في حياة كل منا بحار متلاطمة الأمواج. أمواج تبحث عن شاطئ سعيد ترمي عليه زبدها والمحار. وأمواج سمر حنين إلى أعماق ماض بلا انتهاء، مغلف باشتهاء. من غاص فيه مفقود، إن لم يكن يجيد السباحة، عكس التيار، كي يصل إلى شاطئ الزمان.
صخور الشاطئ تنتظر أمواجي. ولكن مساري الواقعي يتجه إلى العمق، إلى حيث تغرق الأفكار، كي تكتشف الذات الكبرى، لحظة السفر.
هذه أمواجي…بقايا من ذاتي التائهة بين الأنا والآخر. تكشف لأول مرة عن أحلامها، وآلامها، وقلقها اللامحدود.
….” أمواج سمر ” سلسلة على حلقات بقلم : سمر يوسف الخوري..
هنا الجزء الثاني تحت عنوان ” كتاب الوجوه ” :
أمواج سمر (الجزء الثاني)
كتاب الوجوه
التقيته، ذات حياة، على صفحة كتاب الوجوه، الفايسبوك. أبدى إعجابه بأشعاري. بادلته الشكر. لم يكن كغيره من الشبان. لم يكلمني يوما على الخاص. كانت تعليقاته راقية، تدل على ثقافة مميزة. أحببت لياقته في التعبير. صراحته لم تكن جارحة.
أيها الفايسبوك، ما أروعك. تحمل آهاتي وآلامي، ابتساماتي ودموعي.
أيها الكتاب الحامل مآسي البشر، كنت لي تعزية ، أنا التي لا أصدقاء لها ولا علاقات اجتماعية. كنت أعيش في كهفي المسحور، بين ظلال أوهامي وهواماتي، إلى أن تعرفت إلى صفحتك الفضية. أصبحت حياتي ذات طابع خاص، لا عزلة فيها، ولا انعزال، بل سفر يومي، في عالم الكلمات.
وأتى الصديق المميز ليزيدها إشراقا وجمالا. خرجت برفقته من الظلال إلى النور.
أهذه ابتسامة القدر؟
أتكون الحياة بهذا الجمال؟
هي الدهشة الثانية، بعد تعرف حواء إلى مذاق التفاحة الأزلية.
ولكن الدهشة تحولت إلى كابوس.
بدأت تعابيره تختلف، تصبح أكثر جفاء.
لم يستسغ آدم طعم الدهشة. راح يكيل لي الصدمات، بلا تؤدة.
يا إلهي،ماذا جرى؟
أهذا هو نبيل الذي عرفته؟ كيف تحول من نعجة إلى ذئب، بين عشية وضحاها؟
بدأت كلماته تصبح أكثر إسفافا وابتذالا. راح يرسل إلي صورا خادشة للحياء. ظننته يمزح، في البداية . قلت في نفسي:لعلها خطأ غير مقصود. لم أعلق على صوره وتعليقاته. اكتفيت بمحوها عندي. ولكنها أصبحت أكثر تواترا وتوتيرا. فكان الانفجار الكبير.
أرسلت إليه رسالة قاسية اللهجة، أعبر فيها عن غضبي الشديد، وأهدده بالحظر، إن استمر في تصرفاته اللاأخلاقية. ولكن، على من ترمي مزاميرك يا داود؟
وكأن غضبي استثاره، فراح يتمادى في إرسال أفلامه التي يندى لها الجبين. فحظرته غير آسفة.
ولكنه عاد من جديد، في حسابات أخرى، وبأسماء مختلفة. عرفته من تصرفاته، أنه هو اللا نبيل. وكان يضيف إلى صوره بعض الصور الشخصية لي، يتلاعب بها عبر الفوتوشوب، ويهددني بنشرها على الملأ، إن لم أستجب لرغباته الدنيئة.
هذه قصتي مع كتاب الوجوه، بل كتاب الأقنعة. لم أكن قادرة على تلبية رغباته، ولا على تجاهلها. حاولت أن أفتح حسابا جديدا، ولكنه كان يكتشف حسابي الجديد، ويخترقه حتى من دون إضافة.
أنا حائرة، يا أصدقاء. ماذا عساي أفعل؟ وكيف يمكنني أن أتحرر من كابوسي الدائم؟ أصبحت حساباتي فارغة كرأسي، تضج فيها رياح الحقد، من الجهات الأربع. أين خطئي في أن يكون لي أصدقاء؟ لم أعد أثق حتى بذاتي. محوت الجميع من حسابي الأخير.
وقبل أن يلفظ آخر حساباتي أنفاسه، ظهر حساب جديد باسمي. أرسل إلي طلب صداقة. كان الحساب بلا حياء تماما. هو بالطبع لا يمثلني، ولكن من يصدق كلامي، وقد ألغيت صداقتي مع الجميع؟
إن كان هو أنا، فمن أنا؟
أقفلت ذاكرتي على الفراغ، ورحت أبحث عن حفار قبور يدفن جثتي المهترئة ، في حفرة النسيان.
(بقلم : سمر ي. الخوري)