تونس – مراسل ” ميزان الزمان ” الشاعرة والاعلامية سليمى السرايري :
كتب الصحافي والأديب محمد بن رجب قراءة لمعرض الفنان التشكيلي العراقي ( المقيم في تونس ) الاستاذ سمير البياتي الذي اقامه في رواق الفنون في بنعروس وتشكل من لوحة واحدة كبيرة افترشت الرواق …هنا المقالة :
ما الحكاية ؟!!
……..
……..لما دلفت رواق الفنون ببنعروس للتمتع بمعرض الفنان العراقي التونسي سمير مجيد البياتي برفقة الشاعر سوف عبيد وسونيا عبد اللطيف عشية أمس الخميس رأيت جمعا كريما من الشعراء والفنانين جلوسا ووقوفا ولا أحد منهم يتجول في الرواق اندهشت لعدم وجود لوحات معلقة وكنت أنوي التقدم في عمق القاعة لكن شريطا أحمر موضوعا على طريقة الأشرطة التي تنتظر من يقطعه تدشينا للمعرض أو إعطاء إشارة آنطلاق حدث ثقافي هو الذي أوقفني .. فأوليت اهتمامي بالتسليم على الحضور وفي رأسي سؤال أين المعرض ؟! وفي اشارة من الصديق سمير البياتي تحركت نحو القاعة صحبته وشدتني على الجدار المقابل إشارة رمزية للسؤال والاستفهام ؟ باللون الأحمر على بعد حوالي عشرين مترا وانتبهت الى أنها تشكل رأس لوحة أرضية عملاقة .. لنقل هي “بساطية” لأنها على الأرض وليست جدارية معلقة أو مرسومة على الجدار ..
عندئذ انطلق المعرض في نظري وعرفت أني في حضرة عمل فني جديد لم يسبق أن شاهدته من قبل على مدى اكثر من خمسين سنة من عمري الثقافي .
هي” لوحة بساطية” ضخمة تشكل إنسانا عملاقا بطول 18متر وعرض 11متر طبعا بيدين عملاقتين ورجلين ضخمتين والرأس في نهاية الارضية صعودا قليلا مع الجدار المقابل لاي داخل للرواق فيلحظ بسرعة ذلك الإستفهام سؤال بالأحمر( ؟ )
ونكتشف شيئا فشيئا ان اللوحة مركبة أو هي تجميع لعدد من اللوحات على طريقة الليغو الضخم … اشتغل عليها سمير البياتي على عين المكان لمدة قد تكون تجاوزت الخمسين يوما حيث عكف على هذا “المشغل” بانشغال حماسي وبروح ابداعية عالية ترافقه الرغبة في تحقيق تجربة فنية تشكيلية متكاملة مع الإصرار على النجاح فيها والتألق بها .
وقد وفرت له ادارة الرواق اسباب الراحة ورافقته في رحلته مع هذه التجربة التي ستحمل تاريخيا اسم سمير البياتي مع اسم رواق الفنون ببنعروس
هي في النهاية معرض أرضي بلوحات متلاصقة تبرز الانسان في تاريخه وفي كل حالاته منذ بدء الخليقة مع أسئلة وجودية/انسانيةوليس سؤالا فقط يحمله
رأس هذا العملاق .
أسئلة في مأساة الانسان وعنفه تجاه الانسان .
لماذا يقتل الانسان أخيه .ولماذا التسلط على الآخر .
ولماذا يموت الانسان ببساطة
..وقد يتساقطون كالذباب لتحقيق مصالح الاخرين كم هي دنيئة هذه المصالح
هي اسئلة في التاريخ وفي الحضارة وفي الهويات وفي الاديان وفي القيم ..
هي اذن لوحة تتحدث . وتزعج وتقلق وتدعو الى التأمل والتفكير وليست مجرد تجرية فنية أرضية لتركيب معرض بساطي .
