صدر حديثا عن دار ” زمكان ” الديوان الجديد للشاعرة د. لارا ملاك تحت عنوان ” لا ..وبعض اسمها ” ويتضمن مجموعة من قصائد الشاعرة ومقدمة له كتبها الاعلامي والباحث الشاعر حبيب يونس و الغلاف بريشة الفنان عبد الحليم حمود .
وقد حصل موقع ” ميزان الزمان ” الأدبي في بيروت على نص مقدمة الكاتب والشاعر حبيب يونس للديوان وعلى قصيدتين من ” لا ..وبعض اسمها ” ننشرهما على النوالي .
مقدمة الشاعر حبيب يونس للديوان :
“لا… وجميع أسمائها”
بقلم: حبيب يونس
مذ جرى الكلام على اللِّسان، وتحوَّل، من ثَمَّ، لغةً مقعَّدة… لم تعرفِ الـ “لا”، أنافيةً كانت أم ناهيةً، أرفضًا جُهر بها أم تمرُّدًا، مكانتَها في الحياة وفي الأدب، قبل لارا ملَّاك، إذ جعلتها مستويةً على عرشٍ من فُجاءات، ملكةً على كلِّ الحروف والأسماء والأدوات وحتَّى الكلمات.
وليس مصادفةً أن تكون تلك الـ “لا”، من صلب نسيج الكاتبة الشَّابَّة الرَّائية، وهي تقتحم بجُرأة ووعيٍ، عالمَ الكتابة، وفي قلمِها حبرٌ جديد، وفي روحِها نبضٌ جهير، وفي حضورِها أناقةُ زنبقة.
لارا… وما الـ “را”، إلَّا صدًى لصرخةِ أنثى، في وادي المشاعر والمواقف، يبقي الصَّوت منتصبًا كسنديانة، وعاليًا كحورة، ومسموعًا كعندلة.
وملَّاك… وما الـ “لا”، ولو طاولها الإدغام، سوى نقطةٍ فاصلةٍ بين موروث تقليديٍّ، وكشفٍ لغامضٍ لم يأتِ به غدٌ بعد.
لعلَّ لارا أخطأت، اتِّضاعًا، في عنونةِ كتابِها “لا وبعض اسمها”، وكان الأولى بها أن تطلق على مولودها الثَّاني “لا وجميعُ أسمائها”.
فقد قرَنَتِ القولَ إلى الفعل، بأن أثبتت أنَّ “اللُّغةَ كيٌّ للمعجزات”، حين تطلُع مفرداتها من عميقِ حَشا، لتغريَ العينَ بمدًى وسيعٍ ينتقم من قبوٍ أو من مكانٍ خبيء، والخصرَ برقصةٍ مع ذئبٍ، والقلبَ بموعدٍ مع مغامرة.
وبرهَنَتْ أنَّ اللُّغة “دفنٌ للمقامات”، فلا محرَّمَ عندها، إذذاك، ولو لم يستجبْ “أبعدُ صوتٍ شقَّه المدى”، رغبتَها في قبلة… فالسَّرير لا بد “يقول شهوتَه”، ذاتَ ليلٍ، أو ذاتَ بالٍ، أو ذاتَ قصيدة.
وبعد،
لارا ملَّاك اعتنقتِ النَّفي، عقيدةً وسلوكًا، بوحًا وقناعة. مارسته في معبد “الومضة”، الذي انتمت إليه راهبةً، فتحوَّلت فيه كاهنة، تأمر النَّفي بألَّا يقُلْ للأشياء جمالها، لأنَّ النُّورَ، وهو جميعُ الجمال، لن ينبثقَ إلَّا إذا أطلقت ومضاتِها جميعًا في سماء كتاب، أو إلى منبر أمسيَّة.
معها تتمرَّد الكلمةُ على معناها، والموسيقى على نغمِها والإيقاع، والقصيدةُ على شكلِها ووظيفتها، والحبرُ على بطن الحوت.
معها تُستَلُّ القبلةُ من غمد الشَّفتين، لتتحوَّل قدمين “تتباعدانِ نحو ذات واحدة”.
معها تبدو الومضة حوَّاءَ عادت إلى جنَّتها، متأهِّبة لارتكاب خطيئة العصيان، مثنى وثلاث ورباع، فتحوِّلُ الأرضَ المطرودةَ إليها من جديد، حقلًا للغة جديدة، وصورًا كثيفة في خيالٍ جامح، ورموزًا في أساطيرَ لم تكتمل بعدُ أحداثها وتخيُّلاتها، ولم يُفصح أبطالُها عن هويَّاتهم… ولن.
كأنَّا في حضرة غرائبيَّةٍ حُبلى بأسئلة ودَهَشٍ، تضعُ كلَّما طُويَت صفحة، مولودًا قصيدة على صفحةٍ جديدة.
وحسبي أنَّ لارا الـ “لا”، ملاكٌ من سماءِ الكلمة، حلَّ بيننا.
قصيدتان من الديوان للشاعرة د. لارا ملاك :
-1-
لا نجدةَ تلفُّ شعرَها..
غُرِستْ مرّاتٍ..
صارت أعمقَ شمسًا
ألصقَ عَبَقًا وظلمة..
عجافٌ ترداداتُ المقولة..
دَفنْتُ أرسطو على باب المكان..
دارٌ برجوازيٌّ
فلّاحٌ يقولُ البلاط
يهذي بورَ إصبعٍ..
لا شهادةَ إلّا في فيءِ شجرة..
بومةٌ تستلقي
تخافُ اسمَها..
يطيرُ الحمام
يحطُّ الضّجر…
-2-
لا جِلدَ يكفي عناقي فيك..
اللّغة كيُّ المعجزات..
دفنُ المقامات
بأشكال بوحٍ هزيل..
هي أن أغيب
أو أن تقول..
الحدُّ مفردة..
فاصلٌ خطُّ السّيفِ
بين كوكبين..
كأن أدور..
بعضُ الظّلِّ يكفي
كي لا أرتجفَ
ولا أستعر..
لكنّي قرارتُكَ..
آن لي يا حقيقة
أن أستريح…