سلسلة ( انعكاس ) الجزء 7 : للكاتبة د. لارا ملّاك – مقولاتٌ خارج عباءة أرسطو
الجوهر:
ما الخدُّ؟ دائرةٌ تلتفّ حولَكَ وتعودُ.
ما المُقل؟ إجابات خدودٍ عبرتْ.
ما السَّيل؟ كان مطرًا، صار وعدًا جارفًا. كان ماءً، صارَ حضورًا.
ما الطّيف؟ كان قريني، صار قرّةَ عين الغائرين، لفظةَ شفاه الوحشة.
ما السّبُل؟ ما حفظتْه البوصلة ونسيتُه أنا.
ما المسامّ؟ ما اتّسع من الجِلد وضاق عن غبارٍ وضاق عن هواء.
ما الشّارب؟ شاربان ينتفي فيهما المفرد، تمرُّ الإصبعُ أفقًا، تمهّد لهما التّثنية، تفتحُ لهما الأنثى والمرآة.
ما القضيّة؟ المعنى يعرج على وجعٍ، يعرّج على صقيع الحافّة.
ما البحر؟ مياهٌ بلا حافّةٍ، مصقولةٌ بالجغرافيا.
ما الموجة؟ قرارة قنديل بحرٍ صغيرٍ يقول لنا إنّه يكبر.
ما السّقوط؟ غرقٌ جديد.
ما السّكوت؟ خوفُ الوادي من الصّدى.
ما الإزميل؟ ما بقيَ من الكسور، مستقبلُ الشّظايا.
ما النّافذة؟ ما لم يقلْه الباب، ما خافت منه العتبة.
ما الطّاولة؟ جلوسٌ مستمرٌّ، أو وحيُه.
ما النّسيم؟ قضيبٌ يرمي فراغات الشّجر يملأ حركةَ ظلّها.
ما الحركة؟ اقتطاع الزّمن من السّاعة، درْءُ العقرب عن أخيه.
ما الضّدّ؟ ضميرٌ لغويٌّ يهذي بالوقف.
ما الصّواب؟ تركُ المسافة بين القمر والشّمس للوقت.
ما أنتَ؟ ما أنا؟ أن نضيف لحمًا للهاوية، وماءً للرّمل المستكين. أن يمسّ بعضُكَ بعضي حتّى ألِدَ السّؤال على حاجبيك.
الكمّ:
كم أنتَ؟ قليلٌ كثيرٌ بين الزّيتونة وقشرتِها.
كم ورقةً على الشِّعر؟ بياضٌ واحد.
كم نفَسًا للفريسة؟ هواءٌ كاملٌ طُرِح أرضًا.
كم قبلةً للهواء؟ عناق اللّيل حرّيّة النّهار.
كم لؤلؤةً للبحر؟ خجل نجمةٍ لم تعرف البلل.
كم أرجوانًا للأرجوان؟ الجسد العاري.
كم يقظةً للكتاب؟ عينٌ مفتوحةٌ من الأزل تعِبَ جفنُها.
كم كوّةً لكَ؟ ما حشوتَه عبثًا بي يومَ الزّحام.
كم عرّافًة لليد؟ كلّ الأيدي للعرّافة.
كم قدمًا للحذاء؟ أقدامٌ كثيرةٌ، حفرةٌ واحدة.
الإضافة:
“لمن؟” قالت اللّغة، قال أرسطو.
أمّا أنا فأليق بنسبتي إلى الأشياء، وبنسبة الأشياء إليّ.
يدي يد السّرير.
عيني عين البيلسان.
ظفري، ظفرُ المخافة المستلبة، ظفر الحنين الّذي يحكّني وأحكّه إلى ما شاء المدى. ظفر المتشبّثين، ظفرُ الجبال تُسقط عنها المتسلّقين ولا تبالي، ظفرُ الشّحّاذين الغارقين بالغبار.
رُكبتي، ركبةُ العالقين في المنتصف بين نهوضٍ وسقوطٍ وغفوة، ركبةُ العارفين أنّ الجسد يلتوي ويتمدّد كلّما مرّ شخصٌ من هنا، ركبةُ المرتعشين حتّى نسوا معنى الثّبات في الظّل.
رمشي، رمشُ المؤلّفين سقط فوق الحرف راءً جديدةً لا تكرار فيها، رمشُ المسترسلين لا المُرسلين الرّاسخين بمسمارٍ كبؤبؤٍ مثقوبٍ لا يرى، لا يُرى.
عنقي، عنقُ الّذي رفعَتْه عينُه بين الأقداح والأحداق.
