الكاتبة والناشرة ناريمان علوش في ضيافة ” ورد الكلام ” مع الإعلامية سفيرة القناديل كلود صوما ..
كتبت كلود صوما :
فراشةٌ زاهية الألوان، لا تريد الكرهَ والحقد والنميمة ولا الظلم والفساد على الأرض ، فتحلّق بحبها وتفاؤلها بكل إباء في السماء !
تبتسم للأحزان والنكسات والضربات الموجعة وكأنها تقول لهم : خذوا من فرحي ما شئتم ومن ضحكي ما يرضيكم ! فأنا الغائصة في الأحلام والطموح ومتعة الكتابة . تستهويني الحروف والكلمات المنقوشة بدمعي والكتب المطرّزة ببصمتي ! وسأظل أبتسم للحياة ولن أنحنيَ الاّ لأكتبَ وأكتبَ ..
إنها الشاعرة والاعلامية والروائية ناريمان علوش التي بدأتْ معها صداقة وفية ورحلٌة طويلة لن تنتهيَ ، ومعها كان هذا الحوار الغنّي :
1- نريد أن ندخل عالمكِ الثقافي والاعلامي والشعري ،هلاّ فتحتِ لنا البابَ ؟ كيف تعّرفين القرّاء عنكِ ؟ متى كانت بداية عشقك للكتابة ؟ كيف قررتِ خوض الاعلام وتقديم البرامج ؟
منذ اللحظة التي بحثت فيها عمّن ينصت لوحدتي ولم أجده، ومنذ الأمنية الأولى التي همستُ بها لشمعة ميلادي، تفتحت القصيدة في بال ورودي الذابلة فأحيتها وصرت أكثر تصالحًا مع تلك الوحدة، ومع الصمت، ومع حرماني من وجود أخت اتشارك معها الأحلام، ومع انشغال والدتي الدائم بهموم الأمومة، ومع غياب أبي المسافر إلى بلاد تبعد عن طفولتي آلاف الأزمان. في البداية كانت مكتبة أبي ملجأي الوحيد ومن ثم أنجبت قراءاتي الكثيرة لكتبه أفكارًا ولّادة، ترجمتها إلى اعترافات بريئة، وما زلت أحتفظ بها في مذكراتي العتيقة، ومن ثم خفقت نبضة الحب في داخلي فصارت الكتابات أشهى وأعمق، على الرغم من خيباتها وانكساراتها، فقد كانت الملاذ الهانئ لامرأة عذراء تبحث عن حب يمسح عن قلبها الضباب، إلى أن نضجت رغباتي وبلغت نون النشوة .
هذا بالنسبة لناريمان الكاتبة، أما بما يخص الإعلام والنشر فقد اجتمعا من أجل دعم الحرف والكلمة… هما الفضاء الواسع الذي أفرد فيه أجنحتي محلّقة نحو أبعد فكرة تسكن أعماقي.
2- برأي الشاعرة ناريمان علوش ، من يكتبُ الشعر ؟ من يصّدقه ؟ومن يعيشه ؟
بالنسبة إلي لجأت إلى الشعر حين لم أكتفِ بهذا العالم الضيق… لجأت إليه لأنني لم أجد متسّعا لمخيلتي غير اللغة ومعاجمها. وحدها استطاعت بفتنتها أن تلبي تقلّب مزاج فكرتي وأن ترصد تبدّل مواسم عواطفي الأنثوية… وحدها اللغة ومجازاتها استطاعت أن تُلبس التفاصيل من حولي قصصاً وحكايا كما أشتهي أن تكون وكما يليق بعالم الحالمات … كنت أنظر من حولي باحثة عن نافذة عالية أستشرف منها الرؤى، وما إن أغمضت عيني حتى وجدت تلك النافذة في داخلي فمددت حبال المعاني وتسلقت الضوء.
إن من يكتبون الشعر يا صديقتي هم الذين يغمضون اعينهم كلّما أرادوا رؤية العالم، ليس هروبا من الواقع ولا بحثًا عن المتعة واللذة، بل بهدف اكتشاف العمق وما وراءه.
أمّا من يصدقّونه، فهم الباحثون عن كذبة جميلة يستعيرون منها الكناية والمجاز ليسترون بها جروحهم الطرية وخيباتهم اليابسة.
إن من يكتب الشعر، يصدقّه ويعيشه ويفتح باب القصيدة لكل من يؤمن بها، خاصة إذا كانت تلك القصيدة تحكي وجع الناس وقصصهم وهمومهم فيخال القارئ تجاربه تتمشى بين المعاني، وكلما كانت الفكرة متّقدة ، زادت نيران الرؤى اشتعالا.
لذلك على الشاعر أن لا ينام داخل قصيدته… أن يكون إنسانا وان يعتنق قضية، وأن يكون صوت من لا صوت لهم، وهناك الكثير من الشعراء الذين حملوا القضية دون أن يفقدوا إبداعهم الشعري أمثال الشاعر محمود درويش الذي هز بقصيدته ضمير العالم، والشاعر السوداني محمد الفيتوري الذي صوّر في قصيدته محنة الإنسان الإفريقي وما يكابده في سبيل مناهضة العبودية دون التخلي عن ولائه العربي وكذلك الشاعر الفرنسي إيمي سيزار الذي دعانا لأن نكون شديدي الانتباه لإنسانيتنا، والشاعر الأميركي والت ويتمان عاجنًا روح الإنسان بقصيدته.
