كتبت الإعلامية والناقدة الموسيقية هالة نهرا لموقع ” الميادين – نت ” تحقيقا موسعا عن حصاد العام 2021 الثقافي والفني ..ننعيد نشره للإفادة نظرا لأهمية ما تضمنه من معلومات توثيقية ثقافية لهذا العام ..وهنا نص التحقيق :
رغم الانهيار المتسارع على كل الصعد في لبنان، إلا أن شعلة الثقافة فيه لا تزال متوهجة. أين نجح أهل الثقافة في العام 2021؟ وما هي التحديات التي يحملها لهم العام الجديد؟
عام 2021 في لبنان كان عسيراً على المستوى الثقافي. لقد تخلّلتْهُ المَشاقّ، وجَرَّ العامُ ذيلَ الأنين لوطنٍ معلَّق لم يشفَ من ندوب جراحه، ولا يزال يرزح تحت وطأة الإنهيار الإقتصادي المرعب الذي يشمل جميع المجالات والقطاعات منعكساً على المشهد الثقافي برمّته.
رغم ذلك، وفي حيّز الإمكان، فإنّ شعلة الثقافة لا تزال وهّاجة في لبنان. تمظهر التصميم الإبداعيّ والعزيمة القوية موسيقياً في زمن الشحّ والتقتير، وزفّتْ بيروت الموجوعة نبضاً سينمائياً عربياً جديداً، فيما انعكست الأزمة مع الإحباط النفسي وتداعيات جائحة “كورونا” على المشهد كلّه، لا سيما الفن التشكيليّ، مع استمرار عددٍ من الغاليريهات، فيما النحتُ بدا قليلاً في مقداره خلال سنة 2021.
أما شعرياً، فكان الأبرز والأكثر إِلْفاتاً استمرار “جائزة عصام العبد الله للشعر المحكيّ” في عامها الثالث.
في المقابل، لا يزال “إتحاد الكتّاب اللبنانيين” يناضل لانتزاع حقّ المثقّفين والمفكّرين والأدباء والشعراء في الحصول على ضمان صحّي إجتماعي.
من جهةٍ أخرى، وبعد الحزن الذي اعتراها والشلل المؤقّت الذي دَبَّ فيها، فإنّ “الحركة الثقافية في لبنان” بصدد تقديم خطّة مقبلة للعام 2022.
أما “الحركة الثقافية- أنطلياس”، فأعلنت عن تأجيل “المهرجان اللبناني للكتاب” للعام الثاني على التوالي، مؤكّدةً استمرارها في نشاطاتها الموازية. في حين أنّ وزارة الثقافة أصبح دورها حالياً يقتصر على الدعم المعنوي ثقافياً لأنّ خزينة الدولة على شفير الإفلاس! لم تتمكّن الوزارة من القيام بأبسط الأمور خلال سنة 2021، لذلك تفكّر جديّاً بوضع استراتيجية جديدة لعودة الحياة الثقافية لبنانياً.
من جهةٍ أخرى، كان لـ”لجنة أصدقاء شارع الحمرا” دورها المؤثّر خلال عام 2021 في الحضّ على إعادة إحياء الروح الثقافية لشارع الحمرا برمزيّته ومكانته، وبما يمثّله ولمنطقة “راس بيروت” أيضاً، حتى لا يلفظ أنفاسَه قلب العاصمة النابض تاريخياً وليستردّ معناه الثقافي ودَوْره المضيء.
