صدر حديثا عن اتحاد الكتاب التونسيين المجموعة الشعرية للكاتبة والشاعرة كوثر بلعابي .
المجموعة حملت عنوان ” من جرحها تزهر .. ” وقد جاء في إهداء الشاعرة :
ما أردت..
لم أجد في وطني.. ما أردت
فكانت لغتي الوطن
الذي اشتهيت وشيدت..
بها رسمته.. جرحا.. جرحا
و نزفا.. نزفا
و حرفا.. حرفا..
فما أعظم الوطن الذي رسمت..
من القصائد المختارة من الديوان :
-1-
سندريلا..
امرأة تغفو على وجع..
و مع ذلك تصحو
موشوشة عشقها للورد و الريحان..
مموسقة وجدها للسواقي و الوديان..
تنتشي البتلات من صحوها
و ترقص بجعات الضوء
على وجه صباحها الوسنان ..
امرأة من خيوط الشمس..
تمد جدائلها نحو الاديم
على مدار الحب بالنور و الدفء
و وصلها الريان..
فينسحب الليل خجلا
أمام وميض عينيها الجريئتين..
النابستين بحلمها الفتان..
هي المرأة السندريلا..
لا يدميها السير بلا حذاء
في براري الوطن الشائكة..
و لا يحنيها حمل قضاياه الثقيلة
على كاهل الإصرار و الامعان ..
-2-
حزن المدينة
لَيْسَتْ حَزِينَه.. لِوَحْدِهَا
تِلْكَ المَدِينَه ..
بَغْدَادُ أيْضًا بِحَسْرَتِهَا
تَمْضَغُ جُرْحًا لَمْ يَبْرَأْ
وَ تَغُصُّ بِعَبْرَتِهَا الدَّفِينَه ..
بَيْرُوتُ.. مَرْفَأُ عَيْنَيْهَا الأزرَقُ
يُغَشِّيهِ مُذْ زَمَنٍ بَعِيدٍ
دُخَانُ حَرَائِقِهَا اللّعِينَه ..
ليستْ حزِينَه .. لِوَحْدِهَا
تلْكَ المَدِينَه..
دِمَشْقُ ..يَعْلُو الحِدَادُ غُرَّتَهَا
تَسْقِي الدِّمَاءُ أدِيمَهَا
تُمَزِّقُ زَغْرُوَدةَ الفَرَحِ المُرَجَّى
فِيهَا أصْوَاتُ الضَّغِينَه ..
طَرَابُلْسُ وَ خَلِيجُ سِرْتِهَا
لُطِّخَتْ بِالغَدْرِ خُضْرَةُ بُرْدِهَا
شَوَّهُوا فِي بَحْرِهَا
وَ عَلَى صَفْحَةِ بَرِّهَا
كُلَّ مَعالِمِ الزِّينَه..
لَيستْ حَزينَه.. لِوَحْدِهَا
تلِك المَدِينَه..
مَنْ يَسْمَعُ صَنْعَاءَ ؟
كُلَّمَا لَوَّحَتْ لِلْعُرُوبَةِ بِالنّدَاءِ
رَفَعَتْ بِالشّكْوَى لِرَبِّهَا
أذْرُعًا مُنْهَكَةً ثَخِينَه..
حتّى جَزَائِرُنَا العَصِيَّه
كَمْ جَرَّحُوا فِيهَا الإبَاءَ
كَمْ كَابَدَتْ.. كَمْ نَازَلَتْ
و كَمْ .. نَذَرَتْ
لِأجْلِ شُمُوخِهَا قَرَابِينَا..
لَيْسَتْ حَزِينَه.. لِوَحْدِهَا
تِلْك المَدينَه..
عَلى البُعْدِ..فَاسُ القَصِيَّه
تُؤْوِي إلَيْهَا نُوَاقَهَا
تَبُثُّ..مِنْ عُمْقِ الوَتِينِ
إلى عَمَّانَ أشْوَاقَهَا
و عَلى مَضِيقِ طَارِقٍ
تَرْسُمُ لِلْوَجْدِ وَشْمًا
يَخْتَصِرُ زَمَنَ سَفِينَه ..
هُنالِكَ.. فِي عُكَاظٍ
حَيْثُ رَتَّلَ الشِّعْرُ أوْرَادَهُ
تَنَامُ مَكَّةُ تَحْتَ أقْدَامِ الشُّيُوخِ
دَمُهَا صَقِيعٌ لَا يُؤجِجُ ضَادَهُ
حتّى وِ إنْ حَامَتْ بِهَا
نُوقُ شَارِقَةِ الخَليجِ و دَوْحِهَا
تَظَلُّ النُّبُوَّةُ فِيهَا رَهِينَه ..
لَيْستْ حَزِينَه.. لِوَحْدِهَا
تِلْك المَدِينَه..
“مَصْرُ” تَاجُ النِّيلِ يَا أُمَّ الدُّنَى
قَاوِمِي هَذا اليَبَابَ
قَرْطَاجُ تَحْضُنُ وَجْهَكِ
وَ جِرَاحُهَا مِلْءُ العُبَابِ
تَرْنُو إلى الشّرْقِ العَلِيلِ
بِحُنُوِّ عَبْرَتِهَا السَّخِينَه ..
تَرْنُو إلى حَيْثُ القِبَابُ مُذْهَبَةٌ
تُكَحِّلُ نَشِيجَ هُدْبِهَا بِالعَذَابِ
تُعَفِّرُ نَزِيفَ قَلْبْهَا بِالتُّرَابِ
وَ تَحْتَ وَقْعَ نَحِيبِهَا
تَلْتَهِبُ النَّارُ فِينَا..
لَيْسَتْ حَزْينَه.. لِوَحْدِهَا
تِلْكَ المَدِينَه..
إنّمَا.. كُلُّ مَدِينَه
يَكْسُو الرَّمَادُ أدِيمَهَا
لَهَا حُزْنُهُا الرَّاسِخُ
نُدُوبُهَا المُوجِعَةُ تُكْمُنُ فِينَا
لَهَا فِي القَلْبِ أشْرِعَةٌ
إلَيْهَا تَأْخُذُنَا.. بِشَيْءٍ مِنْهَا تَأْتِينَا
.. نُعَانِقُ ضِفَافَهَا..
نَسْتَنْشِقُ أعَطَافَهَا..
مَدِينَةً.. مَدِينَه…