والأهم من كل ذلك، أن تكون القصيدة صادقة وتعكس حقيقة ما يكنّه الشاعر في داخله.
3- دار ناريمان للنشر أثبتت في مدة زمنية قصيرة عن إبداعات ونجاحات ملموسة إن في إقامة المناسبات الثقافية وتواقيع الكتب الصادرة او في الأمسيات الشعرية و حفلات التكريم وغيرها من الأنشطة الثقافية .. كيف بدأت فكرة إنشاء الدار وتمّ تنفيذها ؟
إن ولادة دار ناريمان للنشر كانت دون سابق حلم أو تخطيط، ففي اللحظة ذاتها التي قررت تأسيس الدار وجدتني أقصّ شريط البداية محاطة بالأصدقاء. إنّ ما دفعني إلى تأسيسها هو إحساسي بالمسؤولية تجاه الكتاب الورقي والخوف من رؤيته يحترق في المواقد الالكترونية والاقتصادية. فبعد صدور كتابي الثاني ولحظة استلامه من المطبعة، كنت أحمله بين يدي كطفل أبيض أتلمّس غلافه وأوراقه كأم حنون، فقررت حينها أن أكون الأم الكاتبة والناشرة .
4- كتب غسان كنفاني رسائل حبٍ لغادة السمان ، كما تبادل جبران خليل جبران ومي زياده لسنوات عديدة رسائل اعترفا بحبهما لبعضهما البعض .. وأمثلة كثيرة تشهد على رسائل خالدة بين الأدباء والمشاهير والفنانين في العالم نقشت الحب على ورق التاريخ .. ما رأيك بأدب المراسلات وهل تعتبرينه متعة أدبية أو “فضيحة ” ؟ وهل حاولتِ مرّةً الخوض فيها؟
شكرًا على هذا السؤال الجميل كلود.
إنّ أجمل ما في أدب المراسلات وخاصة في الرسائل التي يتداولها عاشقان هو أنه عاطفة مطلقة، ولذّته في أنّه يولد سرّيًا ومن ثمّ يحلّق مع الضوء ليتباهى أمام الملأ بدهشاته المخبوءة. وما يميّز ذلك الأدب أيضا أنه يتوقّد بنار المسافة التي تفصل بين الحبيبن، فكلّما ازدادت المسافات بعدًا توهّج الحبر وتخمّر الشوق في دن المعاني. أمّا بالنسبة لسؤالك عمّا إذا كنت قد خضت التجربة، فالجواب هو “نعم” … وربما كانت التجربة الأشهى، ومنذ ذلك الحين أدمنت انتظار الرد فصرت أراسل نفسي وأقف في الجانب الآخر من المسافة، أرتدي ربطة العنق وأكتب بإحساس رجل يقرأ رسائلي.
5- من ” امرأة عذراء ” الى ” للبالغين نون النشوة ” ، كيف عاشتْ ناريمان علوش الكتابة الروائية؟ وكيف جمعتْ بين الشعر والرواية ؟
في كتابي الأول امرأة عذراء كانت حروفي أيضًا عذراء، وكأي كاتب كلّما تقدّمت به الكتابة صارت لغته أكثر نضوجًا وعمقًا ودهشة وقد مررت بالكثير من التجارب الأدبية حتى بلغت لغتي نون النشوة. إن دخولي عالم الرواية لم يكُن متعمّدًا فما هدفت إليه في كتابي “إلى رجل يقرأ” هو أن أبدأ بمقدّمة نثرية أدخل من خلالها إلى القصيدة، لكن المقدمة طالت وتفاصيل الحكاية أزهرت فوجدتني أمام رواية صغيرة ذي ملامح ناضجة ومتكاملة وما نالته من نقد إيجابي حفزني على دخول عالم الرواية من بابها الواقعي والخيالي فكانت رواية “زواج قاصر” والآن “للبالغين نون النشوة”.
6- الطموح لا حدود له .. هل حققتِ ما كنتِ تطمحين له؟ أم تبقى الأحلام والأهداف عديدة لا تُحصى ؟
إن لم يكُن الحلم ولّادًا فسنموت لحظة إبصاره النور. لكن ربّما أحلامي اليوم تنضج مع كتاباتي، فصارت أبلغ من تغريدة عصفور مرحّبًا بالصباح. أعتقد أن الحلم هذه المرّة سيأخذني إلى أبعد وأعمق ممّا كنت أتوقّع.
7- هل من سؤال وددتِ لو طرحته لكِ ولم أفعلْ ؟
كالعادة يا صديقتي، تفتحين كل الأبواب للإجابات وفي الختام توصدين السؤال خلفك حفاظًا على أمانة المعنى. شكرًا لكِ الإعلامية الرائعة كلود صوما وشكرًا لموقع ” ميزان الزمن” ورئيسه الصديق الوفي الكاتب والمخرج المسرحي يوسف رقّة.
من قصائد الشاعرة ناريمان علوش :
-1-
أطفأت في
جفن القصائد دمعتي
فاخضرّ صوتُ الأغنيات
وحرقتُ جلد
انوثتي كي تنمحي
بصماتُ عطرك من
مسام الذكريات .. لن أقتفي
أثر الحكاية.. قد كويت عروقها
ولسان ظنّك
يشتهي مِلحًا
يداري ذنبَهُ
سقط الهوى..
كقصيدة
خلعت قوافي
بوحِها
فتعرّت الأبيات
من ألحانها
ونفى المجاز
فراشة الإلهام
فاحترقت خطايا الأمنيات..
(عمّان 7-ابريل-2021)