النجوم والموسيقيون: عامٌ قاسٍ.. لكننا مصممون
عديدةٌ هي الأعمال الفنية لأسماء ووجوه لبنانية بارزة، وقد سُمع لها دَوِيٌّ خلال سنة 2021:
أعلن الفنان اللبناني مرسيل خليفة بتاريخ 16 كانون الأول/ديسمبر 2021 بعد سنة ونصف السنة من انكبابه على مشروعه الفني الذي يزاوج بين الشعر والموسيقى، عن وضع آخر نوتة على “جدارية” الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، التي اجتهد خليفة في تنغيمها. الجدارية تشكّل خميرة فنية ممتدة أيضاً من عام 2021 إلى عام 2022. إنها ذات بُعد ثقافي تتجلّل بأصداء واسعة في الأوساط الثقافية، بمواكبة الجمهور العربي والصحافة لخلفيات العمل ومِعجَنه. بعد رحيل صاحب “أثر الفراشة”، يتلاقى وجه مَن خلّد فلسطين في قصائده ونشر قضيّتها إبداعياً في العالم، والفنان الملتزم الذي عَدَّهُ درويش توأم روحه.
كذلك فإنّ سنة 2021 كانت زاخرة بالتحضيرات والإنجازات التي لم تبصر النور بعد لأسبابٍ عدّة، “كورونا” وانعكاسات الوضع الاقتصادي على الشعب ليست آخِرها. من ضمن الأعمال التي شغلت حيّزاً من الاهتمام والانتباه خلال 2021 الأسطوانة المقبلة للفنان اللبناني أسامة الرحباني، عِلماً بأنها تتضمّن شعر منصور الرحباني. ألبوم الرحباني المقبل الممتد تهيئةً من عام 2021 إلى عام 2022 هو مع الفنانة اللبنانية هبة طوجي (سوبرانو كورواتور Soprano colorature).
على مستوى قطاع الموسيقيين في لبنان عموماً صرّح لــ “الميادين الثقافية” قائد “الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق-عربية” المايسترو أندريه الحاج، مؤكّداً أنهم التزموا مع وزارة الصحة في ما يتعلّق بالنشاطات في ظلّ تفشّي “كورونا” وخلال الأزمة، إلى أن طلبت منهم خلال عام 2021 وزارة الثقافة في عيد الموسيقى العالمي (اليوم العالمي للموسيقى 21 حزيران) إحياء أمسية في المتحف الوطني.
كذلك قدّمت الأوركسترا حفلة بمناسبة “اليوم العالمي للتراث السمعي البصري” (27 تشرين الأول) وقد صُوّرت في استديو فيروز في إذاعة لبنان. صوّر الحفلة “تلفزيون لبنان” في نقلٍ حيّ مباشر إلى المشاهدين.
وقبل أسبوعين من عيد الاستقلال قدّمت الأوركسترا في مسرح “بيار أبو خاطر” 4 أغانٍ سُجّلت مع الكورال المدرسي لـ”مؤسّسات الإمام موسى الصدر” (“من يوم اللي تْكوَّن يا وطني الموج كنّا سوا”، و”لبنان الأخضر”، و”يا أهل الأرض وإنتو ترابا”، و”من نكون” وهي أغنية خاصة، عِلماً بأنّ ديانا وراجي مصطفى يدرّبان الكورال).
أما عن “الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية”، فأوضح الحاج أنّ ثمة حفلات تحييها في بيروت وهي حفلات خاصة “تقريباً” على حدّ تعبيره، واستمرار عملها هو نتيجة العلاقات التي بَنَتْها مع سفارات أوروبا وبذلك “يستجلبون” قائد أوركسترا من الخارج، ما طمح إليه أندريه الحاج قبل سنة 2019 لإقامة علاقات مع سفارة مصر وقد خَبُرَ ذلك في السفارتين التونسية والمصرية ونسج صلةً مع سفارة الأردن والسفير الأردني، وحتى الآن ليست لدى “الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق- عربية” صلات واسعة حتى تعمل الأوركسترا ولكي يطلبوها بشكلٍ خاص.
في ظلّ ازدياد “الوجع المالي” الناتج عن الأزمة الاقتصادية وانهيار العملة الوطنية وغلاء المعيشة، تجتمع “الأوركسترا الوطنية اللبنانية” وتتمرّن مرّة أو مرّتين في الأسبوع، كما يقول المايسترو الحاج، و”هم موجودون “أونلاين” وحاضرون ومُتَجهِّزون للحركة، لا سيما أنّ ثمة مشروعاً كان يجب أن يكون في “Pavilion” في دبي، والمشروع لا يزال قائماً مع وزارة الثقافة التي تهتم كثيراً بهذا الموضوع”.
