغْني. أمّا في أستراليا، فهذا التعاون موجود مع مؤسسات غير ثقافية، هي بالأساس جمعيات تقدّر عملنا ومحبتنا للناس، ونعتبر أنفسنا جزءاً منها.
_ كيف هي الحركة الأدبية والثقافية الاغترابية في أستراليا؟ ما هي الخطوات التي تعملون على تحقيقها للمحافظة على هذه الظاهرة الأدبية؟
-الحركة الأدبية والثقافية الاغترابية في أستراليا جيّدة في العموم، لكنها إلى حدّ بعيد تفتقر إلى أنواع، كالرواية والقصّة القصيرة والفكر والكتابة باللغتين. وهذا ما نعني به “تعدد الأنواع”، وقد ميّزنا الله بهذا التعدد، فليس عيباً أن نتحدث عنه ونبرزه، ومن الغريب أن يتحول إلى مصيبة علينا، وكأن المطلوب أن نبقى في داخل خطوط مرسومة، أو كأن الذي لا يكتب رواية عليه أن يُلزم الجميع بعدم كتابتها لكي لا يسبقوه. المشكلة الثانية التي تعاني منها الحركة الادبية في أستراليا، هي عدم وجود نقاد موضوعيين. فالنقد انتقائي، فإذا كتبت باحثة جامعية عن الشعر، تختار أربعة أو خمسة من اليساريين أو القوميين العرب أو الملحدين، وتستثني من هم غير مسيّسين. وإذا أرادت الناقدة نفسها، مثلاً، أن تكتب دراسة عن الرواية في أستراليا، انهالت عليها الضغوط لدفعها إلى الانتقاء، وعدم الالتفات إلى راواياتي الأربع، فتضطر المسكينة إلى صرف النظر عن كتابها المسكين، والتخلي عن فكرته.
لذلك عززنا تواصلنا مع نقاد موضوعيين خارج أستراليا، يعوضون عن النقص الذي دفعنا ثمنه نحن، أكثر من أي طرف آخر، ونحن نشد على أيدي هؤلاء النقاد ونبارك جهودهم، ونرتفع بهم… كما نحن مستعدون لطباعة أي كتاب يتناول “أفكار اغترابية” على نفقتنا، ونتكفّل بالشحن إلى الخارج. ومستعدون لدعم الأبحاث الجامعية والأكاديمية بقدر ما نستطيع – ماديّاً ومعنوياً-، ولا بد أن يأتي يوم نتوّج فيه جهودنا المضنية وتضحياتنا الجسام، بتقدير على هذا المستوى الرفيع، ومشروع أفكار اغترابية فيه كثير من المواضيع التي تستحق الدراسة، من شعر ونثر ورواية وفكر ومجلة، والأهم أنه أحدث انقلاباً في الرؤية. وإذا كان هناك المئات من الناس لا يعرفون شيئاً عن “أفكار اغترابية”، فهذا ليس ذنبهم. ونحن نريد إقناع هؤلاء بأن أفكار اغترابية موجود، وقدّم 94 كتاباً حتى الآن، يعني 90 وفوقها 4. وهذا رقم تعجز حكومات من تحقيقه. ونحن ماضون في طريقنا، وسيتعب من يظن أننا ننظر إلى الوراء أو إلى تحت. وحلال العام 2022 سنقدم 16 كتاباً أخرى، نهديها إلى من يهمهم الأمر، ونقول لهم: مبروك لأدبنا المهجري.
أما الثقافة، فحدثي ولا حرج. هناك قلة قليلة من المثففين، وكثرة من غير المتعلمين تعليما كافيا، الذين يدعون الثقافة تعويضاً عن نقص علمي. وهذا طبيعي في علم الاجتماع.
كما يعاني الأدب هنا من موجة غير مسبوقة من المتطفّلين، الذين يأتون من مجالات أخرى لا علاقة لها بأي شيء في الأدب، فيحكمون، ويقرّرون، ويتحدّثون عن “فقر” حالتنا الأدبية، ونحن غير فقراء إطلاقاً، وعندنا مشروع مضيء لا يشبهه أي مشروع آخر، اسمه “أفكار اغترابية”… الحجر الذي رذله البناؤون سيكون رأس الزاوية.
_ كيف يتم التعاون مع “بستان الابداع” للأديبة اللبنانية كلود ناصيف حرب لا سيما انها اطلقت عليك لقب “عميد أدباء المهجر / رائد النهضة الاغترابية”؟
وكيف حصلت التوأمة مع نادي الشرق لحوار الحضارات؟
-الأديبة كلود ناصيف حرب انطلقت أدبيا من مشروعي “أفكار اغترابية” ورعيت كل كتبها وأمسياتها، وهي ساعدتني كثيرا ، ووقفت إلى جانبي بكل صدق ومحبة نبيلة ، ولا أنسى فضلها علي. وقد خرج من المطبعة قبل أيام ديوانها الجديد “قمر البحيرة سهران… ناطر مواعيدي” بعناية من أفكار اغترابية، أقل ما يمكن ان نقدمه لها تعبيرا عن وفائنا. وهي حصلت على أول جائزة من مشروعي لسجلها العريق في الإعلام ، وبعده في الأدب..
وقد ارتأت أن يكون لها موقع باسم “بستان الإبداع”، وشجعتها على ذلك. وكان بستان الإبداع لمدة طويلة منصة تنشر عليها أعمالي. وأنتهز الفرصة لأشكر الزميلة حرب على اللقب الذي منحتني إياه، بناء على مقارنة، وكنت قد منحتها لقب سيدة الحنين، وأتمنى لها التوفيق والنجاح في مؤسستها.