الكيف:
كيف تفصل اللّيلَ عن الدّيجور؟ أو الدّيجورَ عن اللّيل؟ بالمشمش.
كيف تبلّل الأشياء بين ظلمتَيْن ولا تُظلم؟ بالقرنفل.
كيف تختم النّصَّ والغيمةَ المفتوحةَ؟ بالتّين.
كيف تكسرُ مظلّتَكَ وقتَ المطر فقط؟ بالعُلّيق.
كيف تغربلُ الماءَ وأنتَ ملحٌ سائل؟ بالقَصَب.
كيف تتيح لقدميكَ أن تتباعدا وأنتَ معقود الكتف؟ باللّوز.
كيف تقشّر الزّيتونةَ كأنّها ليمونة الآخرين؟ بالبذرة.
كيف تركتَ الطّريقَ خارجًا ونمت؟ بالسُّمّاق.
المَتى:
متى تستكمل المكان؟ حين أفقد آخر شذرات المرآة.
متى تقفل المنديل؟ حين يتغيّر لونه.
متى تفتح البلّوطةَ؟ حين أقفل الجوزة.
متى تأكل التّفّاحةَ؟ حين تريد التّفّاحةُ.
متى تلجّ في الرّحيل؟ حين يؤلمني طيُّ ركبتي.
متى تسير؟ حين تتباطأ الفريسةُ عن الحقل.
متى تنام؟ حين يؤرّقني الحضور.
متى تجوع؟ حين أتعبُ من صيد الأبجديّة.
متى تسود؟ حين يمتلئ ظفري بالنّبيذ.
متى تيأس؟ حين تفتح الموقدة نفسها للنّار والهواء دونَ الماء.
متى تغلق عينيك؟ حين تجحظانِ حولَ الدّائرة.
الأين:
أين الكفّ؟ أعلى اليد، بل أسفلها.
أين الأرضُ؟ على الرّأس.
أين الحشوُ؟ في الرّبيع.
أين بهاء المختصَر؟ في العاصفة.
أين القبول؟ حول ذكرى واحدة.
أين الخنصر؟ على الميزان.
أين ما تبقّى؟ استخدمْ أصابعك في العدّ، أو الْزَمِ الصّمت.
الفعل والانفعال:
يفعل\ ينفعل
تجفّ السّاقيةُ، تنضب عينُك.
تشمخ الصّنوبرةُ، يفرغ الظّلّ.
تعلو الأسطحُ، ينسرب الهواء.
نبيعُ الحرارةَ، نزهقُ رعشتَها.
تلدغ حيّةٌ الهواء، تموت فراشة.
ترتفع الذّراع، تنزلق البصمة.
تصطادُ السّمكة، ينجو الضّفدع.
يتمدّد وترٌ صوتيٌّ نحو الأرض، تحبل الغابات.
يفترشُ العشبُ ألوانَكَ، تتقمّص الأخضر.
المُلك:
ماذا تملك؟
غيابَين، أوزّعهما بيني وبيني.
والدَين أورثاني اليتم.
قابِلَتين تمنعانني من الحمل بصوتِكَ.
رنينَ الجرس أنينَ الباب.
إطارَ اللّوحة سميرَ الجدار.
رسالتين عنكَ، منّي إلى الله، ومن الله إلى بذرة القمح.
وشْمَين كزرعٍ أزرق يخاتل الأرض.
ملاكين لا يعرفان مرَّ القهوة، بل مرارةَ العناقيد.
لوحتين تسندان الجدار.
كتابين كأنّهما كتاب.
الوضع:
في الحبّ تستوي الأصابعُ على الجسد، والقوافي على الحرير.
هذا الجلوسُ يفضح زوايا الجسد يحزّ اللَّحمَ بالعظم، يقيس بالخشب وزنَ الحلم.
هذا الوقوفُ استلالُ السّيفِ من اليباس، الحديدُ حاءُ حبٍّ يبس كثيرًا حتّى استراح قرب الموت.
هذا التّمدّدُ اعترافُ الأرض بالأفق.
هذا الرّكوعُ اختراقُ الهواء نزولًا نحو أبعاد الرّخام.
هذه القرفصاءُ خجلُ الخطّ من طوله المُسْتَلَب.
هذا الانحناءُ بحثٌ جديدٌ عن جبينٍ قديم.
هذا التّقوّسُ رواشنُ تفتح ذاتها كي تقول.
هذه الإمالةُ انزياحُ الطّريق عن المسير، عن ماضي العبور.
هذا الاتّكاءُ يسند الشّيبَ ويهمل رأسَكَ.
هذا الصّمودُ التباسٌ موجوعٌ، لا أكثر.
مقولاتٌ غابت عنها اللّغة.