يأمل الحاج أن تعود الأوركسترا إلى ملعب “العمل الروتيني” وإلى “لعبة الحفلات” تدريجاً خلال سنة 2022، وقد كان عام 2021 قاسياً وصعباً على الموسيقيين في ظلّ تدهور الأوضاع المعيشية.
بيروت المجروحة زفّت نبضاً سينمائياً عربياً جديداً
سينمائياً، شكّل “مهرجان الفيلم العربي القصير” (من تنظيم “نادي لكل الناس”) في دورته الــ 15 محطّةً هامّة جداً لبيروت. جمع المهرجان المخرجين العرب ونتاجات الشباب من لبنان والدول العربية في “المركز الثقافي الفرنسي”.
من البلدان العربية كانت حاضرة سينمائياً تونس والمغرب ومصر وفلسطين وسوريا والعراق، إلخ. وذلك عبر تجارب جديدة للشباب، إضافةً إلى حضور أسماء مكرّسة ولامعة من لبنان.
تبدّى في المهرجان نبضٌ عربي جديد في الميدان السينمائي، عكَسَ من خلال الصورة والصوت والموسيقى الهواجسَ في واقعنا، وتم توثيق ما يحدث في العالم العربي من خلال أفلامٍ عدّة.
هكذا تأكَّدَ لنا خلال 2021 أنّ بيروت، رغم جرحها المفتوح والمصاعب التي تُحمّلها عبئاً رهيباً يُثقل كواهل أهلها وأهل لبنان، فإنّ شعلة الثقافة فيها لا تزال وَهَّاجة.
الفن التشكيلي: “كورونا” وانفجار وأزمة إقتصادية
عن واقع الفن التشكيلي والنحت في لبنان خلال سنة 2021، قال الفنّان والخبير المتخصّص في الفن التشكيلي محمد شرف في حديثٍ مع “الميادين الثقافية” إنّ المعارض “لم تعد تُقام بالوتيرة نفسها التي كانت تُقام فيها سابقاً، وبعض الغاليريهات أقفلَ بسبب الظروف الإقتصادية. أما الغاليرهات التي استمرّت، فكانت ظروفها العامة أفضل من سواها مثل “غاليري جانين ربيز” و”غاليري صالح بركات”. وهناك صالات أخرى لَحِقَها الأذى والدمار من جرّاء إنفجار 4 آب 2020، لكن أصحابها هم من المناضلين كما يُقال”.
في هذا الإطار تحديداً يذكر شرف غاليري “Exode – أشرفية” و”Art on 56″… “في حين لم نعُد نسمع عن نشاطات غاليري “ألوان” أو “غاليري زمان” على سبيل المثال، عِلماً بأنّ الصالة الأخيرة كان نشاطها ملحوظاً طوال الفترات الماضية”، على حدّ تعبير شرف.
ويؤكّد شرف أنّ “كورونا” والإحباط النفسي والأزمة الإقتصادية عوامل أثّرت وانعكست على الفنّ التشكيلي، وقد أُقيم أكثر من معرض عن 4 آب بعد مرور سنة على انفجار مرفأ بيروت. كما أنّ هناك “غاليري مارك هاشم” التي تتابع أعمالها في وسط المدينة.
في المقابل، يفيدنا عِلماً محمد شرف أنّ النحت قليلٌ في مقداره خلال سنة 2021، ويرى بمنظارٍ نقديّ أنّ النحت يبقى أقلّ قدرةً على التعبير من الفنّ التشكيلي لأنّ قطعةً نحتيةً واحدة لا يمكنها اختزال وتجسيد الموضوع برمّته بالقياس إلى اللوحة التشكيلية”.