ولا أعتقد أن هذه الأسئلةالحائرة المحيرة هي من الترف الفكري عند سمير البياتي انما هي نابعة من تجربته الحياتية فهو الشقيق الذي يعيش معنا منذ سنوات عديدة لم يخرج من وطنه العراق ليستقر في تونس الا افلاتا من الموت والدمار فنحن نعرف ما حدث ويحدث في العراق . إنها المأساة في اجلى مظاهرهاوعمقها الانساني البغيض .هي الحرب والدمار تسلطت على العراق أرض الحضارات العظيمة وأرض الكتابات الانسانية الاولى وارض اول دستور بشري . وأول ملحمة أدبية شاهقة في الابداعات الانسانية مع الروح العالية والأسئلة في الوجود..
..هذه الارض المغرية.. أغرت عشاق الحضارات ولكن أيضا أغرت الحاقدين المدمرين للحضارات وجلبت اليها الأعداء عبر التاريخ وفي السنوات الثلاثين الأخيرة كان الاستعمار الحديث جاهزا ليمنع تطور هذه الحضارة وانبثاقها من جديد وانفجارها من الارض ومن ابنائها لتعود من جديد..فقال الاستعمار : لا والف لا ان يكون للعرب عودة وللاسلام نهضة
..فشكلوا للعرب من داخلهم عربا لا يريدون حضارة ولا رجولة ولا كرامة يريدون الركوع والاستكانة والخيانة مع الإهانة المهم أن يبقى نفوذهم على شعوبهم . لقد ” ابدعوا ” منهم أعداء للامة ومدوا أيديهم للاعداء وضربوا الامة من الداخل لأنهم مقتنعون اذا ما راج الفكر الحضاري الخلاق للامة وانغرس في تربته الثرية فانهم سيضيعون ويذهبون هباء فتشبثوا بضرب الأمة العربية من الداخل حتى لا تضر بهم ..كما أن الأعداء صنعوا للأمة “اسلاما”جديدا تدبر أمره الأعداء وخاصة الأمريكان ليكون أداة هدم وتدمير لا اداة إنتاج وبناء وتعمير .. فتبناه البعض منا فكانوا معاول هدم
وقد تفطن العراق العظيم الى هذه المؤامرة الكبرى الرخيصة فاضاف قبل ثلاثين سنة الى رايته كلمة الله اكبر لتوعية الناس بان أعظاء الامة ومغتصبيها والخونة من داخلها لايهدفون الى نشر الديمقراطية كما يدعون ولا فقط الى تركيع دولة عربية عظيمة بل الى خلق انقسامات جديدة داخل الاسلام والمسلمين بما يمنع عنهم أي تقدم واية نهضة . وفعلا لعب ما يسمى بالاسلام الجديد دوره الهدام ورفع الخونة الذين ساروا في ركاب هذا الاسلام رؤوسهم فخرا . لكنهم انهزموا في العراق وفي سوريا ومصر وفي ليبيا واليمن والسودان وفي تونس ..ومن قبل في الجزائر ويتواصل التدمير لكن بارجل مقطوعة ..فهم الآن يزخفون على الارض كالثعابين ..لكن لن يقدروا الا على الإزعاج الى حين فقد افاقت الأمة على خيانات هؤلاء الذين يمثلون الأعظاء في أوطانهم بدعوة منهم . وهم يستقوون بهم
تلك هي القصة الحديثة للعراق وطبعا مع أذيالها المروعة داخل البلدان العربية كلها
وتلك هي ماساتنا جميعا . وذلك هو دمارنا الانساني ..
..ولذا فالفنان لا يمكن أن يكون بعيدا عن هذه المعطيات . وهذا التاريخ . وهذه المأساة الكارثية فانطلق ….يحكي . ويثور ..ويسعى الى التوعية والتحذير . والتعبير العالي من أجل التغيير وايضا من أجل جعل حياتنا أجمل ….
واليوم هي انطلاقة سمير البياتي ابن الرافدين الذي تفتقت موهبته على هذه الماساة فراح يكتب الشعر..وأخذ الريشة والفرشاة
ليرسم واخذ العجائن والحجارة
لينحت ويعبر ويفضح ويصرخ
ويقيم المعارض..وينشر الكتب ليتنفس ..والا هو الموت ببطء داخليا وخارجيا ..
قرر سمير أن يكون شاهد عصر أمته ووطنه . وشاهدا على مأساته الشخصية ومأساة شعب وأمة وانسانية
…وها هو يصل الى هذه التجربة بعد أن أصبح تونسيا يشكل جزء أساسيا من نسيج الحياة الثقافية التونسية
وروحا ناطقة باسم الفن التشكيلي التونسي المتماوج مع الأبعاد التشكيلية في روحها العراقية الممتدة فيه من حامورابي وقلقامش الى عبد الوهاب البياتي مرورا بالسياب وعظماء الشعر والقصة والأدب في العراق العظيم . ومن قبله عشنا ومع مبدعين آخرين من هذا الوطن الشقيق الرائع الذي تكالب عليه الأعداء الخارجيين والداخليين ..ومنهم عبد الرحمان مجيد الربيعي الذي عاد الى العراق بعد أن قضى معنا ربع قرن كانت ثرية بالروايات والقصص والدراسات والبحوث التي وضعها بين ظهرانينا.
حضرت المعرض بدعوة من سوف عبيد الكاتب العام لجمعية ابن عرفة لتكريم سمير البياتي بهذه المناسبة لأن سمير هو نشيط داخل جمعية ابن عرفه اذ هو صاحب نادي الفنون التشكيلية منذ سنوات في فضاء دار السليمانية حيث تستقر جمعية ابن عرفة منذ سنوات ..
اذاً, هو تكريم ..وتعاون بينها وبين رواق الفنون ببنعروس . تعاون جميل مبدع خلاق …
..وقد تمت لهذا التكريم الجميل دعوة عدد من الشعراء وعدد من الفنانين وجلهم شعراء وفنانين تشكيليبن مثل سمير البياتي الذي عمرت الطاولة التي امامنا اعماله الادبية والنقظين للفنون التشكيلية
..وكان اللقاء بهم رائعا متميزا نشّطه في البداية سوف عبيد الذي قدم سمير البياتي تقديما جميلا ثقافيا وفنيا وآعتبره رافدا أساسيا لنهري دجلة والفرات في العراق في عناق خلاق مُوحٍ مع نهري مجردة ومليان في تونس.
واعطى الكلمة للحضور من الفنانين والنقاد التونسيين والعراقيين لتقديم شهاداتهم عن هذا المعرض في قراءات مختلفة ولكنها تلتقي في نهر فني واحد مع الاعجاب بالتجربة هذه , في رواق الفنون..
ثم تولت الشاعرة سونيا عبد اللطيف تنشيط الجزء الثاني من اللقاء بدعوة عدد من الشعراء الحاضرين في قراءات شعرية جملت المكان وأعطته أبعادا راقية جميلة متماوجة مع هذا المعرض الفني الفريد من نوعه وإن كانت له جذور تاريخية من تاريخ قرطاج وروما في تونس وتاريخ بابل والسوماريين في العراق بلاد الرافدين .
..
ملاحظة
وفي المعرض ثلاث منحوتات صغيرة تزين بها الجزء المخصص للقاء مع سمير واصقائه وزواره . هي لسمير ايضا لا تخرج عن السؤال عن الانسان وعذابات الانيان . لكن من يعذب الانسان غير الانسان
..انها مأساة الانسان
..هل تدرون أم لست أدري؟!
صديقي الكاتب والمسرحي يوسف رقة،، شكرا جزيلا على نشر مراسلاتي في موقعنا الجميل “ميزان الزمان” ممتنة جدااااااا مع فائق التحية