الخزامى مجانا
في اليوم الذي فتحت فيه المحال التجارية أبوابها، في العاصمة الهولندية “أمستردام”، وذلك بعد أسابيع من الإغلاق بسبب وباء كورونا، قام عدد من مزارعي الخزامى، بتوزيع كميات كبيرة منها، مجانا على المارة، من على ظهر القوارب عبر القنوات المائية المنتشرة في أنحاء البلاد، حيث تسهل القوارب التواصل بالخزامى في البلاد. وتبشر بعودة الحياة الطبيعية بين الناس.
هذا الخبر نقلته جريدة الشرق الأوسط. ذيلت به آخر صفحاتها اليوم(16/1/2022) وأرفقت الخبر بصورة، لقارب محمل بالخزامى، متوقف تحت عبارة، والناس على طول الجسر، يبتهجون مع المبتهجين، ويفرحون بالخزامى، ينالونها بأكفهم من مزارعي الخزامى، يدا بيد، تواصلا بديعا، يبشر المجتمع الهولندي بالإنفتاح، بعد أزمة وجدوها طويلة عليهم، وهي قد كانت لأسابيع فقط لا غير.
ترافق ذلك، مع خبر تناقلته جميع وسائل الإعلام، كل على طريقته الخاصة به، منذ الإعلان عنه. وكذلك نقلته جريدة الشرق الأوسط نفسها، وفي يوم الخزامى نفسه، على صدر صفحتها الأولى. يقول الخبر المبهج: (“أمل” و”حزب الله” “يفرجان” عن حكومة ميقاتي).
هذا الخبر أثلج قلوب اللبنانيين وأفرحهم حقا. وكاد يخرج الناس جميعا إلى طرقات على طريقة الهولنديين وينوف عليهم، إبتهاجا بما زف إليهم، و تعبيرا عن إغتباطهم بالحلحلة، والإفراج عن الحكومة التي أسرت لأشهر طويلة، لا لأسابيع، ميثاقيا. ذلك أن اللبنانيين، أكثر خوفا على ضياع الميثاق الذي لم شملهم تحت سقف الوطن. وهم يشعرون بالقشعريرة وبالخوف على المصير، كلما ذكر أمامهم أن الميثاق الذي يجمع بينهم في خطر، لهذا السبب أو ذاك. أو لأتفه الأسباب، لا فرق. يخشون أن يفلت الميثاق من عقاله في طاحونة الدولة، مثل “الملق”، في طاحونة القرية، الذي يحرس الرحى والحب.
اللبنانيون تعودوا على حجر الرحى، في طاحونة الدولة. وألفوا الميثاق/ الملق الذي يمنع الفتنة. يمنع المهروس، من أن يخرج ولو لدقيقة واحدة ولو للتنفس، من تحت لعنة الرحى. هذة الرحى التي تدور عليهم، منذ ثلاثة أرباع القرن. منذ ظهور الميثاق عليهم. منذ تكبيلهم به، وجعلهم قطيعا، أو دلوا من الحب، في طاحونة عمياء.
آه لو أرى غدا ، والجمهورية على موعد مع جلسة حكومية، خروج الناس زرافات ووحدانا، يحملون في أيديهم غصون الأرز، شلوحه، ترابينه، يلوحون به للوزراء وقد عطلوا جلسات مجلس الوزراء لأشهر، وهم في طريقهم إلى الجلسة في القصر الجمهوري، أو في القصر الحكومي. لا في مركز رئاسة مجلس الوزراء، الذي يدفع الشعب أجرته بلا فائدة. يصطفون على طريق بعبدا. على طريق الرينغ. يملأون الشوارع كلها. يسيرون المركبات المملوءة بالأعلام اللبنانية، مثل غابة ضربها تسونامي الفرح وهزها، وأسالها في الشوارع، وجعلها تهتف بكل ألوان الفرح والغبطة: يحيا الميثاق. عاش الميثاق، سيدا حرا مستقلا.
نعم يا ناس. الميثاق أقوى من لبنان. نعم يا سادة: إفهموا للمرة الأخيرة: إن الطوائف هم الميثاق. وهو لذلك أعظم من الوطن. إخرجوا إذا، إلى الطرقات. إلى الجسور. إلى الساحات. إلى الجبال والحقول. إخرجوا في قراكم. إخرجوا في مدنكم. إخرجوا في جميع شوارع وحارات وساحات وأحياء بيروت. إحملوا بأيديكم الميثاق. لوحوا به بكل قوة لطوائفكم. ليطمئن اللبنانيون، أنهم لا زالوا تحت رحى/ نعلة الميثاق. فهم كما نعلم، يضرب المثل بذلهم. ألا يقال : “أذل من الحب.”
اللبنانيون، أذل من الحب، تحت رحى الميثاق. تحت حجر رحى الميثاق. واللبنانيون أذل من قرادة، تحت ذيل ناقة أو جاموسة أو ثور، أو حمار من حمران الطوائف. إسألوا معي إذن، من إكتشفه. من إخترعه. من جعله قيما على الناس. من قال إن اللبنانيين، متمسكون به. من قال إن اللبنانيين عبيد له. من قال: إن اللبنانيين “عبيد العصا”، عبيد الميثاق. ميثاق الطوائف، في هذة الأيام.
كم يحتاج اللبنانيون من الوقت حتى تستوي طبختهم، ويشعروا حقا أنهم لبنانيون فقط لا غير. بلا ميثاق. وبلا شرف ميثاق. وبلا التشرف بالميثاق، وبلا شرشف الميثاق. فلا تستوي المحاكم إلا بميثاق، ولا تستوي التعيينات، ولا القرارات ولا المراسيم ولا الرئاسات ولا الوظائف، ولا نواطير الأحراش، ولا خفراء الجمارك ولا الكتاب العدول، إلا إذا توزعوا، كما يأذن الميثاق.
نعم أيها السادة! أنتم الذين تتربعون على عرش السلطة. نعم أيها السادة! أنتم الذين تتوثبون للتربع على عرش السلطة من جديد، بعد الإنتخابات. هناك في لبنان، من ليس معكم. وليس مع ميثاقكم. لأنهم يعرفون عن أنفسهم: أنهم لبنانيون “حاف” ، بلا متبلات. بلا زبدة وبلا زيت وبلا سكر وبلا عسل. وحتى بلا ملح. يتذوقون طعم لبنان مثل تذوقهم للخبز. مثل طفل صغير، يتذوق الخبز من يد أمه. من يد جدته. يجد فيه طعما أعظم، من طعم حلاوة الميثاق، التي تفلق “فلقة” الخبز. فمتى تحررونا من هذة اللعنة الميثاقية، الكذبة التاريخية، التي أسرتنا منذ ثلاثة أرباع القرن. صار ميثاق الطوائف ناظر النظار على الناس. من يحررنا إذن من ناظر النظار. من يقيل عنا لعنة الميثاق، وله منا الخزامى مجانا. له منا شلوح الأرز مجانا. له منا كل زهور لبنان، وكل زهور الأقحوان، وكل شقائق النعمان. له منا كل الأوشحة، وكل الأوسمة، وكل الميداليات، الذهبية والفضية والبرونزية مجانا. له منا كل الفرح والحبور، وزيارة أهل الميثاق في القبور. فقط لتقديم التشكرات، وإستئذانهم، أن اللبنانيين يفضلون الوطن والعيش المشترك بكل حرية وسيادة وإستقلال. وتحت سقف العدالة للجميع، على الميثاق.