وزير الإقتصاد الدائري
يقول الإعلامي البيئي حبيب معلوف، تحت عنوان: “الإنهيارات تفرض بداية النقاش حول الإقتصاد البيئي” ( جريدة الأخبار23/12/2021، ص7): “فتح المجلس الإقتصادي الإجتماعي، من جديد، النقاش حول قضايا البيئة، بسبب إلتصاقها الشديد بالشأن الإقتصادي والصحي… والوجودي”. وذكر أن الورشة تناولت.. كثيرا من القضايا الحيوية: كملف إدارة النفايات وحماية الأحراج وتغير المناخ وتلوث الهواء. عكسه وزير البيئة الأستاذ ناصر ياسين، تحت عنوان: “التفكير في الإنتقال إلى الإقتصاد الدائري، كمفهوم منقذ في مرحلة ما بعد الإنهيار الشامل”.
هذا التفكير الجديد في بلورة العلاج، بالإقتصاد الدائري، هو حقا خارطة الطريق، للتصدي للإنهيار الشامل الذي يضرب لبنان اليوم حقا، كما نراه، وكما يراه معنا، معالي وزير البيئة الأستاذ ناصر ياسين.
ومنذ يومين إلتقيت الإعلامي علي بردى، في حلقة الأستاذة التشكيلية خيرات الزين ببيروت-قريطم، فذكر أن أول الطريق لحل الأزمة اللبنانية، إنما يكمن في المبادرة بشكل جدي لعلاج وتدوير النفايات. برأيه أن لبنان نظيفا من النفايات هو أول الطريق لتنظيف لبنان، من كل ما يضره به، وما يؤذيه وما يشوه صورته، وما يؤخر نهضته، وما يجعله على “السكة السياسية الصحيحة”، داخليا وخارجيا، بلا هيمنة وبلا سلاح.
“فكروا فيها” يقول الإعلامي فيصل سلمان. أما أنا فأقول: لو أن الحكومة، أخذت على نفسها تحقيق هذة المهمة البسيطة: أن تذهب إلى لبنان بلدا نظيفا من النفايات وأضرارها البيئية، وتعمل بالتالي على جعل هذة المهمة شعارا لها، لكان لبنان اليوم بألف خير. إذ لا أحد يجرؤ على معارضة فكرة “أن يكون لبنان نظيفا من النفايات”.
هذا الأمر يقود حكما، إلى المباشرة أولا بأول للإشتغال على نظافة العاصمة بيروت، من جميع أشكال النفايات التي تخنقها. إبتداء من كنسها اليومي.
فمعالجة نفاياتها اليومية. وكذلك تأمين الكهرباء لها، بدل “الموتورات” الخاصة الملوثة للمدينة بشكل عشوائي. وبدل تمديد الأشرطة والكابلات العشوائية، وبدل إستخدام أملاك مصلحة الكهرباء وأعمدتها، لصالح أصحاب الموتورات السوداء. كذلك وفي السياق نفسه، المباشرة بتأمين المياه لشبكتها، فلا تدع مجالا للناس، أن يستمطروا السماء. أو أن يشتروا المياه من “الستيرات”، أو ان يجعلوا الستيرات تجوب الشوارع والأزقة الضيقة. وأنتجعل أصحابها، يدخلون في الصفقات الرشى، لكبار أو صغار موظفي مصلحة مياه بيروت. أو أن يجعلوا الناس، من مستهلكين ومن باعة جوالين، يتعدون على شبكة المياه، بحجة إنقطاع المياه عنهم. بينما المياه سارحة في شوارعهم في عز الشتاء.
هاتان المشكلتان حقا، بأهمية رفع النفايات ومعالجتها، من شوارع بيروت، ومن المكبات العشوائية وغير المدروسة في محيط العاصمة. إذ لا يمكن القبول ببيروت عاصمة للبنان، وهي في الآن نفسه، تحتاج إلى أبسط مقومات الحياة: الماء والكهرباء، المؤسسة على نظافة المدينة من النفايات. والمؤسسة بالتالي لنظرية الإقتصاد الدائري التي يطرحها معالي وزير البيئة..
من جهة أخرى، على البلدية والجهات المعنية بالبيئة السليمة المستدامة، أن لا تهمل الأبنية القديمة. ولا جوانب الشوارع التي إزيلت منها الركاميات. بل عليها القيام بورشة إصلاح وترميم، تشمل الجدران والشبابيك والواجهات والأسطح، بحيث تبدو بحلة لائقة وجميلة. كذلك فإن مسألة التعديات على الشوارع في العاصمة بيروت، لمما يخنق المدينة، ولا يجعلها تتنفس. وهذا حق من حقوق المدينة على أهلها أولا، و على البلدية وعلى وزارة الداخلية ووزارة البيئة ومجلس الإنماء والإعمار، وعلى الحكومة، تاليا.
فرفع التعديات عن شوارعها، وإستعادة أرصفتها أمام المشاة، وعدم التساهل أو التسامح بفتح محال الخضار والبزورات والبالات، و السنكرية و تصليح الدواليب، و كراجات السيارات، أو القبول بالبسطات على أنواعها، وبالعربات على أنواعها، وإتخاذ السيارات المهجورة في الشوارع، وجعلها مخازن أو معاجن أو أفران أو مستودعات، لمما يتنافى مع نظرية الإقتصاد الدائري أيضا، لو تيسر للوزارة أو للحكومة أو للدولة أن تسير بهذا المشروع الحيوي التجريبي.. ناهيك عن الإهتمام بحرج بيروت، وبملعب الغولف في الغبيري وبالملاعب الأخرى الموجودة داخل بيروت ، قرب الجامعة العربية ، وفي مدينة كميل شمعون الرياضية، في بير حسن.