“جائزة عصام العبد الله للشعر المحكيّ”… شمعة ثالثة
أعلنت “مؤسّسة عصام العبد الله” في 19 كانون الأول/ديسمبر 2021 عن نتائج “جائزة عصام العبد الله للشعر المحكيّ” في عامها الثالث، خلال مؤتمرٍ صحافيّ أقامته في مقرّ نقابة الصحافة.
لجنة التحكيم المؤلّفة من الشعراء طارق آل ناصر الدين وجرمانوس جرمانوس ومحمد حمود وسمير خليفة ومهدي منصور، ارتأت أن تمنح الجائزة مناصفةً لمشاركَين إثنين من لبنان هما: رالف حداد وكريم عامر.
رئيسة المؤسّسة سلاف العبد الله تمنّت أن تكون المؤسّسة إضافة نوعية في المشهد الثقافي لبنانياً وعربياً. وتقدّم للمنافسة هذه السنة 20 مشتركاً من لبنان وسوريا.
الفائزان رالف حداد وكريم عامر تقاسما الجائزة النقدية وقَدْرها 10 ملايين ليرة لبنانية.
وأكّدت العبد الله في حديثٍ مع “الميادين الثقافية” أنّ المؤسّسة خلال سنة 2021 “قامت بمجهودٍ إضافيّ كبير جداً، ظهرت نتائجه بكتاب “العرّاف” وهو دراسة عن شعر عصام العبد الله للشاعرة والناقدة سارة الزين (دار النهضة العربية)”.
وختمت سلاف حديثها بأن “القادم للمؤسّسة أفضل بإذن الله على أمل أن يستقيم الوضع في البلاد، ولو كان ذلك مستحيلاً الآن”.
الكتّاب يناضلون لانتزاع ضمانهم الصحّي!
“إتحاد الكتّاب اللبنانيين” الذي يضمّ جزءاً من شعراء وأدباء وكتّاب ومثقّفي ومفكّري لبنان، تمثّلت أبرز نضالاته خلال العام 2021 في الشروع في خطوات عملية في سبيل تحقيق المطلب المحقّ والمُلحّ المتمثّل في حقّ الكتّاب بالحصول على ضمان صحّي إجتماعي، ما يُعَدّ من حقوق الإنسان، والكتّاب حتى الآن محرومون منه!
مكرم غصوب أعدّ مشروع قانونٍ، وارتكازاً على مرسوم رقمه 8073 صدر عام 1996 لإخضاع الفنانين والأدباء لأحكام قانون الضمان الاجتماعي (الضمان الصحي)، عمدوا ضمن مشروعهم في الهيئة الإدارية الجديدة إلى إنشاء “تطبيق” Application وجعل هذا المرسوم فاعلاً. أعدّوا مشروعاً ومسوّدة نظامٍ لضمان الكتّاب. لقد أعطوا هذا المشروع الأولوية وسيكملونه بمتابعته حتى النهاية حينما يتمّ إرساله من الضمان إلى مجلس الإدارة، ثم إلى وزارة العمل ومجلس الوزراء.
ولأنّ ميزانية الإتحاد 17 مليون ليرة لبنانية فقط لا غير في السنة، فإنّ ذلك يؤثّر سلباً على حركة الإتحاد ونشاطه، وبسبب انقطاع التيّار الكهربائي ساعات طويلة في مقرّ الإتحاد لا يمكنهم إقامة الندوات والأمسيات الشعرية بشكلٍ لائق.
الكتّاب الذين يشكّلون واجهة لبنان الثقافية، بدلاً من أن يتلقّوا دعماً حقيقياً كافياً من الدولة ليكون جوهر اهتمامهم وتركيزهم متمحوراً حول التحليق إبداعياً في ميادين عدّة، فإنّهم يكافحون بكل ما أوتوا من قوّة، حتى لا يتعرّض الكتّاب للإذلال على أبواب المستشفيات، وفي سبيل قضاياهم.
المشهد خلال سنة 2021 لا يخلو من المرارة والألم، ويحمل وميض أملٍ أيضاً كما يرى بعضهم؛ فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل!