أما التوأمة مع نادي الشرق لحوار الحضارات، فانطلقت من كوني مستشاراً للنادي في فرعه الأسترالي، وكانت التوأمة التي أعلنت في العام 2018، بادرة خير نتج عنها حدث أدبيّ كبير، هو زيارة أول وفد اغترابي إلى لبنان في صيف 2019، حيث كانت لنا مناسبات وتكريمات في مختلف المناطق اللبنانية، واحتفال كبير في بلدية سن الفيل، منحْنا فيه جائزة أفكار اغترابية إلى كوكبة من المبدعين عن العامين 2019 – 2020.
توأمة مع منتدى ” لقاء ” اللبناني :
ونحن لدينا شراكة – توأمة أدبية وأكاديمية مع منتدى “لقاء”، وقد أثمرت عدة محاورات نقدية، ومجموعة كتب نشرت، وأمامنا طريق طويل من التعاون والتنسيق للمصلحة العامة والحضارة. وكان مؤتمر “النهضة الاغترابية الثانية – لإبداع من أجل الحضارة والإنسان” ثمرة هذه التوأمة مع “لقاء” و”بستان الإبداع”. وننتظر تحسن الحالة لكي يكون المؤتمر حضورياً.
_ ماذا عن جائزة الأديب د. جميل الدويهي للمبدعين في لبنان والعالم ضمن تقدير الكفاءة للمستحقين؟ وما هي شروط الحصول على هذه الجائزة؟
-لم نشأ أن تكون هناك تعقيدات طويلة عريضة وشروط مستعصية للحصول على الجائزة. يكفي أن يكون المتقدم إليها مبدعا. ونحن الآن بصدد إجراء مراجعة لبعض المعايير الخاصة بالجائزة، ليس لجعل المسألة صعبة، بل لجعل عملية الاختيار بحد ذاتها أكثر تركيزاً. وقد أجّلنا احتفالية الأدب الراقي 5 – مرتين حتى الآن بسبب تفشي الوباء، وننتظر الفرصة لكي نقيم هذه الاحتفالية، ونتكرّم نحن بتكريم نخبة من الأساتذة الحاصلين على الجائزة للعام 2021. كما سنقدم حوالي 30 كتاباً من مختلف الأنواع الأدبية، هدايا مجانية إلى الحاضرين. وبعدها نفتح مجال الترشيحات للجائزة للعام 2022 ، على الرغم من أن عندنا مجموعة من الترشيحات لها.
جائزة الإبداع للدكتور جوزاف الجميّل :
من جهة أخرى، خصصنا جائزة للإبداع الأكاديمي، على أساس فصلي، أي كل ثلاثة أشهر ، وقد مُنحت النسخة الاولى للدكتور الصديق جوزاف ياغي الجميل، وفي حزيران سنعلن عن الأكاديمي الذي سيمنح الجائزة التالية. ونذكر هنا بكل تواضع، أن الجائزتين هما عربون محبّة وتقدير، وليست لهما قيمة ماديّة.
_كيف ترى تعاون وتجاوب الأدباء والشعراء اللبنانيين بالانضمام لمجلة “أفكار اغترابية – أدب وثقافة” والمشاركة فيها، لا سيما أن لبنان يعاني من ظروف صعبة وقاسية جدًا، واللبناني يهمه البحث عن لقمة العيش وتأمين حاجاته اليومية؟
نحن هنا نعيش مأساة كل لبناني يفتقر إلى مقومات الحياة الرغيدة، وفي الوقت نفسه، نواصل عملنا في مشروعنا، والمجلة حيز مهم من يومياتنا الثقافية. وللحقيقة والتاريخ، لم أنشئ مجموعة للمجلة، ولست أطلب “انتماء” قطعياً لها، وكأنها حزب سياسي، أو كأن الالتزام بها طقس من طقوس الزواج الأبديّ. فهناك من ينشرون في عدد ولا ينشرون في عدد آخر، فلا أتصل بهم، ولا أذكّرهم. وكل ما أفعله أنني أنشر على صفحتي موعد صدور المجلة، ثم تذكيراً – على صفحتي أيضاً – قبل بضعة أيام من الصدور. وإنني راض تمام الرضا عن التفاعل مع المجلة، خصوصاً أنها تنشر لنخبة راقية، ولا تقدّس الماضي والبائد، بل تتطرق إلى مواضيع جديدة لا يقرأها أحد في مكان آخر. وهذا ما يميزها ويجعلها مجلة الثقافة النوعيّة في أستراليا. وما يلفت نظري أن المجلة نفسها، بصفتها تابعة لأفكار اغترابية، مصنّفة في كثير من الأحيان، وهنا بالذات، في خانة “لم يحدث”… وهو أمر اعتياديّ.
_ هل من سؤال أو موضوع أحببتً التكلم عنه ولم أطرحه؟
شكراً شاعرتنا الجميلة كلود صوما، المبدعة التي لها صوت مختلف ومتميّز. ليس من شيء أضيفه، سوى أن أسلّم عليك من بعيد، وأرجو من الله أن يغمرك بالسعادة والهناء، كما أوجه شكري إلى الموقع المرموق ” ميزان الزمان ” الأدبي في بيروت حيث ستُنشر فيه هذه المقابلة. وأرجو أن أكون كشفت عن مواضيع مهمة، وعن حقائق لا يعرفها كثيرون من المهتمين في عالمنا العربي. لك جزيل محبتي وإلى اللقاء.
الف شكر ومحبة للشاعرة الصديقة كلود صوما وردة الكلام، ولموقعكم الراقي، وهذه التفاتة كريمة منكم، ليقدرني الله على مكافأتكم.. شكرا للاستاذ الكبير يوسف رقة وميزان الزمان. للزمان ميزان في ايديكم الكريمة، وواحات خصب.