انتظِموا في البِرّ !
( مقالة بقلم : د. عماد يونس فغالي )
في الأوساط الأدبيّة اليوم حالةٌ شاذّة، تأخذ الواقعَ الأدبيّ في غير اتّجاهه. السؤال الكبير، من يصنّف الكاتبَ أديبًا؟ من صاحبُ الصفة، المخوَّل تصنيفَ النصّ أدبًا وصاحبَه أديبًا. أقول هذا وأطرح السؤالَ أعلاه وفي نفسي مرارةٌ علقمُ. يطالعنا أناسٌ داخلون الوسطَ الأدبيّ، بعضُهم كتّابُ شعرٍ ونثر، والطامةُ بعضٌ آخرُ سُمّوا ناشطين ثقافيّين، لم يُعرفْ لهم نناجٌ مكتوب، يمتطون المنصّات الإلكترونيّة ووسائل التواصل الاجتماعيّ، ويزوّدون المجتمع السائدَ عندهم، بتحديداتٍ وتعريفات حول الأدب وأهله. ويطالعونكَ بشعاراتٍ رنّانة تطالُ خصائصَ الأديب ومميّزاته، من باب فكرهم ومنطلق أهوائهم. همّهم إضفاءُ لقب “الأديب” أو “الشاعر” على المقرّبين منهم، السائرين مسارَهم، أو التابعين لهم أحيانًا. أمّا الباقون، وقد يكون بين الباقين الأديبُ الألمعيّ والشاعرُ الملهَم، “فيُنزَل من الغربال” أحيانًا كثيرة لأنّه “غيرُ منتظم” في اعتباراتهم.
أمَا يهابُ هؤلاءُ قاماتٍ فكريّة ذوي اختصاص، يكشفونهم عند أوّل بَوحٍ عقيم؟!
قلتُ دائمًا وأكرّر. تصنيف الأدب والأدباء، وبالتالي الشعر والشاعر، ليس أمرًا مزاجيًّا، يتبع لتصفيقاتِ المجموعة الضيّقة التي ينتمي إليها النصّ أو كاتبه. ولا لعدد الإعجابات “الوهميّة” غالبًا على السوشل ميديا… التصنيف الأدبيّ يخضع لمعاييرَ ومراجع أكاديميّة وعلميّة، يخضع لها الكاتبُ والمكتوب على حدٍّ سواء. في هذه قلتُ يومًا إنّ أديبًا لا يُدرَسُ نتاجُه ما لم يكتملْ أدبُه. بتعبيرٍ آخر، طالما هو في حالةٍ تطوّريّة… يكتبُ بعد.
عالمُ الأدب يا ناس، عوا، هيكلٌ مقدّس. لا تدخلوا بيتَ مقدِسه منتعِلين جزماتكم الحاقدة. اخلعوا نعالَكم على أعتابه. توضّأوا تأديةَ عبادةٍ، تهيئةَ صلاةٍ تلتقون خلالَها الإبداع، جمالاً مطلَقًا… إذا ما كنتم في حالةِ نعمتِها، دونكم توبةٌ فارضة… الأديبُ في محرابه نبيٌّ يعلنُ الكلمةَ موحاة، يُخشَعُ في حضرته. ليس لأيٍّ أن يُدركَ قدسَه، قراءةً ودلالة!
وبعد، دعوا الفكرَ لأهله. جنّبوا أصحابَ القلم اعتباراتكم العلائقيّة الخاصّة تجاه أشخاصِهم. خصوصًا متى كانوا في منأى عن مطاولتكم. لا تحسدوهم إلاّ إيجابًا. حوّلوا غَيرتَكم إلى سعيٍ أن تكونوا في مصافهم. وإلاّ انجحوا في مجالاتكم، تفيدوا المجتمعَ والناس، وتكونوا من أهل الخير!
وأختم مردّدًا مع يسوعَ متوجّهًا إلى يوحنّا المعمدان: “دعنا نصنع كلّ برّ” (مت٣/ ١٥).