الأرض الخارقة
فتشوا عن الأرض الخارقة في العالم كله. فلن تجدوها، إلا حيثما توجد حروب لا تنتهي. حروب متناسلة من بعضها. حروب قديمة، تتجدد كل عام أو بعض عام، تدل عليها. وقديما قيل: “الرزق، عند مزدحم الأقدام.”
حروب لا تنتهي، في العراق، وفي سوريا وفي لبنان وفي فلسطين وفي اليمن. أما الحروب القادمة، (…..) كل يوم نسمع عن حرب هنا أو حرب هناك. ونظن أن الحرب كانت بسبب الناس، لأنهم أشرار. وما أدركنا حتى اليوم، أن الشرور كل الشرور، إنما هي في نفوس الطامعين بالأرض وخيراتها.
الأطماع قديمة في هذة الأرض، منذ قدمها. منذ تمصيرها، في زمن الفتوح. وهي صامدة في وجوه الجميع، ولو أنها ما وجدت راحة من الصراع عليها.
صراع الأخوة، قديم على الأرض الخارقة. صراع الآباء والأبناء. صراع الأحفاد. صراع الوافدين إليها، من كل الجهات. إنها الجنة هنا على الأرض. ولذلك يهبون أليها ويعتركون، حتى لا نهاية للإعتراك. حتى لا نهاية للحروب.
اليوم يشتد الصراع على “الأرض الخارقة”. زحفت إليها الجيوش: جحافل وعساكر جرارة تؤمها، تغير عليها، تريد الفوز بها. يعلم عنها أمرا واحدا. ينظرون إليها، أنها أرض سائبة. أنها أرض فارغة. أنها أرض بلا شعب، يستطيع الدفاع عنها.
كلما طمعوا في أرض، قالوا عنها: “إنها أرض فارغة.” هكذا برروا إحتلالهم ل “الأرض الجديدة”. هكذا برروا إحتلالهم، ل “الأرض القديمة”. عادوا اليوم إلى المعزوفة نفسها: الأرض الخارقة، أرض فارغة. أرض بلا شعب يدافع عنها.
حروب طويلة. سوف تستمر دهورا ودهورا، لأجل الفوز ب”الأرض الخارقة”. سوف يتجدد أعداؤها، جيلا بعد جيل. سوف تتغير الرايات. سوف تتغير الخيول المغيرة. سوف يتغير المغول والتتار. سوف يتغير الفرس والترك. حين يبتدئ عصر الفرنجة، وعصر الصليبيين. وعصر المماليك.وعصر الروس والأميركيين. لكن الأرض سوف تظل على عهدها. لا تسلخ عنها أديمها. ولا تقبل الخنوع ولا الخضوع.
الأرض الخارقة مكتومة القيد اليوم. لا يجرؤ أحد أن يسجلها على خانته. هم يناورون عليها. يعدون العدة للإنقضاض عليها. صنعوا لها فخا لإصطيادها. قالوا: إنه الربيع العربي. وإن العصر هو عصر الربيع العربي. وأنها آيلة للخراب الجميل. وأن أهلها لا يستحقونها. وأن حكامها، في صدد التخلي عنها. في صدد بيعها.
الطامعون وهم كثر، بالأرض الخارقة، لا يفقهون قانون الحياة. لا يعرفون أن الأرض تمتنع على الغاصبين، حين يسقط الحكام في إمتحان الكرامة. تنهض الأرض، تجدد أهلها، وتخوض حربها، وتنتصر على أعدائها، بالرغم من قهرها. لأنها الأرض الخارقة.