في عصمة بغل / قصة قصيرة للكاتبة منجية حاجي
-×-×-×-×-×-
الأشجار السّامقة تناجي سكّان السْماء، المنزل أقيم في هذاالمدّ الرّحب الأخضر قبالة المنحدرات المترامية .
كلاب الحراسة تمشّط المكان…تراقب الشّاردة والواردة،متأهبة لايّ حركة أو حدث مباغت ، كل الأماكن مطوقة ومحروسة بحرفية عالية ..
البغل هناك،يجوب الأزقة والحواري، يتبخترمصعّرا وجهه شطر السّماء. وهو يلبس ربطة عنق في السّاق اليسرى ويبتسم ، يعض على شفتيه بأسنانه البيضاء وهو يردّد، “وأخيرا سأكون الحاكم للغابة، فكم تمنّيت أن ألبس جوربا أسود دون أن يلومني أحد، أو يفرض عليّ لونه أو مقاسه …. أو…
كنت أعيش على التّبن اليابس، وأبيت في الخرائب وفي المغاور وتحت سفوح الجبال أقتات على بقايا الفتات.
أفترش ظليّ وأنام على تخوم المزابل، تطاردني فزّاعة الأسد ،لا أعرف من النّوم إلا قليله و من الطّعام إلا أقذره، وحتّى الصّلاة أصليها خلسة كي لا يقال أني من سلالة القدسين أو الأنبياء، فيدخلونني قسرا في سجون مظلمة ،وإن سولت لي نفسي رفع رأسي أمامهم، يجلدونني بلا شفقة ولا رحمة لتنهال علي العصي كمتاريس رصاص تغتال فيّ كل حياة، وأُعذّب عذابا نكرا ..
الآن …الآن فقط تغيّر الوضع . مات الأسد وقلت فصيلته وأندثر أعوانه وحرّاسه ومن لف لفيفه كلّ.
صار الملك لنا إذا ، والحكم بحوزتنا بيميننا وفي قبضتنا ، وكل من ينازعنا ملكنا ناخذه بالقوة نأخذه أخذ عزيز مقتدر ، و من لا نرغب به في حمانا، على أرضنا.
نعم آنتهى زمن التّرهيب وتنكيس الرأس وحمل الأثقال وجرّ العربات.
أنا اليوم بغل راقي وابن حمار شهيد وحتّى الجنّة ملك لنا بحوريّاتها وطيبها وحليِّها هي ملك لنا حتى الجنة جنتنا لا يشاركنا من ليس من فصيلتنا.
فماذا بعد هذا؟.
هيا يا ابن العم نادي بأعلى نهيق وشهيق في كلْ الأرجاء ،ولمَّ شتات كلّ الفصائل واخبرهم أنّني أنا اليوم ملك الغابة لا أحد سوايا
والحاضر يعلم الغائب أن الأسد النّتن مات وانتهت العبودية وأصبحنا أحرارا هيا فكّوا قيودكم وانتشروا في الأرض وافعلوا ما شئتم وقولوا نحن اليوم يحكمنا بغل لا يجادله أحد.
نادى المنادي في كلّ الأرجاء مات الأسد وأصبح البغل الملك يحكم بيننا بالعدل فانضموا اليه جميعكم ،علما وأنه يخاف اللّه ويحكم بالشرع والعدل.
سرى الخبر كالنّار في الهشيم وفتحت الجحور والزّرائب وخرجت كل الحيوانات، البهائم والبغال ليكون تجمّعا كبيرا مناصرا قويا لا يستهان به .
التفّت بالبغل الفحل الأسود ذاك صاحب الذّيل الطويل كل أصنافه من الأحمرة والبغال فكان يوما مشهودا رفعت فيه الرّايات والأعلام بكلّ أطراف الغابة وكثر الشّهيق والنّهيق في كل مكان فكان يوما مشهودا.
وقال أحدهم :
صحيح ستكون ملكنا
قال بصوت أجشّ يملأه الخواء نعم أنا الآن الملك فأطيعوني.
ردّد جميعهم مرحبا بك ملكا علينا،سنقف ورائك وندعمك وإن عبرت بنا برك الغمام
هزْ ذيله طربا ورقصوا وراءه كلّهم،
قالوهو يجمعهم حوله:
نعم أنا اليوم ملككم فكونوا نصرتي، أنتم وأولادكم وتوابعكم سنأسّس مملكة نحكمها بما يرضي اللّه وسأكون عادلا بينكم، لا مكان للظْلم بعد اليوم، الغابة ملك لنا باخضرها ويابسها ومائها وهوائها لا أحد يردعنا.
ردْد آبن عمّه البغل الأبيض:
أيها الأصدقاء أعلنوا في الغابة ان البغل هو ملك الغابة وكلّ من لا يبايعه نحكم عليه بالموت، وأساليبنا متعدّدة ومن لا يعرفها نشرحهها له.أعلموا أن محكمتنا عادلة وأنّنا نحكم بشرع الله.
التفت كل أجناس الأحمرة وتشاوروا فيما بينهم قال أحدهم في همس، أبعد الأسد وزئيره وبطشه وعظمته ننكّس أمام هيبته رؤوسنا يحكمنا بغل آبن حمار لا يعرف إلا تحريك ذيله عندما يهاجمه الذّباب.
قال آخر حمارا ينهق ليجمعنا ويلمّ شتاتنا وننضوي تحت حكمه في أمان، خير من أسد يقيم المآدب على جماجمنا ، ويحقر سلالتنا ويسرق قوتنا ويشتّت جهدنا ليعيش وحده في بحبوحة، أما البقية فالى الجحيم ..
وبعد أخذ وردّ آتّفق الجميع على حكم البغل.
فكثرت الفوضى وأفرغت السّجون من كل الفصائل ونصبت محاكم على هَوَاهُمْ أماتت الأبرياء وسألت الدّماء سقت الأعشاب فتيبّست، فضجّت القبور تحت الحوافر لتكون مأدبة بغال على شرف الحمير.!!