روث عملاق
تركيبة فنية، على شكل “روث عملاق”، نصبه الفنان الروسي إيفان فولكوف(30 عاما)، بإزاء نصب تذكاري للحرب، مركون في وسط مدينة سانت بطرسبرغ، أوقف بجرم الإشتباه به، في قيامه بعمل تدنيس، و فتح تحقيق في إهانة الموتى وأماكن دفنهم. ونال عقوبة السجن لمدة خمس سنوات.( نداء الوطن، ص24/19/1/2022).
مؤلم أن يلجأ فنان إلى هذا النوع من العمل الفني، للتعبير عن السخط، والأستياء والإزدراء، ممن أشعلوا الحروب وقادوها. ممن أضرموا نار العداوات، وأحرقوا البلاد. ممن عملوا على تأخير الإنسان، وأعاقوا تطوره، وأذاقوا الشعب الموت الزؤام، لأعوام وأعوام. ولكن السؤال: ماذا لو زار هذا الفنان التشكيلي الذي يعيش عقدة الحروب الماضية لبنان، ووقف على تاريخ قادته في الحروب المستدامة، منذ تأسيس الكيان حتى اليوم. ماذا كان يفعل، قرب هذا النصب أو ذاك، الذي يذكر بالحروب. والذي يذكر بالنيران، تلتهم بيروت وطرابلس وصيدا وصور،وزحلة وبعلبك، منذ أول المئوية “غير المجيدة”، حتى اليوم.
نصب ترتفع في لبنان، لا تذكر إلا بالفتن. لا تذكر إلا بالأحقاد. لا تذكر إلا بكراهية الآخر، والعمل على سحقه وقتله وإلغائه، لا من لبنان وحسب، بل من الوجود.
قصور تعيش على مال الشعب، ولكنها تعيش أيضا على الكراهية والبغضاء لهذا الشعب المعطاء، الذي ما كان يدخر وسيلة، إلا لإرضاء حكامه، والعيش تحت نعالهم، وتقبيلها، قبل أن يداس بها.
ماذا لو أتينا بإيفان إلى لبنان، وحادثه المودعون. وحادثه جرحى الحروب. وحادثه أهالي الشهداء، قبل تفجير المرفأ وبعده. وحادثه المهجرون، الذين سلخوا عن بيوتهم، والذين سلخوا عن قراهم، وعن أملاكهم وعن أراضيهم.
إيفان حتما، سوف يأتي بروث العالم إلى لبنان، ويقيم منه النصب الإستنكارية. يعلم الفنانين اللبنانيين، دروسا جديدة، في الفن الإنكاري، والفن الإستنكاري. لمواجهة هذة الجائحة القديمة من الحكام، هذة الجائحة القادمة أيضا من الحكام.
لبنان يحتاج إلى فنانين تشكيليين، بصفة الفنان إيفان. يسرع إلى كل النصب، فيرفع بإيزائها، نصبا من الروث العملاق. وهو لا يحتاج للأتيان به من الخارج. يستعمل فائض النفايات. نفايات المطابخ السياسية. نفايات القيادات. نفايات الزعامات. نفايات القصور والوزارات والمراكز والمجالس. فهذة كلها، فائض نفايات. يقيم منها الفنان إيفان، روثا عملاقا. ويعلم الفنانين اللبنانيين المكبوتين، كيف ينتقمون لأنفسهم بالفن الإنكاري الإستنكاري. بالروث العملاق.