“الثقافة متعثرة”.. في وزارة الثقافة!
الشاعر والأديب نعيم تلحوق، رئيس دائرة الإنتاج الفكري والأدبي في وزارة الثقافة اللبنانية، قال في تصريحٍ لــ “الميادين الثقافية” إنّ “النشاط الثقافي برمّته انحسر في لبنان منذ عامين أو أكثر، إنْ لم يكن في المنطقة، إنْ لم يكن في العالم أجمع، وذلك لأسبابٍ عدّة، منها وباء “كورونا” والوضع الإقتصادي العالمي، وخاصةً لدينا في لبنان وضع هبوط الليرة وسقوطها، والارتفاع الجنوني للدولار”.
وأردف تلحوق: “مع انحسار النشاط الثقافي انحسرت الأفكار والعلاقات والتجمّعات، خصوصاً في لبنان بعد إنتفاضة 17 تشرين عام 2019. كل ذلك جعل الانحدار يتفشّى ويتمدّد تماماً كالوضع الإقتصادي لأنّ الثقافةَ هي اجتماعٌ، والوضع الاجتماعي أيضاً كان أحد الأسباب الأساسية التي فكّكت عُرى التجمّعات والناس، فلم يعد بمقدور أيٍّ منا أن يقيم نشاطاً ثقافياً. وزارة الثقافة هي كسائر إدارات الدولة اللبنانية، أصابها الهلع فلا نشاطات ثقافية… باعتبار أنّ الثقافة في لبنان تقوم على أساس المجتمع المدني (…) وزارة الثقافة تقدّم الدعم والمساندة للأدباء والرسّامين والمسرحيين والسينمائيين، وقد اكتفت الدولة في ظلّ وضعٍ كهذا بوقف الدعم بسبب خزينة الدولة التي هي على شفير الإفلاس”.
يوضح تلحوق أن دور الوزراة “أصبح حالياً يقتصر على الدعم المعنويّ ومشاركة مؤسّسات المجتمع المدني دعواتها وبعض الأنشطة الخجولة. الثقافة باتت في أزمةٍ خطيرة جداً! كل ذلك بسبب انعدام المال، ولم تتمكّن الوزارة من القيام بأبسط الأمور التي كانت تقوم بها أساساً كمسابقة الشعر والقصّة القصيرة لطلاّب التعليم الثانوي والجامعي بسبب توقّف المدارس وانحسار الاهتمام بالتعليم عن بُعد. وكذلك الأمر بالنسبة إلى إصدار مجلّة “شؤون ثقافية” التي كانت تجمع العدد الأكبر من مثقّفي لبنان في “مطرحٍ” واحد مشترك ونشر إبداعات الوجوه الجديدة. كل ذلك بسبب التعثّر في دفع كلفة الطباعة بالدولار الأميركي مقارنةً بتدنّي الليرة اللبنانية شرائياً وقيمةً؛ فاقتصرت موازنة وزارة الثقافة على رواتب الموظّفين، ليس إلاّ! يبقى أنّ المسؤولية الكبرى أيضاً أنّ المنتديات الثقافية لم تعُد تتحمّل تكاليف ومصاريف وأجور اللقاءات والتجمّعات والأنشطة الثقافية بسبب الحال المتردّية للمثقّفين. من هنا، تفكّر وزارة الثقافة جديّاً بوضع إستراتيجية جديدة وهي بصدد ذلك لعودة الحياة الثقافية في لبنان، سيُعلَن عنها قريباً: التصوّر الجديد لإحياء لبنان ثقافياً واجتماعياً”.
واختتمَ تلحوق كلامه بتأكيد حقيقة الارتباط والترابط بين المجالات كلّها: “كل ما يمكن قوله في هذا المجال إنّه بتعثُّر الثقافة تتعثّر كل الميادين أو الأنشطة الأخرى، حتى الإقتصادية منها”.
“الحركة الثقافية في لبنان”: خطّة مقبلة
الفنانة والإعلامية ونائبة رئيس “الحركة الثقافية في لبنان” عبير شرارة قالت في تصريحٍ لـــ “الميادين الثقافية” إنّ سنة 2021 كانت صعبة جداً على الناس، ما انعكس في الإقتصاد والسياسة على الحركة الثقافية العامّة في البلد، وفي العالم العربي والعالم. نشاطات الحركة الثقافية كانت مَيتة بفعل تداعيات جائحة “كورونا”، وبسبب وفاة مؤسّسها الشاعر الراحل بلال شرارة”.
توقّفت الحركة إلى حين انعقاد جمعيّتها العمومية في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 وانتُخب باسم عبّاس رئيساً جديداً لها، وشرارة نائبة الرئيس ورؤساء لجان.
وتضيف شرارة: “لم تكن هناك نشاطات للأسباب المذكورة، والحزن أضاف شللاً مؤقتاً للهيئة الإدارية والأعضاء. الخطّة المقبلة تشمل تكريم بلال شرارة مع عددٍ من المؤسّسات الثقافية في البلد، وقد تمّت تسمية المجمع الذي أنشأه في بنت جبيل بإسمه “مجمع بلال شرارة الثقافي”، عِلماً بأنه كبيرٌ جداً يضمّ مسرحاً وهو أيضاً مكان لإقامة المؤتمرات والندوات والدورات والأنشطة الثقافية التي كان شاهداً عليها. الوضع الإقتصادي يؤثّر سلباً على التحرّك العام للناس (غلاء البنزين…)”.
وأوضحت: “خلال الفترة المقبلة ستحاول الحركة إقامة نشاطات تتضمّن توقيع كتبٍ وندوات شعرية، عِلماً بأنّ الصورة العامّة لا تزال غير واضحة تماماً”.
“الحركة الثقافية- أنطلياس”: تأجيل مهرجان الكتاب
“الحركة الثقافية- أنطلياس” التي اعتادت أن تكون محورَ نشاطٍ ثقافي متوهّج في لبنان والمنطقة، وعلى إقامة مهرجان للكتاب سنوياً في شهر آذار يترافق مع تكريم شخصيات أدبية وثقافية وفكرية لبنانية وعربية، أعلنت في بيان صدر في كانون الأوّل 2021 أنها قرّرت بكل أسف تأجيل المهرجان اللبناني للكتاب للعام الثاني على التوالي. وذلك بسبب ظروف لبنان الصعبة وفي ظلّ الأزمة المُتفاقمة إقتصادياً وإجتماعياً وفي خضمّ انتشار المتحوّر الجديد من فيروس كورونا. وأكّدت الحركة استمرارها في نشاطاتها الموازية ومناقشة كل القضايا التي تهمّ الشعب اللبناني في هذه المرحلة مع العمل على تفعيلها.
“لجنة أصدقاء شارع الحمرا”: لتتروحن راس بيروت
رئيس “لجنة أصدقاء شارع الحمرا” وارف قميحة قال في لـــ “الميادين الثقافية”: “في البداية أطلقنا مبادرة إسمها “بيروت لا تموت” بعد جريمة تفجير مرفأ بيروت وأقمنا معرضاً توثيقياً تحت هذا العنوان على درج مار نقولا في الجميّزة، وانتقلنا إلى “دار المصوّر” في الحمرا. حينذاك كانت أجواء الحمرا كئيبة وفكّرنا بإنشاء “لجنة أصدقاء شارع الحمرا” وهي مساحةٌ واسعة وفضاءٌ رَحْب لكل مَن يحبّ شارع الحمرا ويعنيه الشارع بكل مكوّناته جغرافياً وثقافياً وفكرياً، بالتاريخ الذي كان يختزنه الشارع”.
ويضيف: “نحاول أن نعيد إحياء الشارع بكل تواضعٍ من كل جوانبه الفكرية والثقافية والأدبية والموسيقية والفنية. هذه اللجنة هي لجنة أهلية تضمّ مجموعةً من الناس الذين يحبّون هذه المدينة. قامت اللجنة بمبادراتٍ عدّة وساندت أيضاً مبادرات عدّة، فأي نشاط يُقام في الحمرا وفي منطقة “راس بيروت” هذه اللجنة تضع كل إمكانياتها المعنوية والجسدية بتصرُّف هذه المبادرات من أجل إعادة الروح لقلبِ المدينة”.
يقول قميحة إن الأمر “بدأ بحملة نظافة عام 2021 وكنّا نساندها، وقد قامت بها وحدة متطوّعين في جمعية المقاصد ومبادرة حسن الجوار في الجامعة الأميركية في بيروت، وكان دور اللجنة فعّالاً في التنظيم والتحضيرات. النظافة لا تعني نظافة الشارع فحسب، بل أيضاً نظافة الأفكار والعلاقات الإنسانية وحرية الاعتقاد والتفكير والإبداع، وصولاً إلى ثقافة الحوار التي ننشرها جميعاً”.
حملة تنظيف شارع الحمرا أُسبِغ عليها طابعٌ ثقافي جليّ عبر إشراك المثقّفين والفنانين فيها وكان أبرزهم “أبو سليم الطبل” (صلاح تيزاني) وسمير شمص والممثل “زغلول” (فؤاد حسن).
موسِّعاً قال قميحة: “بعد هذه الحملة وانطلاقاً منها بَدَرَ من محافظة بيروت إطلاقها لحملة “بيروت نظيفة” وكان للّجنة دورها (مساهمةً ومساندةً). هكذا استمرّت الحملات وأخذ بعضُ المبادرات يشتق من بعضها الآخر. ثم أطلقت مبادرة حسن الجوار في الجامعة الأميركية في بيروت مع “مسرح المدينة” مهرجان سلسلة حفلات لشارع الحمرا، بمناسبة الأعياد في الأيام الميلادية وعلى أبواب السنة الجديدة 2022، تحت عنوان “الجار للجار- أمسيات موسيقى وغناء لَتِتْرَوْحَن راس بيروت” (11- 29 كانون الأول 2021)، عِلماً بأنّ “لجنة أصدقاء شارع الحمرا” كان دورها أساسياً على مستوى الترتيبات والتنظيم (…)”.
وتابع رئيس “لجنة أصدقاء شارع الحمرا”: “حالياً نعمل مع المكتبة الوطنية من خلال مجلس إدارتها لإعادة إفتتاحها ولكي تكون منصّة ثقافية من أوّل الشارع على اعتبار أنّ موقعها الجغرافي في أوّل الحمرا. نحاول دعم المكتبة الوطنية لتكون منبراً وصرحاً ثقافياً موجوداً في الحمرا. ندعم أيضاً على سبيل المثال مكتبة “برزخ” في الحمرا، هذا الفضاء الثقافي الذي أصبح يحمل برنامجاً دورياً على مدى الأسبوع من الإثنين إلى الخميس: Stand-up comedy وOpen mike وقراءات شعرية وقراءة كتب مع مناقشتها، وفِرَق موسيقية وعروض أفلام سينمائية ومناقشتها، إلخ. نسعى أيضاً إلى إنارة الشارع ليكون المسرح والسينما موجودَين، وليتحرّك الناس بحرّية (…). الهدف هو إعادة إحياء الروح الثقافية لشارع الحمرا”.
وعن الأزمة الاقتصادية قال قميحة إنها خلّفت بصماتها الواضحة على أيّ عمل ثقافي وإنتاج فكري لأنهما يحتاجان إلى مستلزمات وإمكانيات مادية. وأردف: “القدرة الشرائية لدى المواطن أثّرت سلباً على إمكانية إرتياده “الأماكن”، إضافةً إلى تكلفة التنقّل وصعوبات الحياة. نحاول في اللجنة أن نساعد لكي تكون الأنشطة شبه مجّانية ولكي تكون شرائح المثقّفين والأدباء والمتذوّقين موجودة فيها”.