يتصل الإقتصاد الدائري للعاصمة أيضا، بمتابعة “فرق التسول” النهاري والليلي. وإيجاد حل جذري له. إذ تكاد العاصمة أن تتحول إلى “كمب” للتسول في الليل وفي النهار. فأطفال وبنات ونساء ورجال، الشوارع، يتوسدون الأرصفة، ويجعلونها لأغراضهم المحمولة. وهم يسرعون لإفتراشها أواخر الليل، حتى يبكروا في الحضور إليها بلا أجرة نقل، وبلا ناقل لهم. مما يترك آثاره السيئة على أرصفة المدينة وأمام أبواب محالها التجارية، خصوصا في المواسم. ناهيك عن شاطئ بيروت المنتهك من صغار القوم، ومن كبارهم، بحيث لم يعد شاطئ بيروت من الشواطئ الجميلة على المتوسط، إلا في كتب الجغرافيا وكتب التاريخ. فالإهتمام بالواجهة البحرية لبيروت في عين المريسة وفي الحصن وفي السان جورج وفي الهوليداي إن، وفي برج المر وفي مرفأ بيروت، كما الإهتمام، بنهر بيروت، وبما فيه وبما عليه. وكذلك الإهتمام بأسواق السمك وأسواق الخضار وأسواق المطاحن والحبوب، لمما يستكمل الخطة العامة للإقتصاد الدائري التجريبي لمدينة بيروت.
إن الأشتغال البيئي، على الطرقات والأرصفة والساحات والحدائق في الصنايع وفي حوض الولاية وخندق الغميق والبوشرية ومونو واليسوعية، وفي ساحة البرج والسيوفي وساسين،وفي الأسواق التجارية وفي الستاركو وفي الرميل والأشرفية، وكذلك، على المرافق الخاصة والعمومية، والعمل على صيانتها وتجديدها، لمما يقوي ويدعم نظرية الإقتصاد الدائري. فما بالكم إذا ما نظرنا في أحوال المستشفيات والجامعات والمدارس، وجعلنا غاية همنا المحافظة على سلامة الحياة البيئية فيها، التي تطال الناس، من كل الأجيال العمرية.
إن تنظيم السير في المدينة، بشكل صحيح وسليم، وإدارة شؤونه، ومعالجة المواقف العامة والخاصة، والتي هي في أسوأ حالة لها، لمما يصب في الإقتصاد الدائري. ناهيك عن معالجة السيارات القديمة والمهترئة، والمتوقفة عن السير منذ سنين، ومضايقتها لحركة النقل وحركة التوقف، وحركة المواقف.
يدخل في هذا المجال، الإسراع في توفير النقل العام للمواطنين، وتنظيمه بشكل دقيق ومتوازن ومدروس. فلا تظل شوارع المدينة تختنق بالسيارات، فوق الجسور وتحتها، وعلى المحولات والتحويلات الأساسية. ولا يظل الناس يختنقون ولا يتفادون فواتير الحياة الصحية المرتفعة، لأن الآليات تنفس السموم. وأما الناس فلا يتنفسون بشكل صحي. لأن الهواء الذي يتنفسونه، ملوث ومليء بالسموم وناقل خطير للأوبئة والأمراض المعدية وغيرها، خصوصا في عصر كورونا، ومتحوراته الخطيرة.
إن إزالة الدشم والحوائط والجدران والحواجز المعدنية، الشائكة منها، والمكهربة، من أمام الأبنية الرسمية، والأبنية العمومية والأبنية الخاصة، وفتح الشوارع على بعضها، وإحياء الوسط التجاري، وجعله “وردة جورية” أو زنبقة بيضاء لإستقبال الزائرين، وكذلك إزالة المحميات الأمنية في داخل المدينة وفي وسطها وفي أسواقها، وفي محيطها، لمما يفتح المدينة على إقتصاد دائري، ويجعلها مدينة متقدمة كما يشتهي معاليه.
إن تمكين بيروت كعاصمة وتجربة أولى على الإقتصاد الدائري، لا بد أن يتأسس على تفكيك الأمن الحزبي في داخلها، وعلى نزع كافة أنواع السلاح، وعدم السماح به في داخلها، لا على شكل ثكنات مهجورة، ولا على شكل مستودعات سرية، ولا على شكل مناطق أمنية ومحظورة أمام المواطنين.
إن تجربة “الإقتصاد الدائري”، يجب أن تنطلق من مكان ما في لبنان. وبيروت العاصمة، يتفق عليها الناس، أنها مدينة مفتوحة للجميع. وأن إستعادة الدولة لها، بخطة مدنية بيئية أصلاحية، هي عين العقل، لتجنيب بيروت،عاصمة الجميع، الكوارث البيئية.
إن نظرية الإقتصاد الدائري لمعالي وزير البيئة الأستاذ ناصر ياسين، إذا لم تطبق في بيروت، فلا يمكن تطبيقها في سائر المدن والمناطق اللبنانية. والمبادرة لتطبيقها،تعوزها خطة وإجماع، ومال وجهد وإرادة وشجاعة محلية ودولية، لخلاص مدينة، على شفير الإختناق والموت، وليس من باب الترف، والتفضل في السنوات